قد تكون "الضارة النافعة " الوحيدة التي أبرزها الشق الثاني الملحق من ازمة النفايات التي عادت تتقدم في الايام الاخيرة كل الملفات الضاغطة في البلاد، انها تسببت بذعر واسع من شأنه ان يعجّل في المعالجات ولو على قاعدة ظرفية ويحول دون تمادي الازمة مثلما حصل في شقها الاول. فبينما عاد زحف اكوام النفايات يتمدد في مناطق كسروان والمتن وبعض بيروت وسط تنامي المخاوف من اشهر اضافية قد تغرق مناطق الازمة بما سبق لها ان عرفته مع المناطق الاخرى طوال اشهر قبل ان يبدأ تنفيذ الخطة الحكومية بانشاء مطمري الكوستابرافا وبرج حمود، شكلت جلسة لجنة المال والموازنة النيابية امس والتي خصصت لعرض الازمة الجديدة محطة بارزة من حيث جمعها مختلف الجهات المعنية بالمعالجات الامر الذي واكبته معطيات ايجابية ومشجعة على المسارعة الى احتواء الازمة قبل استفحالها. وبدا واضحاً من خلال المناقشات التي استفاضت فيها اللجنة مع المعنيين ان الخوف لم يقف عند تداعيات تعطيل الخطة الحكومية وسد ثغراتها بالنسبة الى مطمر برج حمود فحسب بل بدأت تتسع من حيث انعكاسات هذه المشكلة وتمددها الى مطمر الكوستابرافا بعدما تحركت عدوى الاحتجاجات في شأنه من خلال تحرك قام به امس الحراك المدني عند مداخل المطمر التي تتواصل الاعمال فيه.
وعلمت "النهار" ان حصيلة إجتماع لجنة المال والموازنة النيابية تضمنت مبدئياً نهاية لأزمة النفايات في مطمر برج حمود، وسيعود العمل غداً الى سابق عهده فترفع النفايات من مناطق بعبدا والمتن وكسروان وفقاً لما هو مقرر في خطة الحكومة ضمن سقف 1200 طن مخصصة لهذا المطمر وعدم تجاوزه. وفيما أعلن رئيس اللجنة النائب ابرهيم كنعان انه تقرر دعوة اتحادات البلديات المعنية الى اجتماع غداً الأربعاء من أجل التعامل مع خطة الحكومة كحل مرحلي، كشفت المناقشات التي جرت في اللجنة ان مجلس الانماء والاعمار أبدى إستعدادا للسير في أية خطة بديلة إذا كانت موجودة.
ووصف مشاركون في جلسة اللجنة الاجواء والخلاصات التي أدت اليها المناقشات بقولهم: "اجتمعوا... لم يتفقوا... لكنها تحلحلت". وذكروا ان مجلس الانماء والاعمار عرض خلالها لخطة معالجة النفايات المنزلية الصلبة التي وضعتها الحكومة والتي تمتد على أربع سنوات، وقدم ايضاحات وشرح أمورا فنية عدة لم يكن السياسيون والنواب على اطلاع عليها او كانت معلوماتهم مغلوطة في شأنها إن لناحية المطمر الصحي ام لناحية طريقة الطمر والمعالجة والكميات والمواد التي يمكن طمرها ومعالجتها وفرزها وغيرها. وأكد المجلس ان هذه الخطة مرحلية الى ان تتجهز البلديات وتصبح قادرة على ادارة هذا الملف باستقلالية واعتماد اللامركزية لمن تريد منها، وتلك التي لا تريد الاستقلالية ستلتزم الحل المركزي الذي يقوم على المحارق، كاشفا ان ملف تلزيم المحارق موجود لدى الحكومة منذ شباط الماضي من دون جواب او قرار منها. وتم تأكيد استقلالية البلديات وحريتها في اتخاذ القرار الذي تريده وفي بقائها ضمن الخطة او خروجها منها.
