تزامن إعلان واشنطن عن "اتفاق غير رسمي" بين القوات التركية والمليشيات الكردية على وقف إطلاق النار في الشمال السوري، مع تقدم المعارضة على حساب هذه المليشيات، عبر عملية "درع الفرات" التي تدعمها القوات التركية، وتمكّنها من السيطرة على مناطق عدة في ريف جرابلس الجنوبي. وأعلن المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى، الكولونيل جون توماس، أمس الثلاثاء أن القوات التركية والمقاتلين الأكراد في شمال سورية توصلوا إلى "اتفاق غير رسمي" لوقف القتال بينهما. وقال إنه "خلال الساعات الماضية تلقينا تأكيداً على أن جميع الأطراف المعنية ستتوقف عن إطلاق النار في ما بينها، وستركز على تهديد داعش". وأضاف أن "هذا اتفاق غير رسمي يشمل اليومين المقبلين على الأقل، ونأمل في أن يترسخ". وأوضح أن الأتراك وقوات سورية الديمقراطية فتحوا اتصالات مع الولايات المتحدة وبين بعضهم البعض بهدف وقف الأعمال القتالية". وعلى الرغم من وصف الكولونيل لهذا الاتفاق بأنه "مشجع"، تبقى صفته "غير الرسمية" غالبة، إذ إنّه بعد مرور ساعات على هذا الإعلان لم يخرج أي تصريح رسمي من قبل الطرفين، أو حتى عن فصائل المعارضة السوري، ينفي أو يؤكد هذه الهدنة.
ولا يمكن اعتبارها فعلية، وسط الهدوء الحذر بين الجانبين، عقب التصريح الأميركي، إلّا إذا انسحبت المليشيات الكردية فعلاً من منبج التي سيطرت عليها، أخيراً، بعد معركة طويلة مع "داعش"، وتعهُّد مسؤولون أميركيون للأتراك بانسحاب الأكراد من غرب الفرات بعد تطهيرها من التنظيم. وتبذل الولايات المتحدة جهوداً حثيثة لتجنب تصعيد أعمال العنف بين القوات التركية التي تدعم عملية "درع الفرات" التي تقودها فصائل المعارضة داخل الأراضي السورية في محيط بلدة جرابلس ومقاتلي والمليشيات الكردية هناك.
في غضون ذلك، تواصلت المواجهات بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام السوري على خطوط التماس في مناطق جنوب حلب المحيطة بطريق خان طومان ـ الراموسة الذي بات يعد خط إمداد المعارضة الوحيد على مدينة حلب، ما دفع قوات النظام إلى السعي لإغلاقه خلال الأيام الماضية من خلال شن هجمات على مواقع سيطرة المعارضة في محيط الطريق. وباءت جميع هذه الهجمات بالفشل مع تصدي المعارضة لها، ما خلّف خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام.
وسادت حالة من الهدوء الحذر على خطوط التماس بين المعارضة السورية المنضوية مع قوات تركية خاصة في غرفة عمليات "درع الفرات" من طرف ومليشيات "حماية الشعب" الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات "سورية الديمقراطية" من طرف آخر في ريف جرابلس الجنوبي طوال، ليلة الاثنين ـ الثلاثاء، بعد تمكُّن قوات "درع الفرات" من السيطرة على عشر قرى جديدة في ريف جرابلس يوم أول من أمس الاثنين ليتجاوز عدد القرى التي سيطرت عليها أكثر من أربعين خلال أربعة أيام من المواجهات مع هذه المليشيات.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر المعارضة أن قوات "درع الفرات" شكلت كتيبة في المدينة لحفظ الأمن فيها بعد عودة السكان والتي ترافقت مع عودة الحياة الطبيعية تدريجياً إلى أسواقها وشوارعها. كما بدأت قوات المعارضة بعمليات ردم للأنفاق التي حفرها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المدينة ومحيطها قبل انسحابه منها، وواصلت عمليات نزع الألغام التي حفرها في المنطقة.
في المقابل، أعلنت المليشيات الكردية تمكنها من استعادة السيطرة على قريتي تل حوذان والكدرو في ريف منبج الجنوبي من يد "داعش" الذي تمكنت عناصره من السيطرة على القريتين إثر مواجهات مع قوات "سورية الديمقراطية"، تخللها تفجير مسلحي التنظيم لسيارة مفخخة استهدفت عناصر المليشيات الكردية.
وفي سياق آخر قالت مصادر محلية في ريف حلب الشرقي، إن طائرات تابعة للتحالف الدولي، استهدفت، فجر اليوم الثلاثاء، مقراً لعناصر تنظيم داعش في بلدة الغندورة (شمال شرق منبج) بين منطقة الصوامع ومنطقة المخفر، ما أدى إلى مقتل عدد من عناصر التنظيم. ويتوقع أن تكون هذه البلدة هي الهدف التالي لـ"درع الفرات". ويشير ذلك إلى ارتفاع احتمالات تنفيذ "درع الفرات" لعملية عسكرية باتجاه الغرب نحو مناطق سيطرة داعش في ريف حلب الشمالي، الأمر الذي سيجعل هذه القوات أكثر قرباً من مدينة الباب، أكبر مدن ريف حلب التي لا تزال بيد "داعش".
