عندما تستلقى شام على الأريكة في بيت عائلتها، مدندنةً بأغنية "باو باترول" لدى مشاهدتها التلفاز، لا يمكنك إلا أن تلاحظ مدى المعاناة التي تعيشها.
فعندما كانت تلتقط ألوانها الخشبية لتظهر مدى مهارتها في الرسم، لا يمكنك إلا أن تلاحظ أصابعها المنصهرة المغطاة بالحروق، حسب تقرير لموقع National Post.
عندما تنظر إليك بعينيها البنيتين، لا يمكنك إلا أن تلاحظ الأثر الأحمر للعمليات الطبية على جبهتها.
ولا يسعك إلا أن تلاحظ مدى تمسك والدتها "رنا الأقرع" بالأمل في مواجهة الأحلام المحطمة التي جلبتهم إلى كندا.
على وشك الموت
منذ عدة سنوات وقبل الأزمة، عندما كانت تحاول رنا الأقرع أن تأخذ بعض الراحة من أعمالها المنزلية ورعاية أسرتها، عادة كانت تأخذ جولة حول الحديقة في مدينة حلب.
وينظر زوجها أحمد خان توماني الذي يعمل خياطاً من نافذته كي يطمئن، فيرى الناس في كل مكان، والحياة هادئة وطبيعية.
ولدت شام في 15 تشرين الثاني 2011، واندلعت الحرب، وصار مجرد فتح النافذة خطراً يهدد بالموت.
بدأت بعض "البثور" تظهر على أصابع شام صبيحة اليوم التالي لمولدها، وبدأت تنتشر في باقي أنحاء جسدها.
وقد روى والداها لـ"StarPhoenix" بمعاونة مترجم وصديقتهما ضحى خرسا، أنهم عندما أخذوها إلى المستشفى، أخبرهم الأطباء أنها على وشك الموت.
لا تزال شام على قيد الحياة حتى الآن، كما أخبر طبيبها المعالج أنها تنمو بشكل طبيعي وأنها في طريقها للشفاء.
تعاني شام من مرض انحلال البشرة الفقاعي، ويطلق أحياناً على الأطفال الذين يعانون من هذا المرض "الطفل الفراشة" بسبب هشاشة بشرتهم فيما يشبه هشاشة أجنحة الفراشة.
سبب المرض
السبب وراء هذا المرض عيوب وراثية تمنع تماسك طبقات الجلد مع بعضها بشكل صحيح، بما يسبب ضعف التماسك في نسيج البشرة. يصيب هذا المرض واحداً من كل 17000 إلى 20000 مولود وفقاً لمجموعة الدعم الكندية "DEBRA ".
تغطي البثور جسم شام بالكامل وتنصهر أصابع يديها وقدميها معاً، فبشرتها عرضة للعدوى بشكل كبير وتتفتت وتنزف عندما يحممها والداها، وليس لديها أظافر، وتصاب بالحكة كل ليلة، فيجب أن يكون جلدها مغطى بالكريمات والضمامات طوال الوقت، كما تتكرر معاناتها 3 مرات يومياً عند تغيير الضمادات، ولا يوجد علاج لها.
قصة الهروب
ولدت شام في نفس يوم اندلاع الحرب في سوريا، ووصلت المعارك إلى مدينة حلب، حيث بدأت القذائف والقنابل تتساقط في كل مكان، وأصبح من الصعب الانتقال من مكان إلى آخر لشراء المواد الضرورية، فضلاً عن إقامة نقاط للتفتيش كل 100 متر.
ذات يوم ذهب عمها "خان توماني" لشراء بعض الأطعمة، ولم يرجع حتى الآن، ولا يعرف حتى مصيره.
تم تدمير منزل العائلة فيما بعد، وبدأوا في التنقل من مكان لآخر، إلا أن الوضع غير آمن في كل مكان.
في أواخر عام 2012، تمكنوا من الفرار إلى بعض أقاربهم المقيمين في بيروت في محاولة للنجاة بحياتهم، وكي يتمكنوا من توفير العلاج المناسب لشام.
كان يوم سفرهم بالأتوبيس شاقاً وطويلاً ومروعاً، فعند كل نقطة تفتيش، والتي تقابلهم كل ساعتين على مدار الطريق، يتم إنزالهم وتفتيش أمتعتهم، فلم يكن لديهم أي ضمانة للوصول إلى مبتغاهم، حتى عندما وصلوا إلى الحدود قام ضباط الهجرة بإلقاء هوياتهم بعيداً.
كانت الحياة في بيروت صعبة، لدرجة أن العائلة لم تستطع تحمل تكلفة دخول الأطفال المدرسة. أخبر الأطباء اللبنانيين العائلة أن علاج حالة شام ربما يكون متوفراً في كندا، حيث توجهت العائلة فيما بعد.
لماذا أحبطتها كندا؟
وصلت العائلة إلى مقاطعة "ساسكاتشون" الكندية كلاجئين في 6 أيار2015، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بسبب اكتشافهم أن الوعود بوجود علاج لحالة ابنتهم لم تكن صحيحة، ولم يجد حتى السفر إلى مستشفى تورنتو للأطفال لإيجاد العلاج.
لقد كان من الصعب عليهم التأقلم مع الحياة في كندا؛ عندما ولدت شام في سوريا كانت عائلة والدتها إلى جانبها دوماً، ولكن الآن ذهب كل هذا الدعم الأسري، كما أن والدهاً "خان توماني" لم يتقن اللغة الإنجليزية جيداً ليتمكن من إيجاد عمل، فهذه العائلة تعتمد بشكل أساسي على المعونات الحكومية.
عقب فيديو أذيع مؤخراً يظهر سحب طفل صغير من تحت الأنقاض جراء القصف المستمر على حلب، تتساءل والدة شام والحزن يملأها إن كانت عائلتها لا تزال على قيد الحياة، كما أنه من الصعب رؤية ما يحدث لمدينتها وبلدها.
تواجة شام مشكلة عند صعود السلم والنزول، ولا تستطيع الجري، كما أنها بدأت تلاحظ أنها مختلفة عن باقي أقرانها من الاطفال، ودائماً ما تتساءل عن أختها "شهد" هل كانت مثلها، فياله من ألم يعتصر قلب أبويها كل يوم عند سماع أسئلتها تلك، إلا أنهم يحاولون أن يخففوا من وطأة إحساسها بالاختلاف عن أقرانها بقولهم، نعم إن "شهد" كانت مثلك.
أفضل من أبويها
تتحدث شام الإنجليزية أفضل من أبويها، أما "شهد" فأصبحت تتقنهاً وكأنها مولودة في كندا.
تبلغ شام الآن الخامسة، وقد بدأت في الذهاب إلى روضة الأطفال، وبدأت تستمتع بوقتها في الحضانة أكثر من مدرسة الاحتياجات الخاصة، حيث أصبح لها معلمة لمساعدتها، وأصبح لها أصدقاء تلعب معهم بطمأنينة، حتى أنها تتساءل "لماذا لا نذهب إلى المدرسة في العطلة".
تحب شام الرسم على الرغم من الألم الذي تعانيه عند الإمساك بألوانها الخشبية.
وتقول والدتها إن ذلك يمثل عالماً جديداً لها.
تأمل العائلة أن تؤدي التجارب الطبية في الولايات المتحدة إلى نتيجة للحصول على علاج يُمَكِّن شام من ممارسة حياتها الطبيعية دون الحاجة إلى رعاية أسرتها المستمرة.
وأضافت والدتها أنهم على أمل أن يجدوا علاجاً لحالة شام.
(هافينغتون بوست)