يحار المرء في كيفية التعامل مع محكمة، أقامها أصحابها بحجة كشف قتلة رفيق الحريري ومحاكمتهم، فإذا بها تنتهي نسخة عن محكمة المطبوعات. وإذا كان الاتهام الذي قامت عليه، هو محاولة تقويض ثقة الجمهور بها كمؤسسة عدالة، فهي بعد كل ما مرّ، لم تُبق على ثقة إلا قلة قليلة، من المستفيدين مباشرة من وجودها.
وهؤلاء ينحصرون اليوم في قضاة ومحامين وموظفين يمضون تقاعدهم المبكر على حساب الشعب اللبناني وكرامة أهله.
السقف المرتفع، والتهويل والتهديد، ثم استخدام لغة الوعيد طوال الوقت، لم تكن ينفع أهل المحكمة في تعديل موقف من لا يخشى أسيادها، ولا هي وفّرت لنفسها ما تعتقده أدلة لإدانة يقبلها الجمهور قبل المعنيين والمتضررين. وظلّ ممثل الادعاء أشبه بمهرج من الصنف الرديء. بينما لعب القاضي دور سادته في مجلس الأمن الدولي، مانحاً نفسه تفوقاً أخلاقياً من دون سند. لكن الذي أساء إلى نفسه وإلى مهنته، هو من قبِل تولي مهمة الدفاع رغماً عن المتهم. فلا هو أفاد ولا استفاد. اللهم إلا إذا أقنع نفسه بأنّ موقفاً أخلاقياً باهتاً يعفيه من عبء خيانة أصول العدالة.
وفوق كل ذلك، يتصرف فريق المحكمة في لاهاي، كأنه يقوم بدور إصلاحي وإرشادي. يظن، عن «هبل» أو ثقة منفوخة بالنفس، أنه يحمل مفتاح الحقيقة، وأن بمقدوره منح حق الرأي العام بالاطلاع على ما يقوم به من موبقات، أو حجبه. تصرف أهل المحكمة على أنهم يقدرون، بقوة ما يسمونه المجتمع الدولي، والشرعية الدولية، أن يحجبوا عنا حقنا في استخدام عقولنا لتمييز الحق عن الباطل، أو يزرعوا في قلوبنا مهابة وكلاء عدو، زرعت مهابتنا في قلبه إلى الأبد.
من هنا إلى أين؟
ما حصل أمس، كان فصلاً تمهيدياً في معركة طويلة، وقاسية ضد الذين اخترعهم مجتمع القهر ضد مقاومتنا وضد شعبنا وضد حريتنا. وسيكون له تتمته وملاحقه وفصوله الإضافية. وكما كنا في المرحلة الماضية، نقف بثبات. وبلا خوف، وبصبر من أصابت السهام كل جسده، سوف يجدوننا في كل مرة، أكثر صلابة، وأكثر وضوحاً، وأكثر صراحة في مواجهتهم، بكل ما أتاحت لنا هذه المهنة من وسائل، للتشهير بهم، وفضح ما يقومون به من ألاعيب وتزوير، وتحقيرهم عن بكرة أبيهم، والتصدي لكل محاولة منهم، ليس لفرض عدالة الغاصب، بل أيضاً لمنع فرض وصاية المستعمر أيضاً.
لا حاجة لنكرر موقفنا الرافض لكل ما يصدر عن هذه المحكمة، ولن نكون في أي لحظة مستسلمين لما تقرره، ولن نتعامل مع كل ما صدر عنها. وغير ذلك، فلتتحمل الدولة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن كل ما قد يحصل، هي التي أصعدت هذا الحمار إلى المئذنة، ومهمتها حصراً إنزاله طوعاً أو غصباً.
أما من جانبنا، فسنتحمل مسؤولية دعوة الناس إلى جمع عشرات ألوف الدولارات، من أجل إرسالها إلى من يحملون مشاعل الحرية. إلى مجاهدين في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والعراق، إلى هؤلاء الذين يمثلون القيمة الأخلاقية الأعلى، في عالم كله بؤس وذلّ وهوان!