أولاً: المؤتمر..
عُقد في غروزني، عاصمة الشيشان مؤتمر إسلامي لتحديد عقيدة أهل السنة والجماعة، بحضور مفتي الأزهر الشيخ أحمد الطيب وعدد من العلماء السنة، وذلك لتحديد عقيدة الجماعة، وهكذا إذن، فعقيدة أهل السنة والجماعة لا تُحدّد في مكة المكرمة "مهبط الوحي" ولا في يثرب "مدينة الرسول" ولا في بغداد حيث "نظامية الإمام الغزالي" ولا في قرطبة " المالكي ابن رشد"،بل في الشيشان حيث لا يتقن أهلها اللغة العربية إلاّ بشقّ الأنفس، ويعقد المؤتمر والصراعات الدموية تعصف بالعالمين العربي والإسلامي، أمّا الهدف المعلن فهو تحديد العقيدة الإسلامية (عقيدة أهل السنة والجماعة) وتهذيبها وتشذيبها من الانحرافات التي خلّفتها الحركات السلفية والأصولية، والتي تطحن تحت رُحاها عظام المسلمين مع دمائهم التي لا يتوقف نزفها كل يوم.
ثانياً: المؤتمرات لا تونشئ العقائد الأرثوذكسي (المستقيمة)..
العقائد الدينية لا تخلقها المؤتمرات، كل ما يمكن أن تأتي به المؤتمرات هو التلاعب بما كانت قد أنتجته حيوية الشعوب بثقافتها وإيمانها وعقيدتها وجهادها. فمفهوم أهل السنة والجماعة لم يولد بين ليلة وضحاها، وهو لا يرقى تاريخياً لحادث عابر، تنازل الإمام الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، ففي العام أربعين للهجرة، هو عام الجماعة لتوقف الصراع الدموي بين معاوية والطالبيين، أما ما ندعوه العالم السّني فهو عقيدة فرضت نفسها بشكل متأخر كواقع اجتماعي وثقافي وديني، ويذهب البعض إلى أنّه لم يتبلور قبل القرن الخامس الهجري، على عكس الوهم الشائع والقائل أنّه موجود منذ لحظة النبي والقرآن، هذا ما يقودنا إليه البحث التاريخي لا العقائد الدوغمائية المسيطرة، وكتب الملل والنحل والبدعويات، فالعقيدة التي استقرت عند الأشعري والماتريدي وأخذت مفهوم أهل السنة والجماعة، لم تكتمل إلاّ بعد أن استقرت المذاهب السنية الأربعة : أبو حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وآخرهم ابن حنبل (المتوفى عام ٢٤١ هج) ،ثم كُتّاب السيرة النبوية: ابن اسحق (١٥٠هج) وابن هشام (٢١٩هج)، ثمّ مؤلفو كتب الحديث الستة: البخاري ٢٥٦هج) ، وبعد ذلك مسلم وابن ماجه وأبو داوود السجستاني والترمذي والنسائي (٣٠٣هج) ، ثم الشهادات الإيمانية أو العقائدية كعقيدة ابن بطّة (٣٨٧هج) والبربهاري ، ثم تفسير القرآن وكتب التاريخ القديمة ككتب الطبري، التفسير والتاريخ (٣١٠هج) ، صحيح أن أبو الحسن الأشعري، بلور العقيدة بمسحات هامة من علم الكلام، لكن الثابت أنّ هذه العقيدة صاغتها أجيال متعاقبة بايمانها وجهادها، ولم تنتظر من يصوغها في مؤتمرات، كذلك بقية الفرق والجماعات وفي مقدمتها أهل الشيعة، وهذه الفرق والطوائف كانت تعبّر في الواقع عن منظورها للدين الصحيح أو عن فكرتها للدين الصحيح، وعن حقها ورغبتها في الوجود واتخاذ مكانتها اللائقة بها، فهي ليست مجرد حركات "مارقة" أو زنديقة كما ادّعت الأدبيات البدعوية الكلاسيكية المكتوبة من وجهة نظر الإسلام الرسمي.
ثالثاً: الأمة بعقائدها في مهبّ الريح..
المصاب الكبير الذي تعانيه الأمة ليس إيجاد تعريف جامع مانع للعقيدة، بل هو وكما كان في القرن الخامس الهجري، الصراع بين الجنس العربي وبقية الأجناس الأخرى، ففي الوقت الذي كان المثقفون (كما هي الحال اليوم) يبذلون كل جهدهم من أجل توليد وعي إسلامي جماعي عن طريق بلورة شريعة وعلم كلام وثقافة متكاملة للمؤمنين، راح جسم أجنبي يصادر لصالحه كُلّا من الهيبة والسلطة والمصادر المادية، ويُفرّغ العقيدة من كل دلالاتها ومعانيها الانسيّة ، وللذين يعتقدون بأنّ العقيدة تصلّبت وتكبير وتحجرت، هاهو جوزيف شاخت يلاحظ في (الموسوعة الإسلامية) أنّ القضاء الإسلامي أو التشريع الإسلامي، وحتى بداية الفترة العباسية قد تعرّض للتعديل المستمر والتطور والنمو بحسب الظروف والحاجات المستجدة، قبل أن يصبح متشنجاً ومتصلباً، ومع دخول الأتراك مسرح التاريخ الإسلامي كُتبت الغلبة للتقليد على الاجتهاد في الوسط الإسلامي، تُرى بماذا خرج المؤتمر الشيشاني، غير نبذ السلفيين من أهل السنة والجماعة، والحطّ من سياسة المملكة السعودية، والتأييد المظمر للأخوة المجاهدين الروس، الذين بعد أن افلحوا في اجتثاث الانتفاضة الشيشانية، يأملون القضاء على الثورة السورية.