يمثل السجال القائم بين واشنطن وأنقرة بشأن المواجهات العسكرية التي يخوضها الجيش التركي وحلفاؤه ضد القوى الكردية في شمال سوريا فصلا مقلقا من فصول العلاقة المتوترة بين تركيا والولايات المتحدة منذ الانقلاب الفاشل ضد حكم الرئيس رجب طيب أردوغان في يوليو.
ويضغط الأميركيون لدفع الطرفين إلى إعلان وقف إطلاق النار رغم تمسك تركيا وأكراد سوريا بالاستمرار في المواجهة محكومين بعداء تاريخي.

وأعلن الكولونيل جون توماس المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى أن القوات التركية والمقاتلين الأكراد في شمال سوريا توصلوا إلى “اتفاق غير رسمي” لوقف القتال بينهما والتركيز على محاربة داعش.

وتزامن إطلاق تركيا لحملة “درع الفرات” في شمال سوريا مع زيارة قام بها جو بايدن نائب الرئيس الأميركي إلى أنقرة. ويتناقض ما صدر عن بايدن هناك، سواء ما تعلق بدعمه للهجوم التركي ضد تنظيم داعش أو بحثّه قوات سوريا الديمقراطية على الانسحاب إلى شرق الفرات، مع الموقف الأميركي الراهن والذي يميل إلى انتقاد الطرف التركي.

لكنّ أوساطا مطّلعة قريبة من وزارة الخارجية الأميركية تعتبر أن موقف واشنطن يعبّر عن حرج وعجز عن تحقيق توازن ما بين علاقاتها مع الحليف التركي ضمن منظومة حلف الأطلسي وعلاقاتها مع الحليف المحلي المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية.

وترى هذه الأوساط أن انقساما يدور داخل الإدارة الأميركية بين وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) التي تولّت الإشراف على دعم وتدريب وحدات من الجيش السوري الحرّ المعارض للنظام السوري، وبين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التي تولّت دعم وتدريب قوات سوريا الديمقراطية في إطار الحرب ضد “داعش”.

وتعتبر أن واشنطن ستفقد الحليف الكردي الذي تعوّل عليه لإنجاز معركة تحرير الرقّة من التنظيم الإرهابي إذا ما دعمت الخيارات التركية.


دانيال عبدالفتاح: الأكراد كسبوا ثقة واشنطن فيما تثير تركيا الكثير من الشكوك
لكن مراقبين أتراكا يشتبهون في أن مواقف واشنطن في الترحيب بالعملية العسكرية التركية ثم انتقادها ليست متناقضة، بل مقصودة هدفها جرّ تركيا إلى المستنقع السوري واستنزاف قواها.

ورغم تصريحات بايدن حول انسحاب الأكراد إلى شرق الفرات، فإن مواجهة الأكراد للقوات التركية بدأت بعد ساعات على إعلان المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست، أن واشنطن “لا تدرس إقامة منطقة آمنة في سوريا”.

وترى مصادر دبلوماسية غربية أن إدارة الرئيس باراك أوباما الحريصة على نقل الملف السوري إلى الإدارة الجديدة بعد انتخابات نوفمبر، تدرك أن الدخول العسكري للقوات التركية يفرض أمرا واقعا قد لا ينتظر مقاربات الإدارة الجديدة.

وربما يقوض الموقف التركي الطموحات الكردية في شمال سوريا بما قد يضر بمصداقية واشنطن الراعية للمسألة الكردية في شقّيها العراقي والكردي.

لكن خبراء في شؤون العلاقات التركية الأميركية يرون أن خروج السجال بين البلدين إلى العلن قد يكون مطلوبا قبل اللقاء المزمع إجراؤه بين أوباما وأردوغان في الصين، الأحد، على هامش قمة الـ20 في هانغزو.

وقال الخبير في الشؤون التركية دانيال عبدالفتاح لـ”العرب” إن العملية العسكرية التركية أحدثت الكثير من الخلط إقليميا ودوليا، فأنقرة قالت إنها تحارب داعش والأكراد ولكن على أرض الواقع حتى الآن فإنها تستهدف الأكراد فقط، وهو ما أثار انزعاج الجانب الأميركي.

وأشار إلى أن القوات الكردية حررت الكثير من المناطق كانت تحت سيطرة داعش، وكسبت مصداقية عند الأميركيين على عكس القوات التركية التي يثير دورها شكوكا من الجانب الأميركي والدولي.

وبين تصريح بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الأميركي في التحالف الدولي ضد داعش، بأن “المواجهات بين تركيا والقوات العربية- الكردية غير مقبولة”، وتصريح وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر بأنه “من الممكن تجنب النزاع في سوريا بين الأتراك والأكراد السوريين”، يبدو أن واشنطن تتلمس سبل إنقاذ حربها ضد داعش.

ويرى مات بريزا العضو السابق في مجلس الأمن القومي أن الإشارات المتناقضة التي تصدر عن واشنطن تعرّض للخطر فرصة جيدة للاستفادة من الرغبة المعلنة لأنقرة في مكافحة داعش.

لكن جون هانا المستشار السابق للنائب السابق للرئيس الأميركي ديك تشيني يرى أن أنقرة تتحمل جزءا من المسؤولية في تصاعد التوتر لأنها تباطأت في مكافحة داعش.

وقال هانا إن “وحدات حماية الشعب الكردي لم تكن الخيار الأول للولايات المتحدة لتصبح شريكتها وحليفتها في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض، بل كانت كل ما تبقى لنا”.

وتراهن واشنطن على عامل الوقت لدفع تركيا إلى التراجع، خاصة أنها ستجد أمامها قوات كردية مدربة ومسلحة بشكل جيد ما قد يقود إلى إدامة أمد الحرب، وهو ما تتخوف منه أنقرة التي فشلت في أن تغادر المستنقع الكردي محليا رغم إغراءات أردوغان لأكراد تركيا.

وتستطيع واشنطن أن تنشئ حزاما دوليا ضاغطا على أردوغان ليوقف الهجوم، خاصة من دول أوروبية مركزية مثل فرنسا التي أعلن رئيسها فرنسوا هولاند الثلاثاء أن التوغل العسكري التركي يهدد بتصعيد الصراع، داعيا جميع الأطراف إلى إنهاء القتال والعودة إلى محادثات السلام.

صحيفة العرب