تتسارع الأحداث الميدانية في شمال سوريا مع التقدّم الذي تحرزه قوات المعارضة السورية، التي استردت المزيد من القرى المحيطة بمدينة جرابلس من تنظيم "الدولة الإسلامية" و"قوات سوريا الديمقراطية"، في وقت تؤكد فيه مصادر في المعارضة أن المرحلة الثالثة من عملية "درع الفرات" لن تتأخر، وأن مدينة الباب (الواقعة على بُعد نحو 50 كيلومتراً جنوب غرب جرابلس) هي الهدف المقبل.
ودخل الطيران التركي على خط الاشتباكات بعد أن استهدفت "قوات سورية الديمقراطية" دبابتين تركيتين أمس الأول، السبت، مما أدى إلى مقتل جندي تركي وإصابة آخر، فشن الطيران غارات على مواقع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" فجر أمس الأحد، مما أدى إلى مقتل 25 منها كما أعلن الجيش التركي، فيما أفاد صحافيون مواكبون للعمليات العسكرية بمقتل وإصابة مدنيين أيضاً اتخذتهم "قوات سوريا الديمقراطية" دروعاً بشرية في محيط قرية العمارنة جنوب جرابلس.
وقالت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، إن الطائرات التركية استهدفت حواجز عسكرية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في قرية مغر الصريصات بالقرب من قرية العمارنة، مشيرة إلى أن هذه القوات تحاول السيطرة على كل المناطق القريبة من جرابلس التي ينسحب منها تنظيم "داعش" أمام فصائل الجيش الحر، وتمنع المدنيين من مغادرتها تحت تهديد السلاح، لافتة إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تحتجز مدنيين واقتادتهم نحو مدينة منبج جنوباً".
في موازاة ذلك، سيطرت فصائل الجيش الحر المنضوية في غرفة عمليات "درع الفرات" على مناطق جديدة، كانت خاضعة لسيطرة "قوات سوريةا الديمقراطية"، بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين، إذ أعلنت "الجبهة الشامية" على حسابها الرسمي في موقع "تويتر" سيطرتها على بلدة عين البيضا جنوب غرب جرابلس، وقرى العمارنة، دابس، بلابان، وبئر كوسا جنوبها، بعد اشتباكات عنيفة مع "قوات سورية الديمقراطية". وكانت قوات المعارضة قد بدأت منذ أيام عملية "درع الفرات" بدعم مباشر من الجيش التركي، وسيطرت خلال ساعات فقط على آخر معقل لتنظيم "داعش" على الحدود التركية، وهو مدينة جرابلس السورية بعد عامين ونصف العام من هيمنة التنظيم عليها.
وغيّرت "درع الفرات" الكثير من موازين القوى في الشمال السوري، فقد كان من الواضح أن أحد أهم أسبابها هو قطع الطريق أمام تمدد المجموعات الكردية والاقتراب من الحدود التركية. ونبّهت القيادة التركية المجموعات الكردية أكثر من مرة إلى أن عليها عدم العبور إلى غرب نهر الفرات، إلا أن المليشيات ضربت بعرض الحائط التحذيرات التركية في مسعى منها لربط المناطق التي تسيطر عليها ببعضها، فجاءت عملية "درع الفرات" كضربة استباقية خلطت أوراق هذه المجموعات.
تؤكد قيادات في المعارضة السورية المسلحة أنها راضية عن سير العمليات العسكرية حتى الآن، وأشار المقدم أبو حمود، وهو أحد القياديين في الفرقة 13 المشاركة في "درع الفرات"، إلى أن العملية "ناجحة عسكرياً" لأنها تعتمد على عنصرين هامين في أي عمل عسكري وهما التأمين والدعم، موضحاً أن الجيش الحر يقوم بتأمين كل المناطق التي ينتزع السيطرة عليها من "داعش" و"سوريا الديمقراطية".
وأكد أبو حمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المرحلة الثانية من عملية "درع الفرات" تسير وفق الخطة المرسومة، مشيراً إلى أن تدخّل "قوات سوريا الديمقراطية" قد يبطئ من وتيرتها، ولكنها غير قادرة على إعاقة العملية، معتبراً أن "مشروع هذه القوات انفصالي في حين أن مشروع المعارضة وطني، لذا لن نتهاون مع هذه القوات التي تحاول إعاقة تحرير الشمال السوري من داعش من خلال محاولتها السيطرة على مواقع ينسحب منها التنظيم".
