يتسع نطاق الجدل حول تسجيل نائب الخميني حسين علي منتظري بعد مرور أكثر 20 يوما على نشره، وأسهمت تفاصيل التسجيل المثير في تنشيط الذاكرة الإيرانية بشأن أكثر عملية تصفية طالت مئات آلاف الناشطين السياسيين في صيف 1988.

وبلغت مواقف كبار المسؤولين هذه الأيام ذروتها بعد الإحراج الذي تسبب فيه التسجيل للنظام بالتزامن مع الذكرى السنوية للإعدامات. وكان نصيب حكومة «الأمل والاعتدال» برئاسة روحاني في الإحراج وافرا لتولي مسؤولين عن الإعدامات الجماعية مناصب كبيرة في حكومته والتيارات المؤيدة لسياساته، كما أن الكشف عن دور الشخصيات التي تعتبر مرجعية للتيار الإصلاحي اليوم صادما بين أنصار التيار.

البرلمان بدوره تأثر مباشرة بالنقاش الدائر حول ما جرى في صيف «الإعدامات الجماعية»، إذ وجه نائب رئيس البرلمان علي مطهري رسالة إلى وزير العدل الحالي، وأحد أعضاء لجنة «الموت» في 1988 مصطفى بور محمدي، شدد فيها ضرورة تقديم توضيح بشأن ما ورد في التسجيل بدلا من «المغالطات».

ويظهر التسجيل الذي نشر في التاسع من أغسطس (آب) بعد 28 عاما معارضة حسين علي منتظري تنفيذ الإعدامات؛ الأمر الذي انتهى بعزله من منتصب نائب ولي الفقيه في العام نفسه وقبل شهور من وفاة الخميني. وكان التسجيل يروي تفاصيل لقاء بين منتظري وأربعة مسؤولين عن تنفيذ الإعدامات عرفوا آنذاك بـ«لجنة الموت». ووفق ما تضمنه التسجيل فإن منتظري ينتقد اللجنة بسبب ارتكاب تجاوزات للقانون، محذرا المسؤولين من أن الإعدامات ستؤثر سلبا في شهادة التاريخ بالخميني، وأن التاريخ سيذكره على أنه «سفاك ودموعي». ويصف منتظري الإعدامات آنذاك بأنها «أكبر جريمة ترتكب في النظام، وأن التاريخ سيذكر منفذيها بين أكبر المجرمين».

لكن ردا على ذلك أكد أول من أمس وزير العدل في حكومة «الاعتدال» وممثل المخابرات في لجنة الموت آنذاك، دوره في تنفيذ الإعدامات قائلا إنه «يفتخر بسبب تنفيذ حكم الله»، وجاء موقف بور محمدي بعدما نفى قبل ثلاث سنوات مسؤوليته عن الإعدامات ولقاءه بمنتظري. وأضاف بور محمدي أنه بعد نشر التسجيل فإن «غالبية الهجمات موجهة إلي ولا يريدون الكف عن ذلك لكنني هادئ.. خلال السنوات الماضية نمت ليلي هانئا لأني نفذت القانون والشرع». فضلا عن بور محمدي كان منتظري في ذلك اليوم يناقش قضية الإعدامات مع رئيس المحكمة العليا حاليا (حاكم الشرع في سجن أوين آنذاك) حسين علي نيري، والمدعي العام مرتضي إشراقي، ومساعده إبراهيم رئيسي (عينه خامنئي في فبراير (شباط) رئيسا لمنظمة «آستان رضوي» العملاقة ويتردد اسمه بين مرشحي الحرس الثوري هذه الأيام لخلافة خامنئي).

بموازاة ذلك طالب 20 نائبا في البرلمان الإيراني النظر في أهلية مساعد رئيس البرلمان علي مطهري، بسبب رسالته إلى بور محمدي قبل أيام وفق ما ذكرت وكالة «تسنيم». وقال البرلمانيون في خطاب موجه إلى هيئة الرئاسة إنه يجب عدم بقاء مطهري في منصبه؛ بسبب مواقفه وآرائه الأخيرة حول الإعدامات. من جهتها ذكرت وكالة

