هذا ليس وصفاً افتراضياً، وان كانت غالبية اللبنانيين تعتقد انها تعيش في دولة افتراضية. حين كانت الطائرة التي تقل توماس شانون تحلق فوق لبنان، توقف مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية امام مشهد سريالي مدهش.
لعله تصور ان اصابع والت ديزني وصلت الى هنا، جبل بألوان لا مثيل لها في كل الكرة الارضية. شانون ظل مبهوراً بالمشهد الى أن اوضحت له السفيرة اليزابت ريتشارد ان الجبال التي تخلب الالباب انما هي جبال من القمامة.
ريتشارد وضعته في تفاصيل القضية، وكان رأيها انه عندما تكون الطبقة السياسية عاجزة عن انتاج حل لنفايات المنازل، كيف لها ان تنتج حلاً للأزمات الدستورية او الأزمات الاستراتيجية التي تواجهها البلاد.
عادة كان اي موفد اميركي يأتي الى بيروت عشية الاستحقاق الرئاسي ومعه اسماء لـ«الجوجلة»، حتى اذا ما تبين ان التوافق على اسم ما مستحيل، كانت هناك وسائل اخرى لفرض رئيس الجمهورية، ودائماً من الخارج.
شانون وصل دون اسماء، ولم يعرّج لا على طهران ولا على الرياض. ما يستشف من كلامه انه يدعو اللبنانيين الى رفع الوصايات عن رؤوسهم «انتخبوا رئىساً للجمهورية واميركا تؤمن لكم التغطية».
اي اميركا، الرئىس تمام سلام لم يقطع اجازته ويعود الى بيروت لاستقبال شانون. ترك مسألة اللقاء لمستشاره شادي كرم هذا يحدث للمرة الاولى، وان تردد ان رئيس الحكومة في رحلة اضطرارية.
الرئىس سعد الحريري لم يسارع الى الحضور ايضاً. هذه ليست أيام كوندوليزا رايس. وفي كل الاحوال مشكلة رئىس تيار المستقبل ليست في واشنطن بل في عواصم اخرى، ولقاؤه الموفد الاميركي لا يقدم ولا يؤخر.
غير ان مصادر ديبلوماسية غربية تعتبر ان زيارة شانون لا بد ان تكون هامة ويمكن ان تفضي الى شيء ما، فهو رجل المهمات الصعبة في الخارجية الاميركية، كما انه يتقن اللعب في الاروقة الخلفية. في الديبلوماسية الاميركية لا وجود لتعبير «تدوير الزوايا». العبارة الشائعة «كسر الحلقات المقفلة».
هل يستطيع المسؤول الاميركي كسر اي من الحلقات المقفلة؟ الآن القوى الاقليمية منهمكة الى ابعد الحدود في معالجة مشكلاتها، احياناً مشكلاتها المصيرية. اذاً، هذه هي الفرصة المثالية لافلات اللبنانيين من القبضة الاقليمية..
غير ان الحريري، كما سياسيون آخرون، يعتبرون ان العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ليست على ما يرام. الامير محمد بن سلمان بهرته الصين التي تكلمت معه بلغة مختلفة، لغة مخملية. الاميركيون يريدون منه ان يتعامل بمرونة أكبر مع الساحة اليمنية.
هذه احدى المشكلات بين واشنطن والرياض التي قالت، بلسان وزير خارجيتها عادل الجبير، انها لن تترك الحوثيين يسيطرون على اليمن (ماذا عن «داعش» و«القاعدة»). بعد عام ونصف من الحرب يقول الجبير ما يقوله. هذا يعكس مدى المأزق في اليمن. للمرة الاولى، ربما، يقدم الاميركيون نصيحة من هذا العيار. لم يؤخذ بها. هنا مشكلة أخرى.
شانون أشار، اثر لقائه وزير الخارجية جبران باسيل، الى «ان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي سوف يواصلان تقديم الدعم الثابت للبنان الا انه لا يمكنهما ان يقدما حلولاً للقضايا الداخلية مثل الفراغ الرئاسي، بل يجب ان تأتي من المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني».
وقال «لقد بحثنا في التحديات العديدة التي يواجهها لبنان، من التهديدات الارهابية الى وجود أكثر من مليون لاجىء سوري الى المأزق السياسي، والتي اتطلع الى مواصلة استكشاف وفهما (التحديات) على مدار زيارتي، وكذلك تحديد الفرص الكثيرة المتاحة امام لبنان والتركيز عليها».
