ماذا عند البطريرك ليقوله؟ الصمت الكبير في بكركي. صاحب الغبطة يدرك تماماً ان البيانات الروتينية للاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة لم تعد تلقى أي صدى. ليس هذا ما يريده الموارنة، ولا هذا ما يريده المسيحيون، وليس هذا ما يريده اللبنانيون، من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي عندما كان مطراناً في جبيل كان صوته أعلى، وكان يقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله.
ثمة رواية عن ذلك البابا الذي حين كان كاردينالاً كان يعبّر لأحد أصدقائه عن سخطه، وعن ثورته، وعن الاهداف التي يرغب في تحقيقها، حتى اذا ما اصبح الحبر الاعظم لاحظ الصديق ان اللهجة تغيّرت كثيراً، وحين سأله عن السبب أجاب ان رؤية الأشياء من البرج العالي غير رؤيتها من الارض.
الراعي لا ينظر الى الأشياء من البرج العاجي. ربما اخذ من تيار دو شاردان قوله حول الانسان الضائع والمحطم، والاهم الانسان المقدس. زار امكنة لم تطأها من قبل اقدام البطاركة، وحاور الجميع بعقل منفتح وبقلب متفتح...
لكن الكثيرين من المسيحيين يريدون من البطريرك ان يقول الذي يفترض ان يقال في هذه المرحلة. حين كان مطراناً في جبيل قال ان الصراع بين السنة والشيعة هو حول من يرث الموارنة. الآن الصراع بين السنة والشيعة بأن صراعاً حول المجهول (ويقال صراع حول العدم)...
هذا الصراع يقوم على اجتثاث الاخر. اين هم المسيحيون في لبنان الذين يتقاتلون حول كرسي لم يعد يليق بلقب «صاحب الفخامة». الظروف تغيرت، المعادلات تغيرت، الدور المسيحي اندثر رغم كل العنتريات التي تصدر عن هذه الجهة او تلك...
على الأرض يقول المسيحيون ان على صاحب الغبطة ان يقول للسنة وللشيعة انكم في صراعكم (حول المجهول) انما تقتلون لبنان، وان يقول للمسيحيين الذين طالما قالوا ان قضيتهم لبنان، ان قضيتكم اصبحت الـ«أنا»، الأنا القاتلة.
احد المطارنة قال لـ«الديار» ان «سيدنا» يعرف كل شيء. وفي رأسه تدوّي مواقف لها وقع الزلزال، لكنه يدرك مدى هشاشة الوضع اللبناني، وما هي الآثار السلبية ان حاول ان يهز الصولجان (الحديدي) في وجه الجميع. لا المسيحيون ما زالوا مسيحيين ولا المسلمون ما زالوا مسلمين.
ومثلما يسأل المسيحيون اين بكركي يسأل المسيحيون اين الفاتيكان؟ وحين يكون الحبر الأعظم بمواصفات القديسين، من الممكن، أو من الضروري، ان يكون البابا قديساً وثائراً. ألم يكن البابا يوحنا الثاني، بذلك الوجه الناصع، من زرع القنبلة البولونية في قلب المعسكر الشيوعي الذي ما لبث ان تفجر؟
المطران يقول لـ«الديار» ايضاً «ها اننا نرى ما هي نتائج الثورات، خراب ودمار وايديولوجيات مجنونة، فهل تريدون ان يقوم تنظيم الدولة المسيحية (الدويلة المسيحية) بأفكار داعشية؟»، في رأي المطران ان هذا الوقت لصيانة البقاء قدر المستطاع لا أكثر ولا أقل.
ويسأل ما الفارق بين ان يختار الفرنسيون او الانكليز او الاميركيون، وهم المسيحيون، رئيس الجمهورية في لبنان، وبين ان يختاره الايرانيون والسعوديون والمصريون وحتى الاتراك، وهم المسلمون؟
ويقول «سيدنا البطريرك حين جمع الاقطاب الموارنة الاربعة في بكركي، كان يأمل، والمخاطر تحدق بالمسيحيين من كل حدب وصوب، ان يكون رئيس الجمهورية هذه المرة صناعة لبنانية. الوقائع، والتطورات، اظهرت انه ممنوع ان يكون الرئيس صناعة لبنانية في الاوقات العادية، فكيف بالاوقات الاستثنائية».
لا يبرئ المطران الطبقة السياسية التي يعتبر انها دفعت لبنان الى الحضيض، وحولت لبنان الى مستودع للقمامة على انواعها.
بعد صمت بكركي، هناك من لا يستبعد أن يطلق الاجتماع المقبل للمطارنة، ومع تداخل المواعيد الحساسة (جلسة الحوار وجلسة انتخاب الرئيس وجلسة مجلس الوزراء)، بياناً مدوياً يهز، وحتى يزعزع، الوضع القائم. هناك ايضاً من يستبعد ذلك.