لعنة «صيف الإعدامات» تطارد كبار مسؤولي النظام الإيراني فارس أن عدد الموقعين ارتفع إلى 37 مما يشكل النظر في أهلية مطهري واردا في الأيام المقبلة. وانتقد أمس قائد قوات الباسيج محمد رضا نقدي موقف مساعد رئيس البرلمان علي مطهري من دون ذكر اسمه وقال إن «بعضا من الأشخاص من بينهم نجل إحدى الشخصيات الكبيرة والمعرفة يمن دون موقف من الإعدامات وهو خاطئ».
ودافع نقدي عن الإعدامات الجماعية في صيف 1988 ،قائلا إنها كانت «وفقا للمعايير القانونية والفقهية والدستورية والدولية والداخلية». من جانبها، حاولت كتلة «الأمل» أمس حفظ بعض من ماء وجهها، خاصة بعدما رموز اسم رموز الإصلاحيين ووزير من حكومة روحاني في قائمة الموت.
واجتمع محمد رضا عارف بعد انتهاء الجلسة بمطهري ليعلن تضامن كتلته مع موقفه. ونقلت وكالة «إيسنا» عن المتحدث باسم الكتلة بهرام بارسايي أن «موقف مطهري منطقي بعد تعرض تسجيل منتظري لبعض الاستغلال»، وتابع أن «المادة 84 من الدستور تنص على أن أي نائب مسؤول تجاه الشعب وبإمكانه التعبير عن رأيه في أي موضوع». بعد ساعات، قال مطهري إن «غايات سياسية» وراء ردود الأفعال «العجيبة والغريبة» على رسالته، مؤكدا موقفه لمطالبة المسؤولين بـ«تقديم توضيح يهدف إلى إغلاق ملف الإعدامات».
وخلال جلسة أمس دافع مطهري عن نفسه بعد تعرضه لانتقادات واسعة من التيار المتشدد في البرلمان وقال إن رسالته لوزير العدل جاءت بسبب الجدل الذي أثاره التسجيل في الشارع الإيراني ووسائل الإعلام الداخلية والخارجية.
وشدد مطهري على ضرورة شرح المسؤولين ملابسات الإعدامات «بدلا من الشعارات». وأضاف: «على المسؤولين التوضيح أن الإعدامات في 1988 نفذت وفقا للمعايير وبحذر شديد وعدم تعرض أي شخص للظلم»، كما أشار إلى ضرورة «مناقشة طلبات الاحتجاج ضد الإعدامات والتحقق منها قبل إغلاق الملف نهائيا».
وأبدى مطهري بعض التراجع عندما قال: إن مواقفه «أفضل طريقة للدفاع عن النظام»، مشيرا إلى أن وزير العدل استجاب لدعوته وقدم بعض التوضيحات وفق ما ذكرته وكالة «إيسنا». ومن جانبها وكالة «فارس» نشرت، أمس، مقالا انتقدت فيه مواقف مطهري؛ بسبب ما اعتبرته دفاعه عن المعارضة الإيرانية (منظمة مجاهدي خلق).
في غضون ذلك نقلت وسائل إعلام إيرانية عن نجل منتظري أحمد منتظري، أمس، قوله إنه خضع لثالث استجواب خلال أسبوع في محكمة رجال الدين بمدينة قم؛ بسبب نشره التسجيل على موقع منتظري الرسمي، وأضاف منتظري أنه لا يعرف النتيجة التي يمكن يؤدي إليها التحقيق معه، كما كشف السبت الماضي أنه يواجه تهمة «نشر أسرار النظام»؛ لأن والده كان نائبا للخميني لحظة التسجيل.
السبت الماضي تناقلت وسائل الإعلام أول موقف من رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني على نشر التسجيل
وكان رفسنجاني في صيف الإعدامات يشغل منصب رئيس البرلمان الإيراني. قال رفسنجاني إن موجة الانتقادات الأخيرة ضد إعدامات 1988 تستهدف نجل الخميني أحمد الخميني وأسرته.
وتعرض هاشمي رفسنجاني إلى انتقادات واسعة من أنصار؛ بسبب إصراره على الدفاع عن الإعدامات. في غضون ذلك وجه المفكر السياسي صادق زيبا كلام المقرب من رفسنجاني رسالة مفتوحة أعرب فيها عن تذمر وأسف أنصاره. كما اعتبر موقف رفسنجاني معارضا لمواقفه خلال العقدين الأخيرين، مؤكدا أنه يضع علامات استفهام كثيرة على «الاعتدال والوسطية أبرز خصائص رفسجاني خلال السنوات الأخيرة».
وأوضح زيبا كلام في رسالته أن «مصائب» إيران خلال 37 سنة الماضية مصدرها تجاهل القانون في تنفيذ إعدامات 1988 ،كما اعتبر موقف رفسنجاني «أعذارا لا يمكن أن تبرر الإعدامات في 1988.
« بعد ذلك بيوم أصدر مجلس خبراء القيادة بيانا يدافع فيه عن «قرار الخميني تنفيذ حكم الإعدام بحق السجناء السياسيين آنذاك واصفا إياه بالـ«القرار التاريخي والثوري». كما اعتبر نشر التسجيل من أسرة منتظري خدمة لـ«منظمة مجاهدي خلق».
يوم الجمعة، سمحت السلطات لأسرة السجناء السياسيين بدخول مقبرة «خاوران» في ضواحي طهران، حيث القبور الجماعية لآلاف المعدومين السياسيين. وتعد المرة الأولى بعد سنوات يحيي ذوي المعدومين ذكراهم. وفق تقارير وسائل الإعلام الإيرانية، فإن قوات الأمن منعت دخول الكاميرات وأخذ الصور.
يشار إلى أن الإعدامات في 1988 استهدفت عددا كبيرا من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، فضلا عن أنصار الأحزاب اليسارية وأعضاء الأحزاب الكردية المعارضة شملت الإعدامات عددا من السجناء العرب في الأحواز. وبحسب موقع «غويا نيوز» فإن غالبية الإعدامات في صيف 1988 شهدتها سجن كارون في الأحواز وسجن «اليونيسكو» في دسبول (دزفول) 120 كيلومترا شمال الأحواز.