لم يُقدم القرار الاتهامي في تفجير مسجدَي السلام والتقوى جديداً بشأن تفاصيل الجريمة، لكنه أعاد سرد الحكاية بدقائقها منذ البداية. كشف اسم ضابطين في الاستخبارات السورية، متهماً إياهما بالتخطيط للجريمة والإشراف على تنفيذها، أحدهما النقيب محمد علي علي، ضابط في فرع فلسطين. والمتهم الثاني يدعى ناصر جوبان، أحد ضباط فرع الأمن السياسي.
وهذان الضابطان يشكلان الخلية المخطِّطة للعمليتين الإرهابيتين بقصد الانتقام من أعداء النظام السوري المتمثلين بالشيخ سالم الرافعي واللواء أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر والنائب السابق مصطفى علوش والعقيد المتقاعد عميد حمود. أما الخلية المنفِّذة، فقوامها عدد من المتهمين اللبنانيين والسوريين الذين يبلغ عددهم 20 متّهماً، وتنقسم بدورها إلى قسمين: يضم الأول المجموعة التي يرى القرار أنها كانت ستنفّذ الجريمة، ثم لم تنفّذها، لكنها لم تُبلِغ الأجهزة الأمنية بما تعرفه عن المخطط الإرهابي. وأبرز وجوه هذه المجموعة الشيخ الموقوف أحمد غريب، مسؤول العلاقات العامة في حركة التوحيد، والموقوف مصطفى حوري. أما القسم الثاني، فهو الذي يتهمه القرار بتنفيذ الجريمة، وأبرز وجوهه الموقوف يوسف دياب والفارّان حيان رمضان وأحمد مرعي. والجدير ذكره أن معظم أفراد الخلية اللبنانيين فرّوا إلى سوريا. وكشف القرار الاتهامي مسار السيارتين المفخختين اللتين رُصد إدخالهما من جهة الحدود الشمالية عبر طريق الهرمل، ومن ثم القبيات وصولاً إلى طرابلس.
ورغم أن التحقيقات تؤكد أن غريب لم ينفذ الجريمة بعدما أوكَلَ النقيب محمد علي المهمة إلى مجموعة حيان رمضان ويوسف دياب، فإن القرار الاتهامي يستند في الجزء الأكبر منه إلى إفادة الغريب وتحليل اتصالاته الهاتفية، وبدرجة ثانية، إلى إفادة يوسف دياب. فغريب هو من أطلَعَ المحققين على هوية النقيب، وزوّدهم بأرقام هواتفه التي تبين أنها كانت تتصل بحيان رمضان وبالذين اشتروا السيارات المستخدمة في التفجير.
على مدى 44 صفحة، سرد القرار الاتهامي حكاية تفجيري مسجدي السلام والتقوى منذ بدء التخطيط حتى تنفيذ العملية بجهاز تفجير عن بُعد ضغط على زره أحد الموقوفين في القضية المدعو يوسف دياب. غير أن اللافت في القرار الاتهامي ميل القاضي نحو تقديم مرافعة سياسية ممزوجة بكلام «منبريّ» لا صلة له بالقضية، ولا سيما في مقدمة قراره الاتهامي. إذ افتتح القاضي الخطيب خانة «في الوقائع» بالقول: «لم تغب مدينة الحق والحقيقة ــ طرابلس يوماً عن عيون وبال أعدائها أهل الإجرام والإرهاب المتربصين بها شرّاً.
فشأن الفيحاء كشأن الحقيقة وأهلها دائماً مستهدفة». ثم إشارته إلى استنتاجات افتراضية لجهة القول إن «التحقيقات بيّنت أنّ الأمر قد صدر عن منظومة أمنية رفيعة المستوى في الاستخبارات السورية»، في معرض تسطير القرار مذكرات تحرٍّ دائم لمعرفة هويات الضباط المسؤولين الذين أصدروا الأوامر والتوجيهات إلى الضابطين علي وجوبان لتنفيذ العملية وملاحقتهم. إضافة إلى قول القاضي في أول القرار إن 47 شهيداً ونحو 500 جريح سقطوا جراء التفجيرين، ليعود ويرفع الرقم بعد عدة صفحات، فيصبح عدد الشهداء 50 مقابل نحو 800 جريح، وهذا من شأنه أن يُحدث التباساً.