في المقابل، تسعى المليشيات الكردية إلى الاقتراب من مدينة الباب لتصل مناطق سيطرتها شرقي سورية بمناطق سيطرتها في عفرين شمال غرب حلب عبر مدينة منبج التي لا تزال بيدها. وهاجمت المليشيات الكردية، أمس الثلاثاء، مناطق سيطرة التنظيم في بلدة حربل وقرية أم حوش إلى الشرق من مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، إلا أن مسلحي التنظيم تمكنوا من التصدي للهجوم.
أمّا في جنوب حلب، قال الناشط الإعلامي حسن الحلبي في حديث لـ"العربي الجديد" إن المعارضة تصدت، أمس الثلاثاء، لهجومين متزامنين شنتهما قوات النظام والمليشيات الأجنبية والمحلية الداعمة لها على تلة المحروقات وقرية القراصي جنوبي حلب، ما أدى إلى خسائر بشرية كثيرة في صفوف النظام، فضلاً عن تدمير دبابة وعربة ناقلة للجنود بصاروخين مضادين للدروع. ولفت إلى أن فصائل المعارضة اضطرت إلى إغلاق طريق خان طومان ـ الراموسة في وجه المدنيين حفاظاً على حياتهم مع استمرار استهداف طيران قوات النظام وروسيا للطريق، تزامناً مع استهداف قوات النظام الموجودة في تلة أم القرع جنوبي حلب للطريق بالرشاشات والصواريخ الموجّهة.
في سياق متصل، قالت مصادر مقربة من مجلس مدينة حلب المعارض لـ"العربي الجديد" إن اللقاء الذي جمع وفد المجلس مع مسؤولي وكالات الأمم المتحدة الإغاثية، والتي تبحث التفاصيل اللوجستية المرتبطة بفتح ممر إنساني لإيصال المساعدات إلى مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة النظام بمدينة حلب أثناء الهدنة المنتظر الإعلان عنها في المدينة لمدة 48 ساعة أسبوعياً، سادته أجواءٌ إيجابية.
واستمع مسؤولو وكالات ومكاتب الأمم المتحدة إلى أسباب تحفظ مجلس مدينة حلب المعارض على اختيار الأمم المتحدة لطريق الكاستلو الذي تسيطر عليه قوات النظام كممر إنساني وحيد إلى حلب. كما اقترح المجلس اعتماد طريق خان طومان ـ الراموسة ممراً إنسانياً ثانياً إلى مناطق سيطرة المعارضة بحلب لكونه يقع تحت سيطرة المعارضة ويمكن من خلاله إدخال المساعدات إلى مناطق سيطرتها بمدينة حلب من الحدود التركية من دون المرور على أي نقطة لقوات النظام. وهذا الأمر سيخفف من التعقيدات ويضمن إلى حد أكبر نجاح مهمة وصول المساعدات إلى المحتاجين إليها بمناطق المعارضة بحلب، وفقاً للمصادر.
" وقالت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد" إنّ "فصيلين من الجيش السوري الحر وفصيل جند الأقصى سيطروا على مدينة حلفايا بريف حماة الشمالي، عقب مواجهات عنيفة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من قوات النظام"، مشيرة إلى "تمكّن فصائل الحر من أسر ضابط كبير كان يدير العمليات العسكرية في المنطقة". وأوضحت المصادر أنّ "مسلحي المعارضة سيطروا على كل من حاجزَي الزلاقيات القديم والجديد، ومستشفى حلفايا، وحاجز بيوت حبيب، وتجمع حواجز زلين التي تعتبر من أهم المواقع العسكرية للنظام وخطوط دفاع عسكرية عن مدينة حلفايا". ولفتت إلى أنّ "السيطرة على قرية المصاصنة ساعدت كثيراً في فتح الطريق إلى مدينة حلفايا".
وأضافت أنّ "المعارضة تمكّنت من قتل العشرات من قوات النظام والمليشيات التابعة لها، وأسر ضابط برتبة عالية في قرية البويضة، والاستيلاء على عربتين ناقلتين للجند ودبابة، بالإضافة إلى مدفع رشاش، وأسلحة وذخائر بكميات كبيرة". وأوضحت أنّ "مدينة حلفايا تعتبر من أهم معاقل النظام في ريف حماة الشمالي، فضلاً عن كونها تقع بالقرب من مدينة محردة الاستراتيجية، التي تعد صلة وصل بين مدينة حماة وريفها الغربي، وتتضمن واحدة من أهم محطات الكهرباء في سورية".
في حماة، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن بلدة حلفايا ومحيطها بريف حماة الشمال الغربي، شهدت، أمس الثلاثاء، قصفاً مكثفاً من قبل قوات النظام وضربات جوية من الطائرات الحربية، بالتزامن مع استمرار معارك الكر والفر في محيط البلدة والمناطق المحيطة بها، ومحاولات قوات النظام الرامية لاستعادة ما خسرته في هذه المناطق يوم الاثنين. وسيطرت فصائل المعارضة، يوم الاثنين، على مدينة حلفايا ونقاط عسكرية عدة كانت خاضعة لسيطرة النظام، شمالي حماة، وسط سورية، بعد معارك أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، فضلاً عن أسر ضابط كبير في صفوف النظام.
رامي سويد
-