أحيت وفاة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، بنيامين بن أليعازر ذكريات كثيرة له مع لبنان والعرب. فقد نال شهرته الأولى عندما ترأس وحدة «شاكيد» الخاصة، والتي اتهمت بارتكاب عمليات واسعة لقتل الأسرى في سيناء أثناء حرب العام 1967، فضلاً عن الجرائم التي نفذتها في الأردن خلال محاربتها للفدائيين. وعلى الرغم من الصداقة التي جمعت لاحقاً بين الرئيس المصري المعزول، حسني مبارك وبن أليعازر، إلا أن أبرز علاقاته هي تلك التي أقامها مع قادة حزب الكتائب اللبناني.
ومعروف أن بن أليعازر توفي عن عمر 80 عاماً وهو يخضع لتحقيقات جنائية واسعة ضده إثر اتهامه بالفساد وتلقي ملايين الدولارات بشكل غير شرعي، هو من مواليد البصرة في العراق ولذلك كان يجيد اللغة العربية. وقد ساعدته هذه اللغة في تولي مناصب عديدة لها صلة بالعرب، غير القتال، بينها عمله كمنسق لشؤون الأراضي المحتلة في الجيش الإسرائيلي. ولكن منصبه الأكثر تأثيراً، كان تعيينه في العام 1974 قائداً للواء الحدود مع لبنان، فأنشأ علاقات مع الميليشات المسيحية في الجنوب قبل أن يتحول إلى ممثل الجيش الإسرائيلي في عملية خلق ما سمي «جيش لبنان الجنوبي».
ويرى معلقون إسرائيليون أنه بتعيينه قائداً للواء لبنان في الجيش الإسرائيلي، بدأت تنشأ قصة «غرامه» بلبنان. ويوصف بن أليعازر بأنه بين واضعي أسس العلاقات بين إسرائيل والقوات اللبنانية. وإثر اجتياح الليطاني في العام 1978 واحتلال مناطق واسعة في الجنوب اللبناني، أقام الإسرائيليون ما عرف بالحزام الأمني. وتم تعيين بن أليعازر كأول حاكم لهذه المنطقة المحتلة وهو من شكّل لاحقاً ما عرف بوحدة الارتباط مع لبنان.
وكان بن أليعازر أول من فتح الحدود «لأغراض إنسانية» والتي سرعان ما أسميت «الجدار الطيب» والذي سهّل عليه الوصول إلى «أغراض سياسية». وكان بن أليعازر أول عسكري إسرائيلي يرسل رسمياً لتمثيل إسرائيل لدى القوات اللبنانية ولينسق عمليات تدريب رجالها وإيصال الأسلحة لهم. وقد وصل إلى جونية في العام 1976 على متن سفينة صواريخ وكان مكلفاً أيضاً بترتيب زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى بيروت الشرقية، وزيارات مسؤولي القوات اللبنانية إلى إسرائيل.
أنشأ بن أليعازر علاقات شخصية مميزة مع قائد القوات اللبنانية، بشير الجميل، الذي انتخب تحت الحرب الإسرائيلية رئيساً للبنان قبل اغتياله. في العام 1983 روى بن أليعازر في مقابلة مع صحيفة «معاريف» عن كيفية نشوء العلاقة الخاصة بينه وبين بشير الجميل الذي كان معروفاً في الأوساط الإسرائيلية باسمه الحركي، «شارلي» الذي أطلقه الموساد عليه. وفي المقابلة قال بن أليعازر إن رئيس الأركان سأله إن كان يود السفر إلى الخارج. وبعد وقت قصير من ردّه الإيجابي صعد إلى سفينة حملته إلى قبالة الشاطئ اللبناني قرب جونية. ومن هناك انتقل إلى سفينة لبنانية حيث التقى ببشير الجميل وأبرم أول صلة رسمية بين إسرائيل والقوات اللبنانية.
وأثارت العلاقة الإسرائيلية مع الجميل خلافات داخل إسرائيل نفسها. وكان هناك من كتبوا ضد هذه العلاقة في مواجهة من آمنوا بها. وهكذا كتب المعلق الشهير ران أدليست في كتابه «قاموس فلسطين» أنه «ينبغي أن نعطي رأينا حول كيف أن رجالاً ناضجين، مسؤولين وجديين وفق كل المعايير المقبولة، ظنوا فعلاً أن بالوسع تتويج هذا الأزعر الصغير ضمن معطيات الأرض والسكان والجيران رئيساً». وعلى عكسه كتب قائد وحدة الموساد في لبنان، أليعازر تسفرير مشيداً ببشير الجميل، معتبراً أنه «زعيم مجتهد، جريء، موثوق ويقف خلف كلامه... وأيضاً هو متوحش حسب الحاجة».
عموماً بعد تسريح بن أليعازر من الخدمة في الجيش انضم إلى السياسة، وكان أحد أبرز أذرع رئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين. وقبلها كان من المقربين جداً من وزير الدفاع عيزر وايزمان والذي استخدم معرفته باللغة العربية في إقامة اتصالات مع جهات عربية وخصوصاً في مصر. وتوطدت هذه العلاقات لتبلغ ذروتها مع الرئيس المصري المعزول حسني مبارك. ولم يمنع توطد هذه العلاقة كشف الصحف المصرية لدور بن أليعازر في قتل ما لا يقل عن 250 أسيراً مصرياً في حرب 67. وادعى بن أليعازر أن من قتلوا كانوا من الفدائيين وأنهم قتلوا أثناء المعارك على الرغم من وجود شهادات من جنود إسرائيليين تؤكد أن قتلهم كان جريمة حرب. وكان لبن أليعازر دور مهم في التوصل إلى اتفاقية الغاز التي أثارت جدلاً وخلافات شديدة في مصر.