نسفت إيران مشروع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القاضي بهيكلة مليشيات "الحشد الشعبي" في البلاد ودمج عناصرها في وزارتي الدفاع والداخلية والبلديات عقب الانتهاء بشكل كامل من صفحة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي يرجح قادة عراقيون أن تكون نهاية العام 2017 أو بداية العام 2018. وأكدت مصادر في مكتب رئيس الوزراء أنه تلقى رفضاً أولياً من قيادات "الحشد"، أعقبه رفض إيراني لتفكيك هذه المليشيات البالغ قوامها وفقاً لآخر التقارير نحو 120 ألف مسلح. مقابل ذلك، علمت "العربي الجديد" أن رئيس الوزراء طرح على الأكراد والأميركيين وقوى سنّية حلاً جديداً لأزمة إشراك تلك المليشيات في معركة الموصل، من خلال الدفع بفصائل معينة اصطلح عليها اسم "الفصائل المعتدلة".
وكشفت مصادر رفيعة في مكتب العبادي أن إيران أبلغته رفضها مشروع تفكيك "الحشد" ودمج عناصره في الوظائف الحكومية الأمنية والعسكرية والمدنية ضمن قانون دمج المليشيات رقم 91 للعام 2004 الصادر بأمر الحاكم المدني الأميركي لسلطة الاحتلال آنذاك بول بريمر. وقال موظف رفيع في مكتب رئيس الوزراء لـ"العربي الجديد" إن إيران أبلغت العبادي أن الحشد يجب أن تبقى في قالبها الحالي كجيش دفاع شعبي ثانٍ في العراق، وأكدت دعم هذا الجيش كقوة تحتكم لأمر المرجعية والشعب العراقي، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء لم يعلق حتى الآن على الرفض الإيراني والتزم الصمت حيال ذلك ولم يثر الموضوع مرة أخرى.
فيما كشف قيادي بارز في "التحالف الوطني" العراقي أن الأشهر المقبلة ستشهد استقالات كثيرة لقيادات مليشياوية من فصائلها وإعلانها التحوّل للعمل السياسي بغية عدم مخالفتها لقانون الانتخابات الذي يمنع العمل المسلح لأي مرشح، مشدداً على أن "المليشيات لن تُدمج ولن تُفكك وسيكون لها تمثيل سياسي أكثر من الحالي في برلمان 2018 الجديد المقبل وفي مجالس محافظات 2017 أيضاً". وفي السياق نفسه، علمت "العربي الجديد" من مصدر مقرب من قيادات في "الحشد"، أن إيران تسعى لإقناع مقتدى الصدر بضم مليشيا "سرايا السلام" التابعة له، إلى "الجيش الشيعي" المقرر تأسيسه قريباً. وأكد المصدر أن بقية المليشيات موافقة على الخطوة الإيرانية بجمع المليشيات العراقية في قوات موحّدة، وتحويل "الحشد الشعبي" إلى جيش متكامل يعمل بإمرة إيران، مرجحاً أن تكون زيارة الصدر إلى بيروت ولقاءه مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مرتبطة بذلك.
أما الحكومة العراقية، فتعاني منذ أكثر من عام من فرض المليشيات قراراتها، وهو ما أوقع الحكومة في مشاكل كثيرة أظهرت ضعفها أمام المليشيات، منها قيام إحدى المليشيات بمنع العبادي من دخول مدينة المقدادية شرق ديالى، التي استنجد سكانها بالحكومة لتخليصها من فظائع المليشيات، وذلك مطلع العام الحالي، ثم اقتحام المنطقة الخضراء مرتين من قبل مليشيا مقتدى الصدر، في 30 إبريل/نيسان و20 مايو/أيار. وفي العشرين من أغسطس/آب 2016، في مقابلة أجراها موقع "مشرق" الإيراني مع القيادي في فيلق "سيد الشهداء" التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي فلكي، أوضح أنّ جيش تحرير شيعياً سيكون في المنطقة برعاية إيران، مشيراً إلى أن الهدف الرئيسي لهذا الجيش هو "تحرير القدس وإنهاء وجود إسرائيل خلال فترة أقصاها 23 عاماً"، قائلاً إن هذا الجيش موجود بالفعل على الحدود مع إسرائيل ويحارب بقيادة قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني على ثلاث جبهات، هي العراق وسورية واليمن.
