كشفتْ مصادر سياسية لبنانية معنية بالمساعي الجارية حالياً لاحتواء المأزق الحكومي الذي نشأ عن مقاطعة "التيار الوطني الحر" (يقوده العماد ميشال عون) للجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء لـ"الراي" الكويتية أن اتصالاتٍ كثيفة تجري في الكواليس وبعيداً من الأضواء بين أطراف من فريق "8 آذار" تحديداً سعياً الى حلٍّ لا يُحرِج هذا الفريق مع حليفه العماد عون ولا يتيح للأخير المضيّ في تصعيده الى حدود تهديد الواقع الحكومي.

وأكدت المصادر لـ "الراي" أن الأيام الأخيرة أبرزتْ تصميم التيار العوني على المضيّ قدماً في تصعيد تَحرُّكه الذي، وإن كان الاعتراض على التمديد المرتقب لقائد الجيش العماد جان قهوجي عنوانه المباشر، فإن ملابسات الأزمة الرئاسية تتحكّم فيه بما يجعل تَراجُعه عن التصعيد بمثابة تَنازُلٍ لا يحتمله قبل الحصول على أثمان لا يملك أحداً دفْعها اليوم.

ذلك أنه بدا لافتاً عودة الدوائر الإعلامية والصحافية التي تدور في فلك التيار العوني الى الضرب على "الخاصرة الحريرية" من باب تحميل زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري تبعة عدم حسْم قبوله بإنتخاب عون رئيساً للجمهورية، وهو ما واكبتْه ايضاً تصريحاتٌ لنوابٍ في "حزب ا"له» تصبّ في الخانة نفسها وتبني الرهانات على تسليم الحريري في النهاية بمبايعة عون.

وتقول المصادر نفسها إن هذا المنحى يشير بوضوح الى أمريْن متوقَّعيْن: الأول أن يمضي التيار العوني في تصعيده قدماً بمقاطعة جلسة مجلس الوزراء المقبلة المحدَّدة في الثامن من أيلول لانه يرجّح أن تُطرح في هذه الجلسة مسألة التعيينات العسكرية بإعتبار أن مدّة خدمة العماد قهوجي تنتهي بحلول 30 أيلول ولا بدّ من بتّ الأمر قبل سفر رئيس الحكومة تمام سلام الى نيويورك بعد منتصف الشهر المقبل، فيما لن يقبل وزراء التيار بإستعادة السيناريو نفسه الذي أدّى قبل أسبوعين الى التمديد للأمين العام لمجلس الدفاع الاعلى اللواء محمد خير (طرْح أسماء لا يحظى أيّ منها بالأكثرية المطلوبة)، وخصوصاً أن التمديد للعماد قهوجي يحظى بغالبية القوى السياسية وليست هناك أكثرية الثلثين التي يتوجّب تَوافُرها لتعيين قائد جديد للمؤسسة العسكرية.

والأمر الثاني أن تتحوّل الجولة المقبلة للحوار الوطني التي ستُعقد في الخامس من أيلول بضيافة رئيس البرلمان نبيه بري مناسبةً لطرْح المأزق الحكومي وعرْض الحلول الممكنة، وفق ما أوحى وزير التربية الياس بو صعب (من فريق عون) امس بعد زيارته بري.

ولكن المصادر السياسية المعنية بمحاولات تبريد الأزمة الحكومية شكّكت في جدوى الرهان على جولة الحوار التي ربما لن يقبل راعيها ومديرها بري بتحوير أهدافها الى معالجة المأزق الحكومي فيما هو يركّز على المضي في بحث طرْحه حول انتخابات رئاسة الجمهورية القائم على مبدأ السلّة المتكاملة للحلّ الذي يشمل أيضاً قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وعناوين أخرى، وهو ما يتوقع أن يؤكده اليوم في الخطاب الذي يلقيه في مدينة صور لمناسبة احياء الذكرى الـ 38 لتغييب الامام موسى الصدر مؤسس حركة (أمل)، على وقع تأكيده أن لا مبادرات جديدة لديه رئاسياً فـ "لستُ ولّادة مبادرات" وعلى قاعدة "طرحتُ ما لديّ".

ووسط هذه الأجواء الضبابية لا تخفي المصادر المطلعة نفسها خشيتها من مفاجآت سلبية مثل انضمام "حزب الله" الى موقف التيار العوني من مقاطعة الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في حال فشل المحاولات الجارية للتوصل الى مخرج للمأزق، اذ أن الحزب سيجد نفسه في موقع الحشْرة بإزاء حليفه الذي تتصاعد لدى قواعده وبعض الإعلام المتّصل به نغمة العتِب على الحزب حيال مشاركته في الجلسة الأخيرة للحكومة رغم مقاطعة التيار الحر وحزب الطاشناق لها.

وأضافت أنه من هذه الناحية تحديداً ربما يدفع الحزب نحو مخرجٍ شكلي يُرضي عون ولا يهزّ الحكومة، لكن اذا تعذَّر ذلك فإنه سينتظر ما ستؤول اليه جولة الحوار المقبلة ومن ثم يقرّر خطوته التالية في شأن مشاركته من عدمها في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء. وفي حال حصول هذا السيناريو، فإن المصادر تخشى تداعيات سلبية خصوصاً لجهة ازدياد معالم الضعف والتراجع في صورة الحكومة في وقت يستعدّ رئيسها للذهاب الى نيويورك بخلفية أزمة المقاطعة الحكومية.

 

(الراي الكويتية)