حذر مراقبون من أن سعي طرفي النزاع في اليمن إلى تثبيت الوضع القائم على الانقسام سيقود إلى توسيع دائرة الفوضى وسيعمق من انتشار تنظيمات مثل القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين.
وجاء إقرار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحلفائه الحوثيين للمجلس الرئاسي الأعلى بمثابة إعلان عن انفصال صنعاء عن بقية أراضي اليمن. وحملت تصريحات ومواقف لاحقة مؤشرات على أن صالح والحوثيين يخططون لتثبيت واقع الانقسام ما لم تفض مشاورات السلام إلى اعتراف بسيطرتها على العاصمة اليمنية.
وكشف الحوثيون عن مشروع قرار بـ”عفو عام”، وقالوا إنه سيصدر خلال أيام، وهي خطوة قال مراقبون إنها تعني أن الجماعة تتصرف وكأنها جهة شرعية، أو أنها تقود حكومة في دولة مستقلة بذاتها.
ووفق وكالة “سبأ” الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فقد ناقش المجلس السياسي الأعلى المشكل مناصفة بين الحوثيين وحزب المؤتمر (جناح صالح)، الثلاثاء، مشروع قرار “العفو العام” المرتقب صدوره خلال أيام.
ولم تكشف الوكالة عن أي من نصوص القرار، ومن هم المعنيون بالعفو، وهل سيكون عفوا سياسيا عاما، أم خطوة مناورة تهدف إلى استقطاب الأضواء.
واعتبر المراقبون أن إعلان العفو العام، على افتراض جديته، كان يفترض أن يأتي في سياق الحل السياسي الشامل الذي ساهم تعنت الحوثيين في إفشاله، مشيرين إلى أن إعلان إطلاق سراح السجناء من جانب واحد هدفه الاستثمار السياسي وتبرير استمرار الانفصال.
ولا يخفي الحوثيون رغبتهم في الاستمرار بالسيطرة على صنعاء، مستفيدين من التحالف مع الرئيس السابق الذي يمتلك قوة عسكرية مؤثرة. لكن حكم صنعاء لا يتحقق بالقوة العسكرية وحدها خاصة أن حكومة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي بدأت بإجراءات قد تقود إلى حصار اقتصادي خانق للعاصمة مثل وقف ضخ العملة في البنك المركزي ما يعيق توفير الرواتب واستيراد المواد التموينية والطبية اللازمة.
ويعتقد خبراء في الشأن اليمني أن الإعلان عن مجلس سياسي أعلى خطوة تهدف إلى إرضاء غرور الحوثيين، لكنها ستقود إلى أزمة مضاعفة في اليمن خاصة أن الطرف المقابل، أي هادي وحكومته، فشل في إدارة عدن.
وأعربت مصادر يمنية عن اعتقادها بأن الحلف القائم بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين (أنصار الله) لن يتمكن من حكم جزء من اليمن بما في ذلك صنعاء.
وعزت ذلك إلى استحالة إيجاد المقومات الاقتصادية التي تجعل من هذا القسم قابلا للحياة في ظل حال الحصار المفروضة عليه جوّا وبحرا وبرّا.
وأوضحت هذه المصادر أن جهودا يبذلها الرئيس السابق مع “أنصار الله” لتوفير غطاء للحلف القائم بينهما وذلك عبر تشكيل المجلس السياسي الأعلى ثم انعقاد مجلس النوّاب من أجل إكسابه شرعية.
وقالت إن هذه الجهود باءت بالفشل، أقلّه حتى الآن، نظرا إلى أنّ دول المنطقة ومعها العالم يرفضان الاعتراف بالنظام الجديد الذي أقامه علي عبدالله صالح والحوثي. وتساءلت هل يكفي اعتراف إيران والعراق و”حزب الله” في لبنان بهذا الحلف كي يكتسب شرعية ما؟
واعتبرت أن الفشل الذي يواجه الرئيس السابق وحلفاءه مشابه للفشل الذي يعاني منه الرئيس الانتقالي هادي الذي لم يستطع السيطرة على المناطق التي انسحبت منها القوات الموالية لعلي عبدالله صالح والميليشيات التابعة للحوثيين.
وأعطت مثلا على ذلك ما يجري في عدن حيث لا تزال المنظمات الإرهابية تتحرّك بحرية وتنفذ عمليات دامية، فيما لا يوجد في عاصمة الجنوب أي مسؤول سياسي كبير يشرف على عملية إعادة الحياة إلى الإدارات الحكومية ومؤسسات الدولة.
واعتبر الخبراء أنه رغم الدعم الذي يتلقاه الجانبان من إيران أو من دول التحالف العربي على السواء، فإن كلا منهما فشل في تثبيت نفسه كحاكم حقيقي على المناطق التي يسيطر عليها، متسائلين: ماذا لو توقف الدعم الخارجي فكيف سيدير هؤلاء الوضع العسكري والاقتصادي.
ويرتبط الدعم الخارجي للفريقين بالتنافس الإقليمي بين السعودية وإيران اللتين قد لا تستمران بالدعم إلى ما لا نهاية له خاصة في ظل التأكد من صعوبة الحسم العسكري، وفي ظل ضغوط دولية لوقف الصراع والقبول بحل سياسي يجمع الفريقين المتصارعين.
وتتضاءل فرص إحراز الجيش والمقاومة التابعين لهادي أي تقدم مع استماتة الطرف الآخر الذي يتعامل مع مجريات الحرب كصراع وجود، ما جعل المعارك تتوقف عند حدود الخارطة المذهبية والقبلية لليمن.
وأكد محللون أن المجتمع الدولي الذي تعامل مع الأزمة طوال العامين الماضيين وصل إلى قناعة بضرورة الحل السياسي نابعة من إدراك بتعقيدات الوضع اليمني.
وتقول دول مثل الولايات المتحدة إن القبول باستمرار الحرب من شأنه أن يعطي مسوغات لتقوية تنظيمات مثل داعش والقاعدة، والإخوان المسلمين الذين سيعملون على استثمار الفراغ.
وعرض وزير الخارجية الأميركي جون كيري منذ أيام “مبادرة جديدة” لحلحلة الأزمة اليمنية، مشددا على أن الصراع استمر أكثر مما ينبغي وآن له أن ينتهي.
وجدد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأربعاء، من بكين، دعم بلاده للحل السياسي، حاثا الحوثيين على العودة إلى المفاوضات ومعتبرا أن “الفرصة المتاحة لهم هي الانضمام للعملية السياسية والتوصل إلى اتفاق من أجل مصلحة كل اليمنيين بمن فيهم الحوثيون”.
صحيفة العرب