ـ النازحون: القنبلة لا الصدفة ـ
جهات سياسية، اسلامية ومسيحية، ترى انه وبالرغم من ان نقطة الانطلاق للموقف الأخير للتيار الوطني الحر هي «الأنا»، فإن الشعارات التي رفعت أظهرت الى اي مدى تفاقم «المأزق المسيحي» داخل الدولة، ودون ان يبقى سراً ان شخصيات مسيحية لا تلعب بالسياسة، تنظر الى ملف النازحين السوريين على أنهم القنبلة اليت لم تزرعها الصدفة قطعاً بل ان ثمة خطة لتغيير وجه لبنان.
غير ان هذا الكلام يأتي في ظل زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية توماس شانون الذي وضع المسؤولين في «الصورة الدورية» اذا ما شقوا بأيديهم الطريق الى الحلول.
ما تسرّب من لقاءات الموفد الاميركي ان الولايات المتحدة لن تسمح بانهيار لبنان امنياً او اقتصادياً. هناك اشادة واضحة بالمؤسسات العسكرية والامنية وبالسياسات التي يعتمدها المصرف المركزي. طلب من السياسيين ان يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل الحفاظ على التوازن الداخلي.
لا اشارة قطعاً حول موعد محتمل لانتخاب رئيس الجمهورية، ولا اشارة قطعاً الى الاسماء، وإن كان التركيز على ضرورة ان يختار اللبنانيون رئيس الدولة، مع التشديد على ان واشنطن تعتبر ان للبنان دوراً جدياً في المسارات التي ستحكم المنطقة بعد اقفال الازمات.
مصادر مرجع بارز قالت لـ«الديار» ان زيارة شانون جاءت قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية الأميركية، اي ان الادارة الحالية قيد التصفية، لكن ما يعرف عن شانون انه من ابرز الديبلوماسيين في وزارة الخارجية، حتى اذا ما انتخبت المرشحة الديموقراطية هيلاري كليـنتون فــسيحتـفظ بمنصبه.
ـ لا اختراق في المدى المنظور ـ
وفي كل الاحوال، فان ما نقل عن جنرالات اميركيين زاروا بيروت في اوقات مختلفة يؤكد ان سياسة واشنطن حيال استقرار لبنان وعدم تعرض حدوده لأي مخاطر تندرج في اطار استراتيجي محدد، ولا تخضع للتغييرات التي تحـدث في الادارة.
والاستنتاج الذي خلص اليه بعض المراجع حول زيارة شانون انه لا اختراق في المدى المنظور لأي من الازمات التي ترخي بظلها على الساحة اللبنانية، لا سيما في ما يتصل بالشغور الرئاسي.
لا كلمة عن العماد ميشال عون ولا كلمة عن النائب سليمان فرنجية الذي عاد الى البلاد بعد اسبوعين من رحلة صيد في شرق كندا، وتحت خيمة، ولربما ساعده الصيد في تلك المنــطـقة المعقدة على التصويب بطريقة افضل على القصر الجمهوري.
حتى الان، لا يزال ترشيح الرئيس سعد الحريري له قائما. بطبيعة الحال، الاتصالات لم تنقطع بين الرجلين، ولكن اين هو الحريري الآن؟
المعلومات تفيد بأنه منكبّ في الوقت الحاضر على معالجة ازماته المالية. واللافت هنا انه في حين يقول البعض من فريقي الاصطفاف الداخلي (8 و14 آذار) ان هذه الازمات ستسحق الحريري سياسيا، يعتبر البعض الاخر ان الحريري بمال اقل افضل بكثير، حتى وان كانت عشوائىة بعض المستشارين، فضلا عن قلة الخبرة، والظروف الصعبة، قد اظهرت انه لم يحقق النجاح المطلوب في ادارة الرصيد السياسي الذي ورثه عن والده الراحل الرئيس رفيق الحريري.
الاوساط السياسية تلاحظ ان رئىس تيار المستقبل حين يغرد، وقد تضاءلت ضحكاته كثيرا، انما يغرد في المناسبات التي يهاجم فيها النظام السوري. ما عدا ذلك، لا حديث البتة عن الازمة السياسية في البلاد، حتى ان هناك داخل التيار من يجاهر بأنهم ملّوا من التصريحات اليومية، وغالبا ما تكون تصريحات ببغائىة، لهذا النائب وذاك.
ـ الغياب المزدوج ـ
هم يسألون عن «الغياب المزدوج» للحريري. الغياب عن لبنان والغياب عن الازمة. لا احد الا ويتحدث عن مشكلاته المتعددة التي انهكته دون ان تجدي الصور إن التقطت مع رجب طيب اردوغان او مع فرنسوا هولاند. هذه الصور لا تقدم ولا تؤخر الا اذا ظهر مع ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان...
هنا يشير مصدر سياسي مطلع الى ان جلسة الحوار يوم بعد غد الاثنين لن تأتي بجديد ليس لأن «الشيخ سعد» ليس موجودا لا على الطاولة ولا في الجمهورية، وانما لانه لا يعرف كيف يتجه الآن. من هنا كان تصعيد بعض النواب فقط لتغطية الغياب وللإيحاء بأن المواقف لا تزال على حالها في حين توحي اجواء تيار المستقبل بأن المرحلة مرحلة انتظار.
