عاد الصراع التاريخي ليحتدم من جديد بين السلفيين والأشاعرة من بوابة ما حصل في مؤتمر " أهل السنة والجماعة" الأخير الذي عقد في العاصمة الشيشانية غروزني وما نتج عنه من موقف للأزهر كان مستفزا للسلفيين خصوصا في السعودية.
ماذا حصل؟
ناقش المؤتمر العديد من القضايا وطالب بتصحيح تعريف مصطلح " أهل السنة والجماعة" على لسان مفتي الأزهر الشيخ أحمد الطيب والذي حصر أهل السنة والجماعة بالأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث مخرجا السلفيين من دائرة التعريف ومطالبا بإستعادة المصطلح من أيدي المتطرفين.
ونقل عن العلامة السفَّاريني قوله: "وأهل السنة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي"، وعن العلّامة مرتضى الزبيدي قوله: "والمراد بأهل السُّنة هم أهل الفِرَق الأربعة: المحدِّثون والصُّوفية والأشاعرة والماتريدية".
هذا الموضوع إستفز الدعاة السعوديين والخليجيين ونظموا حملات إعلامية تهاجم موقف الأزهر وتندد بكلام الشيخ الطيب. وإستغلوا مكان المؤتمر للتصويب على روسيا ودورها في الحرب السورية وإعطاء الأمور بعدا تآمريا على السنة في العالم وخصوصا السعودية في هذه الأوقات الحرجة بحسب ما أعلن كثير من المغردين.
وشارك في المؤتمر -الذي رعاه رئيس الشيشان رمضان قاديروف- العديد من الشيوخ المصنفين على أنهم ضد السلفية، مثل شوقي علّام مفتي مصر، وعلي جمعة مفتي مصر السابق صاحب الكلمة المشهورة " إضرب بالمليان" ضد متظاهري النهضة ورابعة، وأحمد الطيب، والحبيب علي الجفري وهو من المتصوفة، وسعيد فودة، والداعية السعودي حاتم العوني الذي يكن عداءا للسلفيين، وعبد الفتاح البزم مفتي دمشق وغيرهم.
صراع عقائدي تاريخي يتجدد:
الصراع بين السلفية والأشعرية قديم في عمق التاريخ والتراث الإسلامي على هوية ومكونات وماهية مفهوم أهل السنة والجماعة. فقبل ولادة الأشاعرة، كان مصطلح أهل السنة يطلق على المحدثين " أهل الحديث" ومع قدوم أبا الحسن الأشعري وإنشائه لما يسمى اليوم المذهب الأشعري، أصبح المصطلح يضم الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث. أما كلمة " الجماعة" التي أضيفت لاحقا للمصطلح فهي تحمل بعدا سياسيا أكثر منه عقائدي ويعود سبب التسمية لعام الصلح بين معاوية والحسن بن علي حيث عرف ذاك العام بعام الجماعة فأصبح أهل السنة والجماعة هم من يعتقدون بشرعية الخلفاء الأربعة.
الصراع في الأساس كان بين المعتزلة والأشاعرة وورثه السلفيون الذين ينتمون إلى أحمد بن حنبل وجاء بعده إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب التي تنتسب إليه الدعوة الوهابية.
الخلاف عقائدي في أساسه ويمتد لأبعاد سياسية، فالسلفيون يعتقدون بصفات جسدية لله كإمتلاكه يد ووجه غير شبيه بأعضاء الإنسان وبإستقرار الله على عرشه ونزوله إلى الأرض الدنيا ولا يعتقدون بزيارة الأضرحة والتوسل والشفاعة ويعتبرونها بدعا وشركا ومسا بعقيدة التوحيد. أضف أنهم يتبعون المدرسة الظاهرية في التفسير والتأويل لدرجة الإستسهال والأخذ بظاهر الآيات. أما الأشاعرة فهم يؤمنون بعكس ذلك ويعتقدون بالكسب وبترك متشابه الآيات لتأويل الله تجنبا للفتن وهم مدرسة كلامية على مستوى العقيدة مقابل الأفكار الإعتزالية.
تبنى الأزهر العقيدة الأشعرية بعد تخليه عن الفكر الشيعي المؤسس له وأصبح عقيدة وسطية تتعايش مع الحكام والسلاطين وهذه من المآخذ التي يحملها عليهم السلفيون بإتهام الأزهر والأشاعرة بتبرير الظلم وإعطاء شرعية للحكام الظالمين لذلك يتهمون كل من الجفري وعلي جمعة بأنهم يروجون لنظام السيسي. فالتكفير موجود لدى الفرقتين وكلاهما يخرج الآخر من دائرة أهل السنة والجماعة ويتبنى موقفا عدائيا إتجاه الآخر على رغم الهدنة والتقارب الذي حصل بينهما بعد الربيع العربي وثورتي مصر بفضل التقارب السعودي مع السيسي ضد الإخوان على رغم أن السلفيين لا يهضمون السيسي ولم يهضموا عقيدة الأزهر في يوم من الأيام بل هو تقارب مصالح مشتركة بينهما فقط لا غير.
ويشارك الأزهر في عقيدته مدرسة إسلامية أخرى هي جامعة الزيتونة في تونس والتي تلخص عملها ب :" المذهب المالكي في الفقه، والأشعري في العقيدة، وطريقة "الجنيد" الصوفي في التربية".
فالصوفية هي الأخرى مكفرة من قبل السلفية التي تعتبرها فرقة بدع ومقربة من التشيع ويعتبر الجفري من أقوى دعاة التصوف في مصر اليوم.
خلاف بعده سياسي:
لا شك أن الحملة المنظمة ضد مؤتمر الشيشان والأزهر بالأخص تحمل في طياتها رسائل سياسية لها علاقة بما يحصل من حرب ودماء في سوريا. فعلى رغم التقارب المصري السعودي في مختلف القضايا، إلا أن الأزمة السورية تشهد إختلاف غير ظاهر إعلاميا بطريقة واضحة بين السيسي والسعودية. والأزهر يلعب دورا في تعزيز هذا الإتجاه خصوصا بعد فتواه الشهيرة ضد داعش بجواز قطع أعضائهم من خلاف وصلبهم ومعاملتهم كما يعاملون.
وبعض المشاركين في المؤتمر لديهم علاقات جيدة بالنظام السوري كالجفري وحضور مفتي دمشق شخصيا في المؤتمر دلالة إضافية إعتبرها دعاة السلفية السعودية تشريعا لآلة الحرب الروسية المساندة لقوات النظام في قتل وتهجير الشعب السوري كما عبروا عن ذلك. فإستغل السلفيون مكان وراعي المؤتمر أي الرئيس الشيشاني المقرب من بوتين ومن حضر المؤتمر ليصوبوا على الأزهر وينتقدوه بعد أن إستبعدهم من مكونات مصطلح أهل السنة والجماعة فإتهموه بتغطية جرائم روسيا وإيران في سوريا بحسب تغريداتهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
خلاف يتمدد:
يبقى أن هذا الصراع الأزلي والذي يظهر أنه سيكون أبدي بين فهمين للإسلام والقرآن سيبقى ويتمدد، ووحدها الشعوب العربية والإسلامية من تدفع فاتورة الماضي والحاضر والمستقبل.