بعد ٩٦ عاماً على إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام ١٩٢٠، لا بد من التوقف عند هذا اليوم التاريخي الذي طبع الزمان حتى تاريخه. وهو لم يكن تاريخاً سياسياً ضمن المحطات العابرة بل هو تجسيد فعلي لفكرة لبنان المدني التعددي، (وهذه مفارقة في الدساتير والأنظمة)، المواكِب لرسالته التاريخية ولموقعه في الجغرافيا السياسية المحورية في المشرق وحتى في دوره، كجسر تواصل بين أهله ومع دول وشعوب وثقافات.
لبنان الكبير الدستوري والسياسي ليس المشكلة بذاته بل الخطر يستحكم بلبنان الفكرة الفريدة في عالمها المشرقي، ويُحدق بمنطق الشراكة والإنصاف والمناصفة بين المكوِّنات المؤسِسة للكيان اللبناني.
والأخطار تعني أوَّل ما تعني تهديداً وجودياً لمفهوم الجمهورية السائرة بلا رأس ولا مؤسسات قادرة حتى على أعمال وقرارات الحد الأدنى.
وهذه الجمهورية المعطلة الأطراف حتى الرأس مطروح عليها علامات استفهام حتى كشخص في القانون الدولي العام بعدما تخطّى العالم بدوله ومنظماته كلّ الحدود، لا بل المنطق الطبيعي، قابل ومشجّع وداعم لاعتبار لبنان دولة مُضيفة للنازحين واللاجئين وحتى من دون وضع خطة بديلة تُوازن بين احترام حقوق الانسان وبين حق لبنان التعددي في حفظ توازناته وما تبقّى من بُناه التحتية. كلّ هذا يطرح علامات استفهام واقعية عن مستقبل لبنان الكبير كفكرة وكنظام دستوري وسياسي ومدى قدرته على الاستمرار والاستقرار والإنتاجية.
فلبنان الكبير لم يلفظ أنفاسه رغم الأيام البائسة والقدرات المهدورة والنفوس الضائعة في غياهب الفساد وعالمه الجذاب، بل إنه يتطلّع عبر أجياله المعانية والحالمة بعودة ولو محدودة للاتزان الدستوري والتوازن السياسي والقانوني وحفظ الحدود الجغرافية والمعنوية.
وهذا ربما يتحقق على هامش ما يُرسم من خطط وأجندات تبلورها تباعاً الإرادتان الأميركية والروسية. أما انتظار لبنان الكبير في الدستور والميثاق عائداً فقط بحلٍّ من الداخل، فيقع ضمن باب المزايدات الخاوية التي لا ولن تُنتج إلّا سراباً.
أما بعد، فالقيّمون على لبنان الكبير مدعوّون من روحيين وزمنيين وأهل الفكر والقرار الى العودة للمصالحة بينهم وبين لبنان الكبير الفكرة المبلورة في النص الدستوري وفي الفكر الميثاقي وفي العمل «التشاركي» المتوازن.
فالوطن الذي شهد على شهادة المقاومين لكلّ احتلال، شهد ايضاً على ما أصاب أبناءه من هجرة فعلية ونفسية ويخاطب الضمائر مشدّداً: ليس بالكلام وحده يعود ويحيا لبنان الكبير.
د. إنطوان.ز.صفير