"هي المرأة الأقوى في العالم"، بحسب ما وصَفها الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار عام 1985. ماذا تملك؟ سارياً أبيض وأزرق عدد 2، وهو اللباس الذي عُرفت به، بالإضافة إلى مسبحة وصليب وحقيبة من القماش، ومظلّة وصندل وكنزة صوف زرقاء تَقيها بَرد الشتاء، ومؤسّسةً خيرية كبيرة.لم تعِش الأمّ تريزا حياةً عادية. عزمُها وإصرارُها على فِعل الخير جَعلاها في مصاف كبار هذا العالم، فصاحبةُ القامة القصيرة تخطّت شهرتُها أهمَّ النجمات العالميات وأكبرَ السياسيين.
دخول عالم الفقراء
هذه الراهبة ابنة مدينة سكوبيج في يوغسلافيا السابقة أرسلتها الكنيسة إلى الهند، حيث راحت تعلّم الفتيات بنات العائلات الثرية. رحلةٌ في القطار إلى ضواحي منطقة كالكوتا غيّرَت حياتها، فبعد أن شاهدَت مظاهرَ البؤس والفقر قرّرت تكريسَ أيامها لمساعدة المحتاجين، وهي في الـ 36 من العمر.
في بيروت
تخَطّت حدودُها فقراءَ كالكوتا، فجالت العالمَ بحثاً عن المعذبين. حتّى إنّها وصَلت إلى بيروت عام 1982 وسط احتدامِ الحرب على خطوط التماس الشرقية والغربية. هنا استطاعت وقفَ إطلاقِ النار لبرهةٍ لتمرَّ مع الصليب الأحمر برفقةِ 37 ولداً مسلِماً من ذوي الاحتياجات الخاصة، كانوا عالقين في مستشفى الأمراض النفسية، في مخيّم صبرا للّاجئين، بعد أن تمّ تدميره. ونقلَتهم إلى جمعيةٍ كانت قد أسّستها في "المنطقة الشرقية".
إصرار بلا حدود
عندما غاصت في بحر المظلومين أجبَرت كلَّ لا مبالٍ على الالتفات. لم تنَلْ جائزةَ نوبل للسلام صدفةً عام 1979، بل لعَملها العالمي والجبّار في خدمة الأكثر فقراً. عزمُها على المساعدة أخضعَ أكبرَ رجال العالم لإنسانيتها، فدعَموها في مهمّاتها. لم تتردّد في مدّ يدِ العون لأحد مهما صعبَت الظروف، حتّى إنّها كان لها سعيٌ في البيت الأبيض لحلّ قضية إنسانية سودانية.
وصَلت إلى العاصمة السودانية الخرطوم حين كانت الحرب مستعرة بين مناطق شمال وجنوب السودان. عرفَت أنّ النظام الإسلامي الحاكم في البلاد يقطع الطريق على قافلة مساعدات إنسانية تتوجّه لنجدة مسيحيّي الجنوب، فاتصلت بالبيت الأبيض وطلبَت التحدّث إلى الرئيس ريغان، وتوصّلت إلى انتزاع رقمِه الخاص من عامل الهاتف، إذ كان في كاليفورنيا.
بعد ساعةٍ عاوَد ريغان الاتصالَ بها في السفارة الأميركية في الخرطوم ليؤكّد لها أنّه تكلّم مع الرئيس السوداني. وفي اليوم التالي سَلك قطار المساعدات طريقَه باتّجاه الجنوب الجائع.
جرأة لافتة
كانت هذه الأمّ المتواضعة جريئة إلى حدّ كبير. زارت كوبا حيث طلبَت من رئيسها فيدل كاسترو أن يصلّي لأجلها. وفي العام 1991 سافرَت مع رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ووزير الدولة الفرنسي لشؤون العمل الإنساني برنار كوشنير في هيليكوبتر عسكرية لمعاينةِ آثارِ إعصار مدمّر ضربَ بنغلادش.
وبحضور الصحافيين اقتربَت وطلبَت الجلوس قرب شريف، وانتزعَت منه وعداً أمام الإعلام بأن لا تقوم بلادُه الإسلامية بإقفال دير للراهبات في كراتشي، كانت السلطات تهدّد بإقفاله.
حتّى القديس يوحنا بولس الثاني نالَ نصيبَه منها. هو الحبر الأعظم آنذاك، توجّهَت إليه يوماً بسؤال: "أيّها الأب الأقدس، هل تعرف ما هو العمل الذي يمكن أن يكون لطيفاً؟ وسبقَته إلى الإجابة: «إعطاء الفقراء، أي شعبي، نصفَ ثروة الفاتيكان فقط". ومن مظاهر جرأتها أيضاً مدافعتُها العنيدة عن أخلاقيات الكنيسة، فقد عُرفت برفضها للإجهاض، وطلبَت من كلّ امرأة تفكّر بطرح جنينها أن تنجبَه وتهبَه لمؤسستِها الخيرية.
إعلان قداستها
توفّيت الأم تريزا بأزمة قلبية في 5 أيلول عام 1997 عن عمر 87 عاماً. وعِلماً أنّها شكّكت بإيمانها خلال جزء كبير من حياتها، بحسب وثائق نُشرت بعد وفاتها، فإنّ الكنيسة ستعلِن قداستَها في الفاتيكان يوم الأحد في 4 أيلول. يَحضر المناسبة نحو 12 رئيس دولة ومئة ألف شخص في ساحة القديس بطرس، وسط انتشار 3 آلاف شرطي وعسكري لضمان الأمن.
هذه المرأة الصلبة والعملانية هدفَت إلى إنقاذ الأرواح. وتضمّ جمعية "مرسلات المحبة" التي أسّستها عام 1950، خمسة آلاف راهبة ينتشرنَ في أصقاع العالم، ويكرّسنَ حياتهنّ "لأفقر الفقراء" ويعتمدن التقشّف الكامل.
(الجمهورية)