مع ان المسؤولين في حزب الله يعتبرون ان الازمة في سوريا لا تزال طويلة وان نهاية الحرب فيها ليست قريبة وان التسوية السياسية والعودة الى المفاوضات تتطلب المزيد من الجهود الدولية والاقليمية، فان هناك سؤالا بدأ يطرح في الاوساط السياسية والاعلامية والدبلوماسية في بيروت: متى يخرج حزب الله من سوريا؟ وهل بدأت ملامح عودة الحزب الى لبنان؟ وماهي التداعيات اللبنانية والعربية والاسلامية والاقليمية لما بعد عودة الحزب ومقاتليه من سوريا وبعد انتهاء الصراع هناك؟.
هذه الاسئلة وغيرها اصبحت محور التداول في الاوساط اللبنانية وفي بعض البيئات الاسلامية القريبة من الحزب، وان كان المسؤولون في الحزب يفضّلون حاليا تأجيل الاجابات المعلنة عن هذه الاسئلة، مع ان من يطّلع على مسيرة الحزب منذ نشأته الى اليوم يعلم ان قيادة الحزب ومؤسساته الجهادية والتنظيمية والسياسية تعمل دائما على وضع الخطط لجميع الاحتمالات ودراسة كل الخيارات المتوقعة وتضع الاجوبة والقرارات المتوقعة لكل حالة او احتمال، وهذا ما كان يجري في اللحظات الحاسمة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فبعد اتفاق الطائف عام 1989 والبدء بعودة مؤسسات الدولة اللبنانية للعمل، بدأ الحزب التخطيط للمرحلة التي تلت نهاية الحرب ودخل في سياق النظام اللبناني وشارك في الانتخابات النيابية والبلدية.
وعند بدء الحديث عن احتمال الانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000 وضع الحزب وقيادته العديد من الخطط والاحتمالات وكيفية التعاطي مع كل قرار بشكل تفصيلي وكان جاهزا لكل التطورات.
وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري العسكري من لبنان اتخذ الحزب سلسلة قرارات مهمة واستراتيجية ومنها الدخول في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والمشاركة في العمل الحكومي لاول مرة ومن ثم الدخول في التحالف الرباعي مع حركة امل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.
وخلال عدوان تموز ( يوليو) 2006 واثناء احداث الحرب وفي ظل التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة وبسبب ما عاناه الحزب من قرارات الحكومة اللبنانية اتخذت قيادة الحزب سلسلة قرارات داخلية ان بشأن اعادة اعمار الضاحية او المطالبة بزيادة دور الحزب في الحكومة او ما اصطلح على تسميته انذاك: الثلث الضامن، اي عدم صدور اي قرار استراتيجي او مهم من الحكومة دون موافقة الحزب.
واليوم هناك سؤال اساسي ومهم يتم طرحه والتداول به في الاوساط السياسية والدبلوماسية في بيروت: اي دور سياسي وعسكري وامني سيقوم به الحزب بعد العودة من سوريا وبعد انتهاء الحرب هناك؟ وهل سيبقى للحزب وجود عسكري على الحدود السورية او في الداخل السوري؟ وماذا عن موقع الحزب ودوره في النظام اللبناني؟ وهل سيكتفي الحزب بالمشاركة الجزئية في القرار السياسي ام سيطمح كي يكون له دور فاعل في النظام اللبناني من خلال تغيير دستوري او عبر احداث تغيير في الواقع السياسي؟ وماذا عن القوة العسكرية والامنية الفائضة التي امتلكها الحزب وكوادره ومقاتلوه خلال الحرب والتي تشبه من حيث القوة قدرات انظمة عربية كبيرة؟ وكيف سيدير الحزب علاقاته اللبنانية والعربية والاسلامية والاقليمية والدولية بعد ان تحول من قوة محلية او قوة مقاومة للعدو الصهيوني الى ما يشبه جيشا منظما ومتكاملا لديه عشرات الالوف من المقاتلين المدربين وامكانيات عسكرية ضخمة؟
الوزير نهاد المشنوق وخلال مقابلته الشهيرة مع قناة الأل بي سي اللبنانية قبل ثلاثة اشهر تقريبا، والتي تحدث فيها عن اسباب قبول تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري لترشيح حليف حزب الله وسوريا النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، اشار الى ان احد اسباب القبول بترشيح فرنجية من اجل ملاقاة حزب الله بعد عودته من سوريا وطمأنة الحزب الى دوره ومستقبله والبحث عن حلول وسط للازمات وكي لا يتم الاصطدام بقوة الحزب المتصاعدة.
اذن نحن سنكون امام قوة جديدة سياسية وعسكرية، تفوق قوة وقدرات المقاومة الاسلامية التي قاتلت ولا تزال العدو الصهيوني، وسيكون هناك الاف المقاتلين والكوادر الذين اكتسبوا مهارات قتالية تشبه مهارات الجيوش النظامية، كما ان تمدد الحزب داخل سوريا اكسبه ابعادا جديدة ديمغرافية واستراتيجية وعسكرية وسياسية.
كل هذه المعطيات تؤكد اننا سنكون امام دور جديد لحزب الله سياسيا وعسكريا وشعبيا، المسؤولون في حزب الله يؤكدون اليوم انهم متمسكون باتفاق الطائف ويريدون استكمال تطبيقه وانهم ملتزمون بالصيغة اللبنانية السياسية الحالية ويوافقون على الشراكة السياسية مع كل الاطراف السياسية اللبنانية ولا يمانعون من عودة الرئيس سعد الحريري الى الحكم اذا ما تم انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وانهم مع اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب وليس لديهم مرشح آخر.
لكن هل ستبقى الامور على ماهي عليه بعد عودة الحزب من سوريا وانتهاء الحرب هناك والتوصل الى اتفاق لتسوية الازمة السورية؟
وما هي خطط وقرارات حزب الله لما بعد الحرب في سوريا، والتي لا بد انها اليوم موضع نقاش وبحث داخل اروقة مراكز القرار في حزب الله ولدى حلفاء الحزب في سوريا وايران؟
انها اسئلة تستحق البحث والحوار العلني والصريح اضافة للنقاشات الداخلية وغير المعلنة.
قاسم قصير: عربي21