لم يعد أمام «حزب الله» أي مُبرّرات يسوقها ليدفع عنه جريمة نحر عناصره، إلا الهروب إلى الامام وإطلاق الإتهامات الباطلة جزافاً بحق تيّار «المستقبل» ليوجّه اليه إتهاماته اليوميّة وفبركاته المعقودة على أوهامه وتشتته السياسي كما العسكري. وهو الأمر الذي يوحي، لا بل يؤكد بأن أولويات هذا الحزب والأسباب التي أدّت إلى تأسيسه بالإضافة إلى كل شعاراته السابقة واللاحقة، قد تبدّلت وربما «تطوّرت» بحيث أصبح «المُستقبل» شغله الشاغل والعنوان الأبرز للهروب عبره من مآزقه المُمتدة من سوريا إلى بيئته.

لا يوفر قادة «حزب الله» في يومياتهم، فرصة إن من على منبر أو خلال مُقابلة أو تصريح، إلا ويحملون فيها على تيّار «المستقبل» الذي يبدو انه بدأ يُقلقهم فعلاً ويؤرق مضاجعهم بعدما كشف لمرّات عدة، زيف إدعاءاتهم وفبركاتهم ومناوراتهم، والذي يُصرّ على رفضه الخضوع لشروطهم وإملاءاتهم و»سلتهم» التي يناورون من خلالها ليلعبوا في الوقت بدل الضائع، طنّاً منهم أن ما تحمله لهم الأيام، سوف ينتشلهم من واقعهم المرير، وعلى رأس هذا الواقع، العلاقة المُتدهورة مع جمهوره الذي أصبح يتعمّد الغياب عن الدعوات «الخاصة» و»العامة» التي يدعو اليها، بدءاً من الضاحية إلى الجنوب وصولاً إلى البقاع الذي هزمه شر هزيمة في الإنتخابات البلدية الاخيرة.

بين ليلة و»ضاحيتها»، تخرج من مطابخ قوى الأمر الواقع، تهديدات مُبطنة وإشارات لا تدل إلى الطريق الصحيح. إشارات جل مضمونها، تضييع الحقائق في دهاليز الموت التي اختارتها هذه «القوى» لسحق ما تبقّى من رجالات كانت لهم إنجازات وبصمات في ميادين المواجهات والتحديات. وتماشياً مع حرف الحقائق عن موضعها وحقائقها، يذهب وزراء ونوّاب «حزب الله» في «تجليّاتهم» السياسية وإستشرافاهاتم المُستقبلية، إلى رمي «كُرة النار» التي صنعتها ممارساتهم والتي كادت أن تلفح نيرانها لبنان أكثر من مرّة، في ملعب خصومهم، وذلك بقصد إلهاء جمهورهم عن الموت الذي يُحاصره، وبهدف حرف أنظاره عن النعوش التي يستقبلها يوميّاً، وآخرها صرخات الإعتراض أمس على أخذه لـ»الشباب» إلى الحرب السورية، خلال تشييع الحزب العنصر حسين محيي الدين في بلدة الزرارية. والصرخات هذه، هي من أشد الصعوبات التي يواجهها «حزب الله» داخل بيئته خلال الفترة الحالية.

في كلامه أمس، يقول وزير «حزب الله» محمد فنيش « إن المستقبل فوّت عليه فرصة قدّمها له الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة من بنت جبيل لإنتاج تفاهم لإخراج البلد من أزمته، بقوله ان «لا حل رئاسياً الا بتبنّي ترشيح عون، وان حزب الله ايجابي ومُنفتح على مسألة رئاسة الحكومة«. هنا يتأكد انه بالإضافة إلى لعبة المراهنات والإبتزازات التي أصبح «حزب الله» ضليعاً بها ويتقنها بشكل جيّد، فقد أصبح أيضاً، يُجيد لعبة المقايضة وفقا للمعادلة التي كان طرحها نصرالله على قاعدة «رئاسة الجمهورية لنا ورئاسة الحكومة لكم». وأبعد من هذا الكلام أو المُقايضة، فإن «حزب الله» هو من رفض كل الجهود والمساعي التي بذلها «المستقبل» من اجل حل الأزمة الرئاسية، وبشكل اوضح، فإن الحزب لا يريد رئيسا للجمهورية ويفضل مرشحه الوحيد للرئاسة وهو الفراغ الحاصل.

أبعد من الكلام السياسي، يتمنّى فنيش في كلامه لو كان «استكمل المُستقبل حتى النهاية مبادراته التي قدّمها لحلّ ازمة رئاسة الجمهورية، ولم يخضع للضغوط والفيتوات الخارجية، وتحديداً من قبل السعودية»، معتبراً ان «مشكلة المستقبل هذه الايام انه يتحدّث بلغتين، بحيث تتجاذبه اتّجاهات عدة ويُعاني من مشكلة اتّخاذ القرار«. في هذه النقاط تحديداً، يجب توجيه جملة من الأسئلة الى معاليه: الم يكن المُستقبل في طليعة الباحثين بشكل جدّي عن مخرح لأزمة الفراغ الرئاسي التي تطال لبنان كله وليس جزءاً منه؟ الم يقم من باب حرصه على عدم تكريس الفراغ كأمر واقع في البلد، باختيار حلّ كان من المُفترض أن يُرضي كل من يسعى إلى الهدف نفسه؟ الم يكن تعنّت «حزب الله» وإختياره طريق التعطيل من خلال تمسكه بمُرشح لم ينزل نوّابه مرّة إلى المجلس النيابي لإنتخابه، هو الذي حال دون الوصول إلى تحقيق حلم اللبنانيين؟. بالطبع إن أيا من هذه الأسئلة، لن يجد عند معاليه إجابة لها، لأن الخيار الأفضل لحزبه، أن يظلّ يصول ويجول في البلاد بسلاحه وعناصره الأمنية والعسكرية، من دون أي رادع ولا مُساءلة ولا مُحاسبة.

لا تنتهي إبداعات «حزب الله» عند ما قاله فنيش ولا تتوقف عند اتهامات الحزب «المُعلّبة» لـ»المستقبل»، فها هو النائب علي فيّاض يُدلي بدلوه هو الآخر في إتهام الاخرين إذ يقول « لا نبالغ إذا قلنا إن تيار المستقبل قد يكون الأكثر إستفادة من وصول الجنرال عون إلى الرئاسة، لأن الوضعية التي يرزح فيها تيار المستقبل شديدة السوء، وهو يحتاج إلى مناخ جديد للخروج منها ولقطع الطريق على تدهور الأمور بإتجاه المزيد من التعقيدات». من المؤكد ان ذاكرة قادة الحزب ضعيفة وهي تصل بهم في معظم الاحيان إلى حد الهذيان. هو حزب لا يعرف سوى الإملاءات وفرض الشروط والكيل بمكيالين. حزب يضرب التسويات ويُبيح المُحرّمات ويرتكب المعصيات في السياسة كما في العسكر. حزب يبرع في تقمص شخصية الضحية وفي تنصله من واجباته وارتكاباته، ويُجيد التباكي والتخوين والتضليل والتعطيل. لكن كل هذا، لا يمنع من قول الحقيقة، وهي أن «حزب الله» يُراهن على الوقت فقط لا غير، لكن ُمراهنته هذه كلّفته حتّى اليوم، مقتل أكثر من الفين وجرح ما يُناهز الخمسة الاف، ومع هذا، ما زال يُكابر على جروح بيئته ويستغلّها لإثارة النعرات السياسية والمذهبية.

علي الحسيني