في موازاة استمرار عملية «درع الفرات» التركية على الحدود الشمالية مع سوريا، ومعارك الكر والفر في الميدان السوري، خصوصاً في مدينة حلب، وسط تقدّم قوات المعارضة في اتجاه حماه، وبدء إخراج المدنيين من المعضمية استكمالاً لاتفاق داريا في ريف دمشق، تتسارع الخطى الدولية للبحث في سبل إيجاد حل للأزمة السورية، فيعقد مجلس الامن الدولي جلسة حولها في 21 ايلول الجاري. وعشية اجتماعاته مع زعماء العالم وفي مقدمهم الرئيس الاميركي باراك أوباما خلال قمة مجموعة الـ 20 في الصين، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن احتمال تَوصّل موسكو وواشنطن قريباً إلى اتفاق تعاون حول سوريا، وعن تقدّم «تدريجي في الاتجاه الصحيح». واذ أكّد لوكالة «بلومبرغ» أنه لا يزال من المبكر الحديث عن ذلك، لفت الى «أنّ الأطراف تتحرك وتمضي في الاتجاه المرغوب فيه». ووصف المحادثات حول الأزمة السورية بأنها «صعبة جداً».
لا تزال المراوحة تتحكّم بالمشهد السياسي العام في البلاد في غياب مستمر للحلول لأيّ من الملفات الرئيسية ولا سيما منها الملف الرئاسي الذي تعقد لأجله جلسة الانتخاب الـ 44 الاربعاء المقبل، لن تكون مختلفة عن سابقاتها لجهة عدم اكتمال النصاب، والتي تسبقها جلسة الحوار بين قادة الكتل النيابية بعد غد.

الّا انّ تطوراً قضائياً برز امس خرقَ الجمود وحرّك المواقف، واعاد النظام السوري الى قفص الاتهام مجدداً. تمثّل هذا التطور بصدور القرار الإتهامي في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس الذي وقع في آب 2013، وقد تضمّن تسمية ضابطين في المخابرات السورية المخططين والمشرفين على عملية التفجير وهما النقيب في فرع فلسطين محمد علي علي والمسؤول في فرع الامن السياسي ناصر جوبان.

وحمل الرئيس سعد الحريري بشدة على النظام السوري، ولفت إلى انّ «القرار يسمّي بوضوح الضابطين في استخبارات النظام السوري محمد علي علي وناصر جوبان، وبالتالي يوجّه الاتهام المباشر إلى النظام واستخباراته وأجهزته».

وقال: «إننا أخيراً أمام ساعة الحقيقة التي تسطّر فيها العدالة مذكرات في حق ضبّاط استخبارات نظام الأسد الذين اعتقدوا يوماً أنّ أحداً لن يكشفهم ولن يسمّيهم». وتعهّد بمتابعة جهود إلقاء القبض على المتهمين «وإنزال القصاص العادل بهم من أدنى قتلتهم إلى رأس نظامهم المجرم».

امّا وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي الذي وقّع أمس مرسوم المناقلات القضائية الذي أعده مجلس القضاء الأعلى وشمل مناقلات لـ 190 قاضياً، فاعتبر انّ «القرار الاتهامي يشكّل الخطوة الاكثر وضوحاً على انّ عهد الوصاية السورية على لبنان بدأ ينتهي إلى غير رجعة»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى طرد السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي، «بعد ثبوت ضلوع الاستخبارات السورية في التفجير».

معراب

سياسياً، تشخص الأنظار اليوم الى معراب، حيث تحتضن ذكرى «شهداء المقاومة اللبنانيّة» بقدّاس إلهيّ يرعاه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وتتخلله كلمة لرئيس حزب «القوّات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

وتعتبر هذه المحطّة من المحطّات المهمّة في القاموس المسيحي لأسباب عدّة، أبرزها:

أولاً، تخرج هذه المناسبة عن الإطار الحزبي الضيّق لأنّ الشباب الذين استشهدوا ينتمون الى كل تنظيمات «الجبهة اللبنانية» سابقاً.

ثانياً، تأتي هذه الذكرى وسط الخوف المسيحي الذي يترافق مع تهديد أمني برز اكثر بعد تفجيرات القاع، حيث شعر المسيحيون بالخطر الداهم.