يشار إلى أن المرجع الديني علي السيستاني دعا إلى تأسيس "الحشد الشعبي" صيف عام 2014 لمقاتلة تنظيم "داعش" الذي احتل حينذاك مناطق واسعة من العراق، وانضمت لـ"الحشد" جميع المليشيات، حتى تلك المتهمة بارتكاب فظائع وانتهاكات على أسس طائفية. وصار للمليشيات الطائفية وفقاً لذلك صفة رسمية، على الرغم من أنها تنتشر في الشارع منذ عام 2003، وترتكب الجرائم من دون أن تُعاقب من الحكومة أو الجهات الأمنية. وتمارس تلك المليشيات بحسب ما وثقته تقارير مصورة، انتهاكات طائفية في مناطق مختلفة من البلاد.
في سياق آخر، علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة في بغداد أن فصائل محددة ضمن مليشيات "الحشد" ستشارك في الهجوم على الموصل بعد موافقة أميركية وكردية عليها فضلاً عن عدد من القوى السنّية، واصطلح على تلك المليشيات تسمية جديدة وهي "الفصائل المعتدلة". وبحسب المصادر فقد جرى الاتفاق على أن تشترك مليشيات "بدر و"سرايا السلام" و"العباس" في معركة الموصل بوصفها "مليشيات معتدلة"، بينما تم استبعاد المليشيات الأخرى كـ"العصائب" و"الخراساني" و"حزب الله" تجنباً لحدوث انتهاكات كالتي شهدتها معركة الفلوجة.
" وجاءت تصريحات السفير الأميركي لدى العراق ستيوارت جونز لتنهي الجدل الدائر حول الموقف الأميركي من مشاركة مليشيات "الحشد" في معركة الموصل، إذ اشار إلى أن "واشنطن ستدعم كل القوات الأمنية العراقية حتى لو كانت قوات الحشد الشعبي"، مؤكداً أنّ "قوات الحشد يجب أن تتحرّك بالتنسيق مع القوات الأمنية العراقية تجنباً لعدم تعرضها للاستهداف غير المتعمد من طائرات التحالف". تصريحات جونز حول مشاركة الحشد بمعركة الموصل سبقها إعلان قيادات في "الحشد" أنها ستشارك في معركة الموصل بموافقة الحكومة العراقية بصفتها قوة رسمية.
الشارع العراقي الذي خبِر المليشيات وتصرفاتها، منذ ظهورها أول مرة عقب غزو البلاد في العام 2003 من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ينقسم في رؤيته للأحداث المتعلقة بالمليشيات إلى قسمين، الأول يؤيد بقاءها وتحويلها لـ"جيش شيعي" وآخر يرفض أي وجود لها. واستطلعت "العربي الجديد" آراء عدد من العراقيين حول هذا الموضوع، وقال المواطن نافع راضي العبودي إن وجود "جيش شيعي" أمر بات ضرورة ملحة، في مقابل وجود قوات كبيرة مدربة لـ"داعش"، أو أي تنظيم مسلح آخر يظهر على الساحة. أما علي حميد الميالي، الذي شجّع أولاده على الانخراط في مليشيات "الحشد"، فقال لـ"العربي الجديد" إنهم "في الجيش الشيعي سيحصلون على حقوقهم، وسيصبح الجيش الشيعي جيشاً رسمياً"، مضيفاً: "إنه أمر جيد، أولادي الأربعة سيضمنون مستقبلهم، كما أن الجيش الشيعي جيش عقائدي يدافع عن معتقدات الشيعة وعن البلاد، ما يعني أن من ينتمي له سيكون كامل الولاء للوطن". لكن ناجي خضير اعتبر أن وجود "جيش شيعي يعني الرجوع إلى ما قبل عشر سنوات، إلى العنف الطائفي"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن وجود هذا الجيش "يعني وجود جيش آخر مقابل يكون من السنّة" متسائلاً: "هل هذا يعني أن إيران تريد إشعال فتيل اقتتال العراقيين فيما بينهم؟".