على مسافة أيام قليلة من جلسة الحوار الوطني في 5 أيلول، ولمناسبة الذكرى الـ 38 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه.. أطلق الرئيس نبيه بري «صلية» من الرسائل السياسية في اتجاهات عدة، وفق بنك أهداف مدروس، بحيث نال كل فريق حصته من «الغمز واللمز».
ولئن كان بعض الكلام بدا «مشفّراً» وقابلاً للتأويل، إلا ان المعنيين به التقطوه وأدركوا مغزاه، على الأرجح. لم يستخدم رئيس المجلس «العنف الأسري» في خطابه. استعمل «القطنة» تارة، و «الفطنة» طوراً ليُلوّح بأوراقه ويُحرج من اتهمهم بـ «الدلع السياسي»، استباقاً لجلسة الحوار وتحضيراً لها.
وأمام حشد غفير من مناصري حركة «أمل» في مدينة صور، أضاء رئيس المجلس على «وجهه الآخر»، معطياً كل من يهمّه الأمر إشارة الى أنه هو أيضاً يتقن لعبة الشارع، كما غيره، ومستعد لخوضها إذا استمرت أبواب المؤسسات التنفيذية والتشريعية مغلقة، وكأنه يرمي الى انتاج معادلة جديدة قوامها: «توازن الشوارع».
هذه المرة، انتقل بري من مرحلة التأكيد النظري لثوابته المعروفة الى طور التلويح بتسييلها الى «نقد»، وعدم الاكتفاء بـ «النقد».
وبرغم التوتر السياسي الذي ساد العلاقة بين بري والعماد ميشال عون، في أعقاب مقاطعة «التيار الوطني الحر» جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وإصرار بري على انعقادها، فإن وفداً يمثل التيار حضر مهرجان صور وضم الوزير الياس بوصعب والنائبين عباس هاشم وأمل بوزيد.
وبينما كان يتوقع البعض أن يشنَّ بري هجوماً على الجنرال، خلت كلمته من انتقاد مباشر وصريح لعون بالاسم، وإن يكن قد غمز من قناته أكثر من مرة.
وفي حين تمسك بري بخيار السلّة المتكاملة، معتبراً أن الاتفاق على ما بعد الرئاسة يسهّل انتخاب الرئيس، تفاوتت المقاربة السياسية وتعددت التفسيرات للشق الداخلي من خطابه، تبعاً لتموضع كل طرف ومصالحه.
مقاربة «المستقبل»
كيف تلقّى تيار «المستقبل» كلام بري؟
يؤكد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة لـ «السفير» أنه لم يشعر بأن التيار الأزرق هو المعني بـ «لطشة» رئيس المجلس حول «الدلع السياسي»، مضيفاً: «من كانت تحت إبطه مسلّة، تنعره»، ولحسن الحظ لسنا من هذه الفئة.
ويرفض السنيورة أي اقتراح للتسوية من خارج الدستور، لافتاً الانتباه الى أنه سبق «أن انزلقنا في الدوحة فكانت النتيجة سيئة، ثم جرّبنا اتفاق بعبدا فقالوا لنا «اغلوه وشربو ميتو».. والآن إذا قدمنا تنازلاً إضافياً سيطلبون المزيد، من البيان الوزاري الى الحقائب.. فلماذا نواصل هذا المسار الانزلاقي الذي لا يؤدي سوى الى مزيد من الانحدار في الوضع العام».
ويشدد السنيورة على أن المطلوب حصراً هو الاحتكام الى الدستور والعمل بموجبه من دون أي اختراعات أو تعقيدات، «وهذا يعني أن الأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية تليه استشارات نيابية لتسمية رئيس الحكومة الذي يجري بدوره مشاوراته لتشكيل حكومته، وهكذا دواليك..».
ويشير السنيورة الى أنه لا يلمس جدّية لدى «حزب الله» أو إيران لانتخاب رئيس الجمهورية قريباً، «وربما لو كنت مكان طهران لفعلت الشيء ذاته، من حيث الاصرار على الامساك بورقة الرئاسة اللبنانية الى حين مقايضتها بمكاسب اقليمية، علماً أن ايران تحتاج قبل ذلك الى أن تفاوض واشنطن، وهذا ليس متيسراً حالياً مع قرب انتهاء ولاية الرئيس الاميركي».
وبناء عليه، لا يرى السنيورة رئيساً للبنان قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، «من دون ان يعني ذلك ان ولادته مؤكدة بعد الانتخابات». ويتابع: لذلك، افضل شيء نفعله في هذه المرحلة هو العمل بالمثل البيروتي القائل «إلعب بالمقصقص ليجي الطيار»..
ولا يلبث السنيورة ان يستدرك مبتسما «الطيار وليس التيار منعاً للالتباس»، موضحا ان المقصود هو ان نملأ الوقت الضائع بتنشيط الحكومة والمجلس النيابي قدر الامكان، في انتظار ان يأتي الفرج الرئاسي.
«التيار الحر»
وماذا عن تفسير «التيار الحر» لرسائل بري؟
يقول الوزير الياس بوصعب لـ «السفير» إن خطاب الرئيس بري موجّه في اعتقادي الى فريق تيار «المستقبل» الذي لم يتخذ بعد قراراً جريئاً بالمساهمة في حل الأزمة. ويضيف: ليس «التيار الحر» من يتدلع، بل إن ما نطرحه هو في غاية الجدّية، ويتعلق بالجوهر الميثاقي ولا علاقة له بالدلع او الغنج. لقد أصبحنا امام مسألة وجود وشراكة هي اوسع من تعيين هنا او هناك، فإما ان نكون شركاء حقيقيين احتراما لشروط الميثاقية وإما لا نكون مع ما يعنيه ذلك من أزمة وطنية كبرى.