ثالثاً، تترافق هذه المناسبة مع استكمال إفراغ الشرق من مسيحيّيه، فيما تتّجه الأنظار الى مسيحيي لبنان وقدرتهم على الصمود والبقاء في حال اتجهت الاوضاع الى الأسوأ.

رابعاً، تشكّل هذه المناسبة فرصة للمراجعة الذاتية، خصوصاً بعد العتب الذي يوجّهه مسيحيو الشرق الى الموارنة لعدم قدرتهم على ان يكونوا الدرع الحامية لهم.

خامساً، إستمرار الفراغ الرئاسي وخلوّ كرسي الرئاسة من الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، وعدم قدرة «القوّات» و»التيار الوطني الحرّ» على إيصال مرشحهم اليها.

سادساً، إزدياد الضغط على الزعماء الموارنة لكيّ يقدموا على خطوات عملية إنقاذية، بعدما بات واضحاً أنّهم فقدوا دورهم القيادي.

وعُلِمَ انّ كلمة جعجع ستتجاوز اليوميات السياسية إلى ما هو استراتيجي بعيد المدى ويعكس موقف «القوات» من ملفات شائكة في مقدّمها هواجس المسيحيين إزاء إنهاء الشغور الرئاسي والإصرار على إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها.

ولعلّ أكثر ما سيركز عليه جعجع هو التمسّك بالمصالحة مع «التيار الوطني الحر» وبترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، وسيحمّل «حزب الله» مسؤولية استمرار الفراغ، وسيذكّر بحصريّة الدولة في امتلاك السلاح وصولاً إلى تأكيده أنه وقت الخطر «قوات».

صيّاح

وفي حين تتابع البطريركية المارونية الاوضاع السياسية والمطلبية بعدما شكّلت الحاضنة الأولى للشباب المسيحي واللبناني في فترة الوجود السوري، أكّد النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح لـ«الجمهورية» أنّ «الشباب المسيحيين الذين نُحيي اليوم ذكرى استشهادهم في معراب، قاتلوا من أجل قضية محقّة آمنوا بها، فالحياة غالية، وليس هناك أغلى من أن يقدّم الإنسان روحه فداء لوطنه».

وعن مدى تأثير المسيحيين في اللعبة الداخلية وضياع دورهم، قال صيّاح: «نحن ما زلنا موجودين وأقوياء، ولا يستطيع احد تخطّي المكوّن المسيحي، لكنّ استعادة دورنا وحضورنا مجدّداً تحتاج الى صبر، وكلنا أمل كمسيحيين ان نستعيد حضورنا نتيجة الدور الكبير الذي يجب أن نضطلع به».

وحيّا صيّاح «شهداء المقاومة اللبنانية وكل شهيد سقط من اجل لبنان»، مؤكّداً انه «يجب ان نكمل مسيرة الشهداء، ولا نيأس». ولفت الى انّ «عدم
وجود رئيس الجمهورية المسيحي لا يعني انّ المسيحيين غير موجودين، فالرئيس لكل لبنان، والوجود المسيحي الحرّ لا يقتصر على المراكز والمناصب، بل هو فِعل ايمان ببلدنا ودورنا».

حوار الإثنين

الى ذلك، ينتظر أن تكون جلسة الحوار الوطني بعد غد مثار اهتمام سياسي جامع، خصوصاً بعد اعلان «التيار الوطني الحر» مشاركته فيها لسماع أجوبة عن مفاهيم «الميثاقية» قبل ان يبني على الشيء مقتضاه.

عون

وتمنّى عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ألان عون «أن تكون حال الحوار أفضل من حال الحكومة». وقال لـ«الجمهورية»: «لذلك على الحوار، قبل الشروع ببنوده، أن يحسم الجدلية الميثاقية التي هي وراء الأزمة الحكومية مثلما هي وراء معظم الأزمات الأخرى».

واضاف: «إذا بقيَ كل فريق يغنّي على ليلاه في موضوع الميثاقية، يتحوّل الحوار «حوار طرشان» ويستحيل حينها تحقيق ايّ خرق أو تقدّم في أيّ من بنود جدول أعماله».

الفاعلية المفقودة

ولفت قيادي مسيحي في قوى «14 آذار» الى «انّ الفاعلية السياسية المسيحيّة مفقودة، بمعنى انّ «القوات اللبنانية» غير مشاركة أساساً، وقرارها فِعل جيّد لجهة مقاطعتها الحوار».