ـ ماذا حدث في 2 آب؟ ـ
وحدد الهدف من زيارته «تعزيز الشراكة اللبنانية والاميركية الى حدودها القصوى من خلال البناء على دعمنا الطويل الامد لمؤسسات هذا البلد وشعبه».
الاهم في كل ما قاله شانون في لقاءاته ان لبنان تحت المظلة الاميركية، دون ان يبقى خفياً مدى المخاوف الاميركية التي ظهرت في 2 آب 2014 حين اجتاح تنظيما «داعش» و«النصرة» بلدة عرسال في مؤشر الى انهما كانا يعتزمان اختراق البقاع الشمالي وصولاً الى لبنان الشمالي، وبالتالي الامساك بالثغر البحري الذي يؤمن لهما وضعاً استراتيجياً بالغ الحساسية.
قائد الجيش العماد جان قهوجي اشار مرات عدة الى المخطط، لكنه لم يدخل في التفاصيل، في حين تتحدث معلومات غربية عن الخط الساخن (جداً) في ذلك اليوم بين اليرزة والبنتاغون والذي ادى الى رد المهاجمين على اعقابهم في ظروف بالغة التعقيد آنذاك، اذا ما اخذت بالاعتبار الخلايا التي كانت قائمة والتي كانت تحظى بدعم من شخصيات او قوى سياسية لبنانية، ومن عرسال الى عكار.
ـ تورا بورا لبنانية ـ
اوساط ديبلوماسية تتحدث عن ان الاميركيين يريدون رئىساً للبنان قبل معركة الموصل والرقة، لماذا؟ وهل ثمة من خوف من خطة «داعش» التي يحكى عنها والتي تتوخى تحويل الجرود التي قد يفر اليها آلاف المقاتلين الى تورابورا لبنانية.
هذه الاوساط تشير الى ان الاتفاق المرتقب بين واشنطن وموسكو حول عدد من المسائل السورية المحورية يلحظ ذلك الشيء الذي يتعلق بلبنان. واذ تتمنع جهات لبنانية بل وتضغط للحيلولة دون قيام اي تعاون او تنسيق مع الجيش السوري بالنسبة الى سفوح السلسلة الشرقية وما وراءها، فان الروس قد يلعبون دوراً ما من اجل التنسيق غير المباشر بين بيروت ودمشق وبالصورة التي تحول دون مقاتلي «داعش» والتسلل الى الجرود اللبنانية.
بضع مئات لا يغيرون في المعادلة، لكن بضعة الاف لا بد ان يشكلوا خطراً اذا لا بد من اجراءات استباقية تمنع حصول ذلك.
واللافت هنا ان وزيراً بارزاً من قوى 14 آذار يقول لـ«الديار» «حين يكون الأميركيون عاجزين عن الضغط من أجل انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، ودائماً بسبب الوضع الاقلمي البالغ التعقيد، كيف للسياسيين اللبنانيين اختراق الحالة الراهنة؟»
هكذا يبدو المشهد غداة كلمة الرئيس نبيه بري في صور (غريب انه لم يأبه بكل الكلام حول خطط الاغتيالات)، وعشية انعقاد طاولة الحوار...
ـ السلة تطير وتتطاير ـ
واذ يتحدث بعض المشاركين بأن السلة ستطير او ستتطاير، لوحظ ان كل تيار حاول ان يبعد عن نفسه «تهمة» بري بـ«الدلع السياسي» ليلصقها بالتيار الاخر، وكذلك صفة «الانقلابيين»، لكأن رئيس المجلس النيابي أراد، عن عمد، اشاعة هذا الجو من الالتباس لسبب ما قد يتضح على طاولة الحوار.
الملاحظ ان هناك شخصيات مشاركة في الجلسة لا تعوّل عليها في اي خرق إن باتجاه رئاسة الجمهورية او باتجاه قانون الانتخاب.
بطبيعة الحال، توماس شانون ليس جان - مارك ايرولت، حتى وان كان المعلق في «النيويورك تايمز» روجر كوهين تحدث عن «الهلهلة الديبلوماسية الغربية حيال الشرق الاوسط»، ولكن هل يستطيع الموفد الاميركي ان يقنع اصحاب الرؤوس اليابسة بأنه من الضروري العودة الى الانتظام الدستوري والسياسي في لبنان لان سوريا أمام محطة بالغة الأهمية، ولا بد ان يكون لبنان موحداً، ولو بالحد الأدنى، ليتسنى له التعامل مع التطورات.
