إنه قدر اللبنانيين كما يبدو في الوطن والمهجر أن يكونوا وقوداً لكل خضة سياسية في بلدهم الأم وصولاً الى الاغتراب لاسيما في القارة الافريقية، وحتى في الاماكن التي كانت في الأمس القريب موطئ استقرار وأمن، وقبلة للساعين وراء لقمة العيش، كما هو الحال في دولة الغابون التي تميزت عن بلدان افريقية عدة بفعل الاستقرار ومستوى المعيشة قياساً بغيرها من دول القارة السمراء.

فباسم الديموقراطية، حلت «لعنة« الانتخابات الرئاسية الغابونية وبالاً على اللبنانيين، فكانت ارزاقهم وممتلكاتهم هدفاً مستباحاً للنهب والحرق من جانب أنصار المعارضة الذين اجتاحوا شوارع العاصمة ليبرفيل، فور إعلان فوز الرئيس علي بونغو اونديمبا لولاية رئاسية ثانية، على منافسه المعارض جان بينغ.

وكانت اللجنة الانتخابية اعلنت اعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته لولاية ثانية من سبع سنوات بحصوله على 49,80 في المئة من الاصوات، مقابل 48,23 في المئة لمنافسه جان بينع.

ويشكل هذا الفارق الضئيل 5594 صوتا من اجمالي 627805 ناخبين مسجلين في هذا البلد النفطي الصغير الذي بالكاد يبلغ عدد سكانه 1,8 مليون نسمة.

وفور إعلان النتائج أول من أمس، اندلعت اعمال شغب في ليبرفيل واستمرت طيلة ليل الأربعاء ـ الخميس، واضرم متظاهرون النار في مقر برلمان الغابون في ليبرفيل، وتصاعدت سحب الدخان السوداء فوق المقر، واستخدمت قوات الامن الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لصد المتظاهرين الذين حاولوا أيضاً الوصول الى مقر اللجنة الانتخابية.

كما اضرم انصار المعارض بينغ النار في مؤسسات حكومية ومؤسسات تجارية لاسيما مؤسات تعود لأجانب من لبنانيين وفرنسيين وماليين وسنغاليين وموريتانيين.

رجل الاعمال اللبناني علي غندور من النبطية الفوقا، أوضح لصحيفة «المستقبل»، أنّ أيّاً من اللبنانيين لم يُصب بأذى شخصي، بل اصيب البعض بأرزاقه وممتلكاته، حيث تعرض بعض المحال التجارية للنهب والسرقة، ومن ثم الحريق، مرجحاً أن يكون عدد هذه المؤسسات العائدة للبنانيين، والتي تعرضت لعمليات السطو، نحو 13 مؤسسة.

واشار إلى أن مركزاً تجارياً لآل الاخرس في منطقة شاربوناج، تعرض للنهب والسرقة، ومن ثم الحرق، كما لاقت سوبر ماركت كبيرة للبناني ابراهيم القزي عمليات نهب وحرق، والتي طالت ايضاً محال الجالية المالية والسنغالية والموريتانية في هذه المنطقة.

واضاف غندور أن مؤسسة للمواد الغذائية تعود للبناني من آل الفقيه في منطقة «IAI« تعرضت للنهب والسرقة. كما تعرضت مؤسسة لحيدر الدقوق في منطقة بيكاويت للمصير نفسه.

وأكد ان اللبنانيين لازموا منازلهم طيلة يوم أمس، ولم يتمكن أي شخص من الخروج من منزله لتفقد الاضرار التي حلت بمؤسسته، بل اكتفوا بمتابعة ما حل بهم من خلال الاتصال بموظفيهم المكلفين بالحراسة في الايام العادية، أو بالجيران القريبين من مؤسساتهم. 

وكان قتل أمس شخصان على الاقل بحسب المعارضة، واصيب اخرون بجروح في هجوم شنته قوات الامن في ليبرفيل امس، على مقر المعارض جان بينغ.

وكان وسط ليبرفيل مقفراً في الصباح وتطوقه الشرطة ومدرعات الدرك. وتحدثت تقارير عن اعمال نهب لم تتخللها اعمال عنف في الضواحي، كما قطعت الاتصالات الهاتفية وخدمة الانترنت.

وانتهت المواجهات، ليترافق ذلك مع قيام قوات الامن بتوقيفات على مقربة من مقر قيادة حملة جان بينغ الذي لم يعرف أين اختبأ.

وكانت جادة تريومفال، الشارع الكبير الذي يشق وسط العاصمة الغابونية، تحمل آثار العنف، فانتشرت فيها السواتر وسط تصاعد سحب الدخان، فيما بدت على المباني آثار الهجمات بينما بدت السيارات متفحمة في الشارع. وفي حصيلة اولية للهجوم على مقره، بعد ساعات على الحريق في الجمعية الوطنية في ذروة اعمال العنف التي تلت اعلان فوز الرئيس المنتهية ولايته علي بونغو اونديمبا في الانتخابات، قال بينغ «سقط قتيلان وعدد من الجرحى بحسب مصدر اكيد«.

وقال جان بينغ لوكالة فرانس برس «شنوا هجوما في نحو الساعة 1,00 (بالتوقيتين المحلي وغرينيتش). انه الحرس الجمهوري. قصفوا بالمروحيات ثم شنوا هجوما على الارض. سقط 19 جريحا يعاني بعض منهم من اصابات خطرة«.

وكان المتحدث باسم الحكومة قال ان الحرس الجمهوري طوق المبنى الذي تستخدمه حملة بينغ مقرا لها، بحثا عن «مجرمين» مسؤولين عن احراق مقر الجمعية الوطنية بعد ظهر أول من أمس الاربعاء.

وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال المتحدث آلان كلود بيلي ـ بينزي ان «المسلحين الذين احرقوا مقر الجمعية الوطنية، توجهوا الى مقر جان بينغ، وانضم اليهم مئات من مثيري الشغب«.

واعربت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، عن «قلقها العميق» لأعمال العنف. وقال وزير الخارجية جان ـ مارك ايرولت ان «الاحداث التي حصلت خلال ليل الأربعاء ـ الخميس في ليبرفيل تثير لدي قلقا كبيرا. وفي اطار عملية انتخابية، لا مكان للعنف ابدا». ودعا «جميع الاطراف الى اقصى درجات ضبط النفس لمنع سقوط ضحايا جدد«.

واضاف وزير الخارجية الفرنسي ان «الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية يجب ان يحصل بالطرق القانونية، في اطار عملية شفافة وحيادية. فبهذه الطريقة يمكن تأكيد نزاهة العملية الانتخابية بشكل لا يقبل الطعن«.

ووصفت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فديريكا موغيريني الوضع في الغابون بأنه «أزمة عميقة» ودعت مختلف الاطراف الى «الهدوء». وقالت: «من المهم ان يرفض جميع الفاعلين العنف ويدعوا الى الهدوء. وكل احتجاج يجب ان يتم بوسائل سلمية بهدف تفادي اشتعال البلد. واعتبرت انه لا يمكن اعادة الثقة في نتائج الانتخابات الرئاسية التي اعقب اعلانها اندلاع اعمال عنف، «واغرق البلاد في ازمة عميقة»، «لا يمكن ان يحصل الا بالتثبت الشفاف مكتبا بمكتب» من نتائج الانتخابات.