وقال لـ«الجمهورية»: «لَو توحّد المسيحيون لكانوا سيمارسون العمل السياسي مثلما تمارسه القوى الأخرى، بمعنى أن نشكّل لأنفسنا مرجعية سياسية وقدرة سياسية تُستخدم على قاعدة فيتو طائفي من أجل عرقلة مشروع للحكومة أو حتى تعطيل عقد جلسة حكومية في حال لم نعتبرها ميثاقيّة».

وأضاف: «انّ الفاعلية السياسية المسيحية غير موجودة، وبالتالي مشاركة المسيحيين في الحوار ليست مجدية، وما هو مُجد يتمثّل بالتمسّك باتفاق الطائف والدستور اللبناني والذهاب فوراً في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا أيضاً لن يتم في ظروف معقّدة جداً على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية».

«الكتائب» لن يسمّي

وكشفت مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ وفد حزب الكتائب الى هيئة الحوار لن يسمّي أيّاً من ممثليه الى اللجنة التي ستكلف البحث في إلغاء الطائفية السياسية ولا تلك التي ستهتم بإحياء فكرة إنشاء مجلس للشيوخ لرفضه أولاً الإعتراف بدستورية الهيئة وعلى أنها بديل من المؤسسات الدستورية الأخرى بالإضافة الى خروج ما هو مطروح عن المنطق الدستوري.

النفايات

وفي ملف النفايات التي تتكدس منذ الاسبوع الماضي في شوارع المتن وكسروان، اطلع الوزير الياس بو صعب رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان خلال اجتماع تنسيقي بينهما أمس على نتائج الاتصالات التي أجراها مع المعنيين بملف النفايات والتي قد تؤدي الى بلورة حلول، واتفقا على متابعة التنسيق الى حين إيجاد الحل النهائي لرفع النفايات من الشوارع وتأمين لامركزية الحل الدائم.

واوضح النائب الان عون لـ«الجمهورية» انّ كل الاتصالات تركّز على تطوير الصيغة التي توصّلت اليها لجنة المال والموازنة النيابية، أي مرحلة إنتقالية يفتح فيها مطمر برج حمود ولكن مع مراقبة متشددة (يشارك فيها المجتمع المدني) لعملية الفرز، كذلك يعمل بالتوازي للإسراع في تأمين جهوزية البلديات لمعالجة نفاياتها عبر إنشاء معامل أو محارق في مهلة لا تتخطى السنة ما يسمح بتخفيف كمية النفايات المنقولة الى المطمر الى حدّ إقفاله حين تكتمل الحلول اللامركزية المستدامة».

مجلس وزراء

وفي الملف الحكومي، تستمر الازمة الحكومية على حالها في انتظار عودة رئيس الحكومة تمام سلام من الخارج في الساعات المقبلة. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء ستعمّم اليوم جدول اعمال جلسة الخميس المقبل ما يوحي ان ليس هناك ايّ نيّة لتأجيلها.

واوضحت انّ التعليمات التي أعطاها سلام قبل سفره الى المدير العام لرئاسة الجمهورية والأمين العام لمجلس الوزراء اللذين يعدّان جدول أعمال الجلسة، اكدت ضرورة تجنّب إدراج اي ملف خلافي يثير أيّ ردات فِعل استفزازية.

ولفتت المصادر الى انّ الإتصالات الإستكشافية لم تأت بعد بأيّ جديد في شأن المواقف من مقاطعة وزراء «التيار الوطني الحر» و«الطاشناق» لجلسة الخميس، كذلك لم يرصد أيّ تغيير في مواقف الداعين الى استكمال الجلسات كالعادة، طالما انّ النصاب القانوني مؤمّن بحضور الأكثرية القانونية للوزراء.

وأشارت المصادر الى انّ الأمر المهم مرتبط بمصير المراسيم العادية التي أقرّتها الجلسة السابقة وإمكان ان يوقعها الوزراء المقاطعون، علماً انّ تواقيع الوزراء المشاركين في الجلسة التي أقرّت فيها تكفي لإصدارها نيابة عن رئيس الجمهورية لنشرها، لكنّ الأمر منوط بأن يوقّعها وزيرا «حزب الله» لتكتمل الخطوات الدستورية بشأنها