وإذ وافق الجميع حزب الكتائب على ان هذا المطمر ليس الحل المثالي، اكدوا ان هاجسهم الأول هو ايجاد الحل البديل الآني والسريع لرفع النفايات من الشوارع وعدم تكدسها من جديد، الأمر الذي لم يتم التوصل اليه، وكل الاقتراحات والحلول التي طرحت تتطلب فترات زمنية. وقالت المصادر انها لمست تفهماً وحلحلة لدى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قد تترجم باعادة فتح الطريق امام المطمر بعد جلسة الاربعاء التي سيحضرها رؤساء البلديات للتشاور في ما يمكن البلديات القيام به والخروج بمقررات محددة، والموافقة على السير بالخطة الحكومية في السنوات الاربع المقبلة.
المأزق الحكومي
وفيما عاد المشهد السياسي يغرق في الجمود في انتظار ما سيعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطابه غداً في الذكرى الـ38 لتغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه في مهرجان تقيمه حركة "امل " في صور، تبدو الاتصالات والمشاورات في شأن المأزق الحكومي عالقة بدورها في انتظار عودة رئيس الوزراء تمام سلام غدا من اجازة خارج البلاد كما في انتظار ما سيصدر اليوم من توجهات ومواقف عن الاجتماع الاسبوعي لـ"تكتل التغيير والاصلاح " برئاسة العماد ميشال عون.
وعلمت "النهار" ان اتصالات جرت في الساعات الـ24 الاخيرة مع الرئيس سلام للقيام بوساطة بينه وبين "التيار الوطني الحر"، لكنه رفض ذلك إنطلاقا من أنه ليس هناك من صراع بينه وبين "التيار" وانما الصراع هو بين "التيار" وأطراف سياسيين وتالياً فهو غير مستعد أن يتحوّل من حكم الى فريق.وأكد انه حريص على الحكومة من أجل الحفاظ على الشرعية وهو غير مستعد للدخول في صراعات في حين ان مهمته إنقاذية.وحمّل من يريد ان يهز الوضع الحكومي المسؤولية عن تداعيات هذا السلوك.
اما في الجانب المتصل بالازمة الرئاسية، فبرزت امس زيارة عضو كتلة "المستقبل" النائب سيرج طورسركيسيان للعماد عون في الرابية للمرة الاولى مدرجاً زيارته في اطار مبادرة فردية وشخصية سعياً الى فتح صفحة جديدة مع العماد عون.
الحسيني
في غضون ذلك، اعتبر الرئيس حسين الحسيني في حديث ادلى به مساء امس الى برنامج "وجهاً لوجه" من "تلفزيون لبنان " عشية الذكرى الـ38 لتغييب الامام الصدر ان الذين يتحدثون اليوم عن الميثاقية هم غير ميثاقيين مشددا على ان "الحكم منذ ما بعد اتفاق الدوحة هو خارج الدستور". وقال: "جميعهم غير ميثاقيين وغير شرعيين منذ عام 1992 لانهم جاؤوا بقوانين انتخاب كانت مخالفة للدستو". وكشف الحسيني نصوص اوراق للمرة الاولى وضعها الامام الصدر كما الورقة التي وضعها مع البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير وتحدث عن خمس ضربات تلقاها اتفاق الطائف بدأت بمقاطعة المسيحيين للانتخابات عام 1992 التي كان يجب اجراؤها عام 1994 ومن ثم صدور القرار 1595 الذي اعفى سوريا من التزاماتها والدول الكبرى من تطبيق القرارات الدولية في الجنوب ومن ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم قيام التفاهم الرباعي الذي اقام انتخابات 2005 واخيراً اتفاق الدوحة الذي ادى الى تعليق قيام الدولة. واذ اعتبر ان من حق النائب مقاطعة الجلسات، لكنه استدرك بان هذا الحق يبقى خاضعاً لمحاسبة الناس. ووصف طاولة الحوار بانها اغتصاب للسلطة، وسطو على السلطة كما كرر ان المجلس الحالي هو غير شرعي. وخلص الى ان الحل للازمة الرئاسية هو "قيام مجالس الامر الواقع ( مجلس النواب والحكومة ) بانتخاب رئيس انقاذي يكون حياديا لمدة سنة واحدة تكون مهمته استرجاع الشرعية الى المؤسسات الدستورية وفور انتخابه يعمل على قانون انتخاب جديد، أما الحل الاخر البديل فهو وضع قانون انتخاب شعبي يطرح على الشعب". وقال ان هناك اسماء حياديين مؤهلين لهذا الخيار وسمى من بينهم عصام كرم وريمون عيد وميشال فرحات.