انطلق القرار الاتهامي من ظهر 23 آب عام 2013، لحظة دوّى انفجار كبير أمام مسجد التقوى في طرابلس، ليتبعه بعد دقائق معدودة تفجير أمام مسجد السلام. تطرق بعدها القاضي الخطيب إلى معطيات كانت قد وردت إلى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي تفيد بأن المدعى عليه مصطفى حوري يملك معلومات مهمة تتعلق بعملية التفجيرين، وأنه يشتبه بتورط المدعى عليه الشيخ أحمد غريب، القيادي في حركة التوحيد الإسلامي التابعة للشيخ هاشم منقارة. لم يذكر القاضي إن كانت هذه المعلومات قد وردت للجهاز الأمني قبل التفجير أو بعد حصوله وما إذا كان تحرك الجهاز الأمني قبل التفجير قد حال دون وقوعه، لكنه استند إلى إفادة الشاهد المدعى عليه حوري الذي فاتحه الشيخ غريب بموضوع الانتقام من الشخصيات المعادية للنظام السوري، وعلى رأسهم الشيخ سالم الرافعي، لأنه كان يقوم بتجييش الشباب في المساجد للذهاب إلى سوريا لقتال قوات النظام فيه. وذكر حوري أن غريب أعلمه بإمكانية جلب سيارة مفخخة لوضعها أمام المسجد بعد تفخيخها في طرطوس أو قرب الحدود اللبنانية. وبحسب القرار التهامي، الشيخ غريب أنكر في التحقيقات الأولية أي علاقة له بالمواضيع الأمنية، ثم عاد وذكر أن حوري هو من فاتحه قبل أن يعود ويعترف. وذكر غريب أنه على معرفة بالنقيب محمد علي الملقب بـ»أبو جاسم»، وأن الاخير فاتحه بموضوع تفجير مسجد التقوى، متحدثاً عن أربعة لقاءات خُصِّصَت لبحث هذا الموضوع حصراً. وفي هذه اللقاءات جرى الحديث تفصيلياً في تفاصيل العملية لجهة المسافات الداخلية للمسجد ومكان وضع السيارة المفخخة وسبب اختيار نهار الجمعة لإرسال رسالة مدوية. غير أن غريب أنكر علاقته بتنفيذ التفجير، مدلياً بأن النقيب السوري يقف خلف عملية التفجير، لكنه لا يعلم عبر مَن. وأشار القرار إلى أن محققي فرع المعلومات عثروا في حاسوب المدعى عليه غريب على معلومات أمنية مشبوهة وصور لبعض الشخصيات والسيارات مع أرقام لوحاتها وهوية مالكيها وصور لبعض التجمعات الحاصلة في مدينة طرابلس مع وضع دوائر مرقمة لبعض الأشخاص فضلاً عن تفاصيل عن أسلحة وذخيرة وقذائف. وتبين أيضاً أن غريب يحتفظ في ذاكرة هاتفه برقم سوري مشبوه بقضايا أمنية أخرى حُفظ تحت اسم «الممنوع»، ليتبين أن هذا الرقم قد استُخدم سابقاً في إرسال عدة رسائل إلى هواتف بعض شخصيات 14 آذار عقب استشهاد اللواء وسام الحسن، وفيه تهديد بما مفاده أنه جرى اغتيال واحد من عشرة، وأن الدور سيلحق الباقين.
بحسب القرار الاتهامي، وفي تفصيل لافت، بعد سؤال غريب عن كيفية تفخيخ السيارة وعلم مصطفى حوري بهذا الموضوع، ذكر غريب الآتي: «مصطفى حوري (كان) يجب ان يستلم السيارة المفخخة عند الحدود بعد أن أكون أنا (أي غريب) قد أدخلتُها بعد التنسيق مع المخابرات السورية التي تكون قد أحضرتها إلى الحدود اللبنانية في منطقة آمنة. وأعلمتُ مصطفى أنه ستكون مهمته نقل السيارة إلى طرابلس لركنها أمام الهدف المطلوب من المخابرات السورية».
أما الأدلة التي استند إليها المحققون، فتتمثل بداتا الاتصالات وتطابق الحركة الجغرافية لهواتف محضري ومنفذي التفجير مع مسار السيارتين المفخختين (موثق بتسجيلات كاميرات المراقبة). وقد قسم القرار الاتهامي إلى عدة مجموعات. المجموعة الأولى مؤلفة من أحمد غريب ومصطفى حوري وهاشم منقارة. وهنا ادُّعي على منقارة استناداً إلى إفادة غريب التي ذكر فيها أنه أبلغه مخطط الضابط السوري لتنفيذ التفجير ولم يبلغ السلطات المختصة. أما المجموعة الثانية، فهي المنفذة للتفجير التي نقلت السيارتين المفخختين وركنها عناصرها ثم ضغطوا لتفجيرهما، وأبرزهم حيان رمضان وأحمد مرعي ويوسف دياب وخضر شدود وسلمان أسعد. وهناك الخلية الأمنية التي خططت وحرضت وقدمت المساعدة اللازمة لتنفيذ التفجيرين المتمثلة بضباط من الاستخبارات السورية. وقد تقرر اتهام المدعى عليهم بجنايات مواد تصل عقوبتها إلى الإعدام.