ويعتبر ان «المستقبل» يتحمل المسؤولية عن عرقلة التسوية الداخلية، مشيرا الى ان بري محق في قوله ان الاتفاق على قانون الانتخاب ورئاسة الحكومة وشكلها إنما يسهل عملية انتخاب رئيس الجمهورية التي تصبح في هذه الحال تحصيل حاصل، ولا يهم ما إذا كان هذا التفاهم يسمى سلة او تسوية، مع التأكيد ان التنفيذ يجب ان يبدأ من بند الرئاسة.
وفي حين يشدد بوصعب على اهمية قانون الانتخاب الذي يشكل المدخل الواسع الى الحل المنشود، يكشف عن ان تفاهما تم بين الرابية وعين التينة حول هذا الملف، قائلا: لقد ابلغت الرئيس بري رسميا، باسم العماد عون، موافقة التيار على المشروع المقدم من قبله كما تبلغنا منه انه موافق على التصور الذي قدمناه، أي اننا أصبحنا متفاهمين على قانونين للانتخاب بعد المناقشات التي جرت بيننا، وقد فهمت من الرئيس بري ان «حزب الله» مؤيد لكل من الخيارين، وبالتالي فإن الكرة باتت الآن في ملعب «المستقبل» المعني بأن يتفق مع بري حول القانون، لأن من شأن ذلك تسهيل الكثير من الأمور.
وعن مغزى قول بري إنه قد تتم الاستعانة بقوة الناس إذا استمر تعطيل المؤسسات، يرى بوصعب ان كل فريق يشعر بالغبن يحق له ان يستعين بناسه، وربما ينضم جمهور الرئيس بري الى جمهورنا دفاعا عن الحقوق، إن اقتضى الامر النزول الى الشارع.
وكان بري قد اعتبر في كلمته أن «العبور الى الدولة يستدعي وقف الدلع السياسي والعبث السياسي»، مؤكداً التمسك بالحوار الثنائي والوطني، لأنهما أغلقا أبواب الفتنة.
أضاف: النسبية هي الدواء لدائنا الوطني، بدلا من التقوقع والانغلاق، والرئاسة وحدها لا تكفي اللبنانيين شر الخلاف والاختلاف، والمطلوب سلة متكاملة، فلنوقف العبث السياسي ونلتزم بالدستور ومواجهة القوى التي تواصل الانقلاب على مختلف العناوين السياسية.
وأشار الى انه «لا بد من التفاهم على قانون الانتخابات وعلى تشكيل حكومة، ما يتيح لنا انتخاب رئيس للجمهورية حتما»، محذّراً من التمادي في لعبة احراق الوقت»، لافتا الانتباه الى ان «الاتفاق بين السعودية وإيران يساعد على تذليل العقبات السياسية في لبنان وسوريا».
ودعا الى وقف تعطيل المؤسسات، «واذا اقتضى الأمر فإننا سنواجه هذا الأمر بقوة الناس، ونؤكد انحيازنا الى انجاز الاستحقاق الرئاسي، وقلنا إن هذا الأمر أولوية لأن الثقة في الدولة تبقى مهددة من دون رئيس».
عبوة زحلة
على صعيد آخر، تجددت المخاوف الامنية على وقع تفجير عبوة ناسفة كانت موضوعة عند مستديرة زحلة ـ سعدنايل ـ كسارة، بالتزامن مع مرور حافلات كانت تقل مناصرين لحركة «امل» الى صور، ما أدى الى استشهاد مواطنة سورية وجرح 10أشخاص.
.. وقنبلة النفايات
أما قنبلة النفايات المتراكمة في شوارع المتن وكسروان فلم تجد بعد من ينزع صاعقها، خصوصا أن اجتماع لجنة المال والموازنة أمس لم يخرج بحل حاسم وعملي بعدما اختلف المشاركون فيه حول مضمون المرحلة الانتقالية التي تسبق الحل المستدام على اساس اللامركزية، فيما سجلت انتفاضة للنائب آغوب بقرادونيان الذي انسحب من الاجتماع بعد سجال مع النائب غسان مخيبر.
وأبلغ رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان «السفير» ان هناك حاجة ملحة للمباشرة في ازالة النفايات من الشوارع من دون ربط ذلك بحصول اتفاق نهائي، حتى لو تطلب الامر نقلها فورا الى مطمر برج حمود، برغم الاعتصام القائم هناك، مشددا على ان من واجب الحكومة والاطراف المعنية تحمّل مسؤولياتها.
وأوضح انه لن يدعو الى اجتماع آخر للجنة «قبل ان ألمس ان هناك جدّية في المعالجة من خلال المباشرة في تنفيذ ما اتفقنا عليه»، لافتا الانتباه الى ان الحل الواقعي والعملي في آن واحد يكمن في اعتماد مطمر برج حمود لسنة واحدة بدل أربع سنوات وفق الضوابط الصحية والبيئية الضرروية، على ان تكون البلديات قد اصبحت جاهزة بعد هذه الفترة لمعالجة النفايات في معامل مستقلة تتوزع على أقضية المتن وكسروان وبعبدا، وفق قاعدة اللامركزية.
السفير : بري يلوّح بالشارع: كفّوا عن الدلع!
السفير : بري يلوّح بالشارع: كفّوا عن...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
249
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro