قيل قديمًا : " من أصعب الصعوبات توضيح الواضحات "، تصور عزيزي القاريء أنني أحاول في هذه المقال أن أبرهن لك أن من يعطل إتنخاب رئيس للجمهورية لمدة عامين ولأكثر من أربعين جلسة هي الفئة من النواب الذين لا ينزلون إلى جلسات المجلس النيابي ويحولون بينها وبين إكتمال نصابها وإتمام وظيفتها!!
والأنكى من ذلك أن هذه الفئة عينها تتهم الأخرين بالتعطيل وتحملهم مسؤولية الفراغ الرئاسي بالبلاد، وتدّعي زورًا وبهتانًا أنها تمارس بذلك حقها الدستوري من جهة وتتكيء على ما تسميه هي خداعًا بالمحافظة على الميثاقية والسياق الطبيعي للعبة السياسية من جهة أخرى.
هذه الحالة من الخداع واللعب على المفاهيم التي نحن فيها، تذكرني تماماً بما حصل في معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية، بعد أن قُتل الصحابي عمّار بن ياسر أحد قياديي جيش علي، وكان قد قال فيه النبي :" يا عمار تقتلك الفئة الباغية " ،، وضج جيش معاوية على أثر الحادثة بإعتبار إنكشاف أنهم الفئة الباغية التي أخبر عنهم رسول الله،، فما كان إلا أن خرج عليهم الداهية عمر بن العاص أحد قياديي معاوية ليخبرهم : " من قتل عمّار إنما هو من جاء به إلى الحرب" .. لتضيع بعد ذلك المفاهيم وتختلط على البسطاء ما هو جلي ويجهّل القاتل المعروف والمعلوم وتستمر الحرب.
وبنفس الأسلوب، يتم الخلط الآن بين من يعطل وصول ميشال عون إلى الرئاسة وهذا حق قانوني ودستوري واضح لمن لا يريد أن ينتخب هذا المرشح وإلا فلا معنى البتة للعملية الإنتخابية، وبين تعطيل أصل انتخاب الرئيس والإمتناع عن حضور الجلسات وهذا أمر منافي للحد الأدنى من البداهة فضلاًعن القانون وعن الدستور بمادته الصريحة والواضحة فالمادة 74 من الدستور تقول بالحرف:
" إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو إستقالته أو سبب آخر فلأجل إنتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا إتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية.
كما ويتم الخلط أيضًا بين مواد الدستور القائلة " بإنتخاب " رئيس جديد ويصار إلى مسخه وتشويهه عبر إستبدال الإنتخاب بمفهوم وظيفي أخر هو " التعيين "، والفرق بين الأول والثاني لا يحتاج هو الأخر إلى كثير إعمال عقل،، فالأول يقضي وجود أكثر من مرشح يختار النواب أحدهم فيما يراد أن يكون المرشح ميشال عون مرشحاً أوحداً لا شريك له، تحت حجة انه الماروني صاحب أكبر كتلة نيابية، مما يعني برأيه أنه صاحب الحق الحصري بالرئاسة بدون منازع، وهذا ما لم يلحظه الدستور طبعاً وإلا فما معنى جلسة الإنتخاب أصلاً؟ ولكل المواد التي تدعو إليها، وإلا كان من واجب المشرّع لحاظ مواد دستورية تقول : " عند إنتهاء مدة الرئيس فإن الماروني صاحب أكبر كتلة نيابية يكون هو الرئيس العتيد حتماً " من دون الحاجة الى ذكر لا جلسة إنتخاب ولا من ينتخبون وكفى الله النواب شر التصويت !! وهذا ما يسري على الرئاسات الثانية والثالثة ايضًا.
إن ترك سدة الرئاسة فارغة ومن دون رئيس هي جريمة دستورية وهي عملية قتل موصوفة للبنان يقوم بها كل نائب لا يحضر جلسة الإنتخاب وفي مقدمهم كتلة نواب التغيير والإصلاح ومن معهم، فلو قدر لكتاب الدستور أن ينطق لقال بلسان طلق : "يا قصر بعبدا تقتلك الفئة الباغية".