لا بد أن يكون بعض الذين التقاهم او سيلتقيهم شانون قد تحدثوا أو قد يتحدثون البه عن المأزق المسيحي بل وعن «التراجيديا المسيحية» في لبنان، لا الجنرال ميشال عون يقول انه القديس قسطنطين ولا الدكتور سمير جعجع، ولكن هناك شعوراً بالانكسار لدى المسيحيين، يعزز ذلك الكلام، وغالباً ما يصدر عن وزراء ونواب مسيحيين، الذي يقول تارة ان رئاسة الجمهورية عالقة عند عاصمة السنّة الرياض وطوراً عند عاصمة الشيعة طهران.
الموقع للمسيحيين الذين اين هم حين يخرج الرئيس اللبناني من عباءة مرشد الجمهورية الاسلامية أو من عباءة خادم الحرمين الشريفين؟
ـ لماذا تغيب المشنوق؟ ـ
لهذا السبب تغيّب وزير الداخلية نهاد المشنوق عن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، كان له كلام ينطوي على دلالات، واثر لقاء مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وهذا ما يعطي الكلام بعداً اضافياً.
قال «ان الاولوية الآن هي لانتخاب رئيس للجمهورية، وليس للخلاف على اي موضوع آخر»، معتبرا ان على الحكومة ان تأخذ بالاعتبار حساسيات كل الاطراف.
والتعامل معها بهدوء وبروية ومن دون حدة، وهو ما يساعد على تمرير المرحلة الصعبة».
اضاف «ان المطروح في النقاش الجدي، والخلاف الحكومي، هو هل الاولوية للخلاف حول التمديد لقيادات عسكرية أم الاولوية لانتخاب رئيس، نحن موقفنا المبدئي لا يجوز التعيين قبل انتخاب رئيس للجمهورية».
وشدد على «ان الكلام السياسي يجب ان يكون جامعاً وقادراً على الاستيعاب لأن اي كلام سياسي يأخذ طابع المواجهة يزيد الانقسام في البلد».
ـ تمني فنيش ـ
الى ذلك، أعلن الوزير محمد فنيش انه تمنى «لو أن تيار المستقبل استكمل حتى النهاية مبادراته التي قدمها لحل أزمة رئاسة الجمهورية، ولم يخضع لبعض الفيتوات والضغوطات الخارجية، وتحديداً من قبل السعودية».
وأشار الى عدم وجود معطيات جديدة حول موقف التيار الوطني الحر في ما يتعلق بمقاطعة جلسة مجلس الوزراء على خلفية ملف التعيينات، متحدثاً عن اتصالات مع الرابية قبل الجلسة المقبلة في 8 أيلول الجاري.
وفي مقاربة دقيقة للوضع، أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على «ان قدرنا جميعاً ان نتعاون معاً ونتعاضد، ونسعى الى بلورة مساحات مشتركة تعزز النزعة الى التفاهم وتجاوز المطبات المؤدية الى إذكاء نار الفتن وانتهاج سياسة احترام الآخر والاستماع الى هواجسه ومخاوفه والعمل على تبديدها اجتناباً لمراكمة عوامل اليأس والشعور بالاحباط والتهميش».
ومن عكار قال «اننا مدعوون الى هدم جدران التباعد واهماد حرائق الفتن التي يسعى المخربون الى ايقاظها».
أقل من مائة ساعة على جلسة الحوار، الأمين العام لـ«القوات اللبنانية» فادي سعد وصف السلة بـ«العجيبة». لا احد يقول ان العجيبة ستتحول الى اعجوبة!
الاميركيون يريدون، ايضاً، الرئيس اولاً، وان كان بري يعتقد ان العقدة الحقيقية هي قانون الانتخاب لخشية بعض القوى من التراجع الدراماتيكي، وربما الكارثي، في صناديق الاقتراع.
واشنطن تحاول اغراء اللبنانيين، التسوية السورية قادمة، ولبنان سيكون بمثابة «غرفة العمليات» لاعادة اعمار سوريا، حتى اذا ما بقيت الفوضى السياسية على حالها، فقد يستغل الآخرون (الاردن مثلاً) الفرصة كما في تجارب كثيرة من هذا القبيل.
شانون تحدث عن «الفرص المتاحة»، الساسة اللبنانيون خبراء في... الفرص الضائعة.
الديار : شانون : انتخبوا رئيس الجمهورية وأميركا تؤمن لكم التغطية
الديار : شانون : انتخبوا رئيس الجمهورية وأميركا تؤمن لكم...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
249
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro