أحياناً تعاكسنا الظروف ومهما فعلنا لا نستطيع تبديل ما يخطّطه لنا الزمن ويخبِّئه القدر من مفاجآت، قيد أنملة. كنتُ على موعد مع بروفسور أنطوان سركيس يوم الجمعة الفائت عند تمام الساعة العاشرة صباحاً، فتأجَّل اللقاء للساعة الثانية عشرة بسبب صداع ألمَّ بي، لأحصل على موضوع طبّي مُثير، لم يكن على البال ولا الخاطر. إليكم التفاصيل الدقيقة التي تضافرت مع بعضها البعض، وساهمت في إنقاذ حياة رجل يجدّ ويكدح من أجل تأمين لقمة عيش نظيفة لأفراد أسرته وكاد القدر أن يسلبه الحياة، لولا أنّ لبنان يمتاز بمستوى طبّيٍّ مرموق. حدَّد لي البروفسور أنطوان سركيس، الاختصاصي بأمراض القلب والشرايين في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس، موعداً يوم الجمعة الواقع في 19 آب الماضي في تمام الساعة العاشرة صباحاً، لكي نضع سوياً الخطوط العريضة لإجراء تحقيق طبي، يتطلّب تحضيراً مُسبقاً.
الا أنني بعثتُ برسالة صوتية لبروفسور أنطوان متمنية عليه إرجاء الموعد نظراً لصداع ألم بي. وما هي إلّا لحظات حتى أتصل بي البروفسور عارضاً عليّ تأجيل الموعد ساعتين أي عند الساعة الثانية عشرة بدلاً من العاشرة، طبعاً رحَّبتُ بالإقتراح.
لحظة وصولي أمام مبنى عيادته، عاد واتصل بي البروفسور أنطوان قائلاً لي: "لا تصعدي الى العيادة لأن لديّ حالة طارئة في المستشفى، لاقيني في قسم طوارئ أوتيل ديو إن رغبتِ".
طبعاً وبكل تأكيد أرغب، فأنا مسؤولة عن ملحق "طب ودواء" واتحيَّن الفرص لكتابة موضوع حيّ كلما سنحت لي الفرصة، ولأنقل للقارئ وقائع حالات يتمّ فيها إنقاذ المريض حتى من دون معرفة جنسيته ولا اسمه ولا وضعه المادي.
"بدنا نطلّعو يا شباب على غرفة التمييل"
ما إن وطأتُ عتبة قسم الطوارىء، حتى سمعتُ صوت البروفسور أنطوان يقول بصوت مرتفع:
"بدنا نطلّعو يا شباب على غرفة التمييل لأنو عامل Infarctus -ذبحة قلبية-». وبلمح البصر، نُقل المريض محاطاً بجيش من الأطباء من مختلف الإختصاصات في اتجاه غرفة الإنقاذ.
أكثر من عشرين اختصاصياً منهم مَن يمسك بالأكياس المعلَّقة في الأعلى ومنهم مَن يعدّل مستوى ضغط المريض ومنهم مَن يعرِّضه للصدمات الكهربائية كلما توقف قلبه عن الخفقان بناءً لتعليمات بروفسور أنطوان سركيس لإبقائه على قيد الحياة ريثما يصل الى غرفة التمييل ومعرفة أيّ شريان يعتريه الانسداد.
أثناء الهرولة في الممر مع بروفسور أنطوان وفريقه الطبي، همس البروفسور في أذني قائلاً: "توقف قلبه مرات عدَّة، لكننا أعدناه الى الحياة». فأصبتُ بالهلع ورغم ذلك كان لديّ شعور داخلي بأنه سيجتاز مرحلة الخطر انشاءلله.
كان المريض ما يزال واعياً في قسم الطوارئ. «ما تشفَّع به قرب منزله من المستشفى»، أردف بروفسور سركيس قائلاً.
العودة الى الحياة
المريض ممتلئ الجسم ويبدو أنه قد تخطى الأربعين، يميل لونه الى الإبيضاض لشدّة ما يعانيه من آلام، ولقد انتزع أثناء التوجّه به سريعاً الى غرفة الميل، أحد الأجهزة الموضوعة على وجهه.
في الغرفة، ولدى إلقائي نظرة لجهة قلب المريض، راعني منظر صدره وهو يهوج ويموج لكأنّ الأمواج تتلاطم في داخله عشوائياً. كان من الواضح بالنسبة لبروفسور أنطوان أنه أصيب بذبحة قلبية ترافقت مع تعب وألم شديدين وكان جسمه بالكامل يتصبّب عرقاً.
وصل المريض الى غرفة التمييل، وانتظرتُ خارجاً أشاطر قريبه الذي نقله الى المستشفى، أجواء القلق والتوتر. مرّت ساعة انتظار طويلة كأنها دهر، أطلّ بعدها البروفسور أنطوان وطمأنني.
لقد توقف قلب المريض في غرفة التمييل، نحو 15 مرّة، وأصرّ البروفسور مع مساعديه على إعادته الى الحياة الى حين تمّ اكتشاف الشريان المسؤول عن الانسداد فأُخضع للقسطرة ووُضع له ريسوراً.
وحين ناداني البروفسور واتجهنا سوياً الى غرفة القسطرة، لاحظتُ أنّ المريض قد استعاد لونه الطبيعي تدريجاً وقد أُغمضت عيناه بالـ»بلاستر»، وشرح لي البروفسور موضحاً أنّ المريض نائم اصطناعياً ولقد اجتاز مرحلة الخطر وبدأ قلبه ينبض بانتظام ومن دون توقُّف.
خرج الأطباء واحدٌ تلو الآخر وكلٌّ بدوره كان يطمئن قريب المريض، الذي اتضح أنه مصري الجنسية وليس له أهل في لبنان سوى قريب واحد، والحمدلله على السلامة.
( الجمهورية)