وأعلن أبو حمود أن قوات المعارضة سيطرت على أغلب الشريط الحدودي مع تركيا، موضحاً أنه بقي لـ"داعش" مساحة تمتد على نحو 15 كيلومتراً وسيطرته عليها ليست مطلقة، متوقعاً طرده منها خلال 24 ساعة ليتم وصل بلدة الراعي مع مدينة جرابلس. وكشف عن أن المرحلة الثالثة من "درع الفرات" ستبدأ خلال أيام قليلة، وتتضمن انتزاع السيطرة على مدينة الباب من تنظيم "داعش".
من جهته، رأى المحلل العسكري السوري، العميد أحمد رحال، أن المرحلة الأولى من عملية "درع الفرات" كانت "منظّمة إلى أقصى حد ما أدى إلى تحقيق هدفها القريب وهو السيطرة على مدينة جرابلس خلال ساعات"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "كان من الواضح عدم قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على مواجهة قوات المعارضة، فانسحب تاركاً خلفه عدداً من عناصره في محاولة لإرباك القوات المندفعة بقوة، إلا أن هؤلاء ما لبثوا أن لقوا مصرعهم". وأشار رحال إلى أن المرحلة الثانية من "درع الفرات" تهدف إلى تأمين الشريط الحدودي مع تركيا، مضيفاً: "كانت تسير بوتيرة منظمة لولا تقدّم (قوات سوريا الديمقراطية) من مواقع لها جنوب جرابلس لإعاقة تقدّم قوات المعارضة، مما مكّن داعش من العودة مرة أخرى إلى بلدة الراعي، فاضطرت قوات المعارضة إلى القيام بعملية عسكرية لطرد التنظيم من البلدة الهامة".
واعتبر المحلل العسكري السوري أن المجموعات الكردية "تمرّدت على الأوامر الأميركية، ولم تنسحب إلى شرق الفرات، وتحاول التستر وراء فصائل صنعتها من عناصر عرب تابعين لها، مطلقة عليهم أسماء من قبيل مجلس جرابلس العسكري، أو المجلس العسكري في منبج، في لعبة مكشوفة"، مشيراً إلى أن المجموعات الكردية بدأت تشعر بفشل ما كانت تخطط له من إنشاء إقليم في شمال البلاد، موضحاً أنها من الممكن أن تخسر الدعم الدولي بعد أن حقق الجيش السوري الحر انتصارات بأقل الخسائر، وبات من الواضح أن المجموعات الكردية تعتمد على الضربات الجوية لطيران التحالف الدولي من دون اشتباكات، وكانت النتيجة تدمير مدينتي عين العرب ومنبج، في حين أن قوات المعارضة أثبتت قدرتها على الاشتباك المباشر مع عناصر تنظيم "داعش" من دون الاعتماد بشكل كبير على مساندة جوية.
وأعرب رحال عن اعتقاده بأن "التحالف الدولي قد يعيد حساباته، ويعتمد أكثر على قوات المعارضة في محاربة داعش، وهذا ما باتت تخشاه المليشيات الكردية، لذا بدأت بإعاقة هذه القوات عن تحقيق أهدافها". ورأى أن المواجهات في محيط جرابلس "باتت مفتوحة" إثر اصرار المليشيات الكردية على عدم الانصياع للأوامر بالعودة إلى شرق الفرات، متوقعاً وصول تعزيزات لقوات المعارضة "لأنها باتت تواجه قوتين في وقت واحد هما تنظيم داعش والمجموعات الكردية"، معرباً عن قناعته بأن "تقدّم قوات المعارضة بإسناد تركي مباشر سيقلق روسيا، التي قد تعمل على عرقلة هذا التقدّم، في حال واصلت المعارضة تقدّمها جنوباً لتصبح على تماس مباشر مع قوات النظام المتمركزة في مطار كويرس العسكري شرق حلب".
(العربي الجديد)