انتظار ماذا؟ الحريري الذي حمل على كتفيه الاثقال، والذي دخل الى السياسة بأمر من العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، ترك وحيدا. العائلة انشقت على بعضها بعضاً، وقد تكون هذه مأساة الرئيس رفيق الحريري وهو في مكانه الآن، والمؤسسة ابتلعها اللصوص، ومن بينهم مقربون...
الاخطر الان ما يقال خليجيا من ان الاتجاه في المملكة هو تصفية التركة السياسية للملك عبدالله والحريري هو جزء من هذه التركة.
من يرددون هذا الكلام ليسوا بالاناس العاديين، والامير محمد إن ْوضع الملف اللبناني على الطاولة فمن خلال الملف اليمني والملف السوري والملف العراقي. بري كان واضحا في خطابه في مدينة صور. التفاهم السعودي - الايراني هو الرهان الوحيد على تفكيك الازمات على انواعها.
شانون لم يقل هذا الكلام مباشرة، بل بعث باشارات يستشف منها «اننا في منتصف الطريق بين الازمة والتسوية في سوريا».
هذا يعني ان الملف اللبناني سيظل عالقا، ولو لم يكن شانون مطلعا على كل التفاصيل لربما كانت لهجته مختلفة بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي. البعض وصف تصريحه حول الفراغ الرئاسي بأنه نوع من الهروب الديبلوماسي.
عون لا يمكنه التراجع. ومهما حصل من اتصالات بين عين التينة والرابية، هذا لا يحجب الكلام الذي يردده بعض نواب التيار من انه لو كان بري مع وصول الجنرال الى قصر بعبدا لتغير المشهد كليا، وفتح الطريق الى القصر...
ـ الخطى السياسية الضائعة ـ
اما المقربون من عين التينة فيلفتون الى كلام رئيس المجلس حول التفاهم السعودي - الايراني. هنا عقدة العقد. الآن مرحلة الخطى السياسية الضائعة مكانك راوح...
لا الشارع يفعل شيئا، ولا الطعن امام مجلس الشورى، ولا مقاطعة جلسات الحكومة، ولا رفع شعار الميثاقية التي تكاد تكون فولكلورية في ظل المواجهة السنية - الشيعية.
بكركي تدرك الامر تماما، كذلك الفاتيكان. ما دام هناك من يحدد الازمان الاقليمية، فهل تشكل الازمة اللبنانية استثناء؟ التمديد للشغور الرئاسي، وللمجلس النيابي، وللحكومة التي اتي بها آنيا فإذا بها قد تمتد الى نهاية العقد (لا الى نهاية القرن).
ماذا يعني ان يحصر رئيس تكتل التغيير والاصلاح الازمة بالتمديد لقائد الجيش؟
من يقنع الجنرال يوم الاثنين بألا ينقل البلاد من الازمة الصغرى (والفراغ الصغير) الى الازمة الكبرى (والفراغ الكبير)؟ لن يقول له احد ما جرى من حديث بين توماس شانون ووزير الثقافة روني عريجي. ربع ساعة في مكتب هذا الاخير كافية لكي يقال الشيء الكثير.
يحكى في الكواليس عن اتصالات خارجية «حساسة» مع الجنرال، اي معركة الآن هي معركة طواحين الهواء.
يحكى ايضاً «الاثنين... آخر اوراق الجنرال». العيون الى بري، الى قبعة بري، في خطاب صور أوحى بأنه خلع قبــعة الساحر!
ـ تفجير المسجدين ـ
الساحة السياسية تضج بالاسئلة حول جلسة الاثنين. اخترق المشهد صدور القرار الاتهامي في تفجيري مسجدي السلام والتقوى في طرابلس. تهمة التخطيط والتنفيذ وجهت الى ضابطين في الاستخبارات السورية هما النقيب محمد علي علي (فرع فلسطين) وناصر جوبان، المسؤول في فرع الأمن السياسي.
القاضي ألاء الخطيب الذي اصدر القرار سطّر مذكرات تحر دائم لمعرفة هويات الضباط المسؤولين عن هذين الضابطين بعدما اظهرت التحقيقات ان الامر صدر عن منظومة امنية رفيعة المستوى والموقع في الاستخبارات السورية.
وزير العدل المستقيل اشرف ريفي تحدث، في مؤتمر صحافي عن «شبهة كبيرة على تورط الحزب العربي الديموقراطي في جريمة التفجيرات من خلال النائب الراحل علي عيد»، داعياً الى طرد السفير السوري علي عبد الكريم علي وقطع العلاقات الديبلوماسية مع دمشق. كما أشار الى «بعض التفاصيل الغامضة في القضية».
مسؤول العلاقات السياسية في الحزب رفعت عيد، الموجود في سوريا، علّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، «نحن بانتظار حكم المجلس العدلي ليتبين غي وحقد اشرف ريفي»
الديار : أين الحريري في تصفية التركة السياسية للملك عبدالله؟
الديار : أين الحريري في تصفية التركة السياسية للملك...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
391
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro