برغم تفاقم الانقسامات الداخلية حول الكثير من الملفات الخلافية، من رئاسة الجمهورية الشاغرة، الى قانون الانتخاب المعقد، مرورا بالحكومة المتأرجحة والتعيينات المؤجلة والنفايات المتمددة ومفهوم الميثاقية المطاط.. إلا أنه يبدو أن لبنان توصل الى إنتاج موقف موحد حيال مسألة الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة وكيفية ترسيمها، بعد مداولات تمت بين الرئيس نبيه بري والقوى اللبنانية الأساسية المعنية.
وقد تبلغ الجانب الأميركي مؤخرا هذا الموقف الرسمي الموحد، وينتظر الجانب اللبناني ردا من واشنطن على ما طرحه، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، من دون أن يعني استمرار الأخذ والرد بين بيروت والأميركيين حول الحدود البحرية أن هناك ما يبرر مواصلة التأخير في إقرار المراسيم النفطية من قبل مجلس الوزراء تمهيدا لعرض بعض «البلوكات» ومن ثم تلزيمها، خصوصا أنه لا علاقة مباشرة بين الأمرين.
ويطرح لبنان أن يتم ترسيم الخط البحري مع فلسطين المحتلة، وفق القاعدة التي سبق أن اتُّبِعت لرسم «الخط الأزرق» برًّا، بحيث يشكل القرار 1701 المظلة الوحيدة للترسيم في البحر، كما كان في البر.
ويقترح لبنان أن يتولى ضباط من الجيش و«اليونيفيل» والعدو الإسرائيلي البحث في الحدود البحرية (صيغة الناقورة)، بمعاونة خبراء فنيين، على أن تجري الاستعانة عند الضرورة بالطرف الأميركي، خصوصا في حالات الخلاف المستعصية، إنما من دون أن يكون عضوا ثابتا في اللجنة.
ويهدف الحرص الرسمي اللبناني، على إبقاء عمل لجنة ترسيم الحدود البحرية في الإطار التقني المحض، الى عدم إعطائها أبعادا أوسع من حجمها الحقيقي، وبالتالي منع أي محاولة للإيحاء بأن هناك مفاوضات ثنائية، ببطانة سياسية أو نفطية، تدور بين الكيان الإسرائيلي والدولة اللبنانية.
ومن هنا أتى الإصرار اللبناني على أن يكون هناك ممثل عن «اليونيفيل» (لا عن الأمم المتحدة في نيويورك كما كان مقترحا)، تجنبا لأي تأويلات أو تفسيرات «خبيثة».
ويؤكد بري أمام زواره أن الأمور في الملف النفطي تتقدم، معربا عن ارتياحه لكون الأطراف الداخلية استطاعت تظهير موقف موحد من قضية ترسيم الحدود البحرية، ومشددا على أن القرار 1701 يجب أن يكون الإطار الوحيد لعملية الترسيم.
وأوضح أن لبنان نقل وجهة نظره الى الجانب الأميركي، مؤكدا أنه لا يجوز في انتظار حسم الخلاف الحدودي أن نبقى مكبلين، داعيا الى المباشرة في عرض «البلوكات»، مع ما يستوجبه ذلك من إسراع الحكومة في إقرار المراسيم التطبيقية، من دون أي إبطاء إضافي.
وأشار الى أن العمل الديبلوماسي لحماية حقوقنا البحرية النفطية يتكامل مع دور المقاومة، لافتا الانتباه الى أن الخطاب الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ساهم في دفع إسرائيل الى الإعلان عن نيتها تجميد التنقيب عن الغاز في النقاط البحرية المتنازع عليها مع لبنان.
الموازنة في ملعب الحكومة
وفي سياق آخر، اعتبر بري أن موضوع الموازنة العامة لا يقل أهمية عن الملف النفطي، بل يكاد يكون في هذه اللحظة أكثر أهمية، مشيرا الى أن الوزير علي حسن خليل أدى واجبه ورفع الى الحكومة مشروع قانون موازنة 2017 ضمن المهلة الدستورية، وبالتالي فإن الكرة باتت الآن في ملعب مجلس الوزراء المعني بدرس المشروع وإقراره ومن ثم إحالته الى مجلس النواب الذي يجب أن ينعقد لإقرار الموازنة، وإذا لم يحصل هذا السيناريو، فإن على الحكومة عندها إصدار الموازنة بمرسوم.
وعما إذا كان يستعد لإطلاق مبادرة ما في خطاب 31 آب لمناسبة ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، قال بري: «وهل أنا ولّادة مبادرات، حتى أُطلِق كل يوم مبادرة جديدة.. لقد طرحت ما لدي، وعلى القوى السياسية أن تتحمل مسؤولياتها».
وبالنسبة الى مستقبل الحكومة في ظل مقاطعة «تكتل التغيير والإصلاح» لها، اعتبر بري أنه من المفترض أن يعاود مجلس الوزراء اجتماعاته كالمعتاد في الأسبوع المقبل، وأنا أعتقد بأن عليه أن يتخذ القرارات المناسبة في الأمور العادية والمهمة، على حد سواء، ولكن دعونا ننتظر عودة الرئيس تمام سلام من الإجازة، ونستكشف ما في جعبته.
وهل لا تزال عند رأيك في أن انتخاب رئيس الجمهورية ممكن قبل نهاية العام الحالي؟ يجيب بري: على مسؤوليتي، أؤكد بل أضمن أن انتخاب الرئيس سيتم إذا جرى إقرار السلة المتكاملة..
وعن احتمال التمديد مجددا لمجلس النواب، يجزم بري بأن احتمال التمديد غير وارد بتاتا، تحت أي ظرف، وهو من سابع المستحيلات، علما أن التمديد سابقا حصل على مضض وأنا شخصيا لم أكن أحبذه.

باسيل: سنتصدى للتمديد بالشارع
من جهته، أبدى رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل خلال جولة له في بعض قرى الشريط الحدودي تخوفه من التمديد مجددا للمجلس النيابي، قائلا: لقد مددوا مرتين، وإذا حاولوا التمديد للمرة الثالثة فسنمنعهم ليس في مجلس النواب بل في الشارع.
وتابع: «اسألوا حركة أمل وحزب الله، هل يعتبران أن هناك ميثاقية إذا مثّلهما عقاب صقر وغازي يوسف؟ وأيضا تيار المستقبل هل يعتبر إذا مثله النائب قاسم هاشم وكامل الرفاعي أو وليد سكرية أن هناك ميثاقية؟ إذا كنتم تجدون في هذا التمثيل ميثاقية، فنحن نرضى من الآن بأن (اليس) شبطيني و(نبيل) دوفريج يؤمّنان الميثاقية في الحكومة».

النفايات تتمدد.. واجتماع حاسم اليوم
على خط آخر، تستمر أزمة النفايات في التفاقم في المتن وبعض مناطق كسروان وبعبدا، مع تكدس أكوام القمامة على الطرق، فيما يستمر عدد من محازبي «الكتائب» في منع استكمال الأشغال في مطمر برج حمود، من خلال اعتصامهم المفتوح في المكان.
وبينما يُعقد اليوم في مجلس النواب اجتماع للبحث في الأزمة بدعوة من النائب ابراهيم كنعان، وبحضور الوزير أكرم شهيب والنواب المعنيين ومجلس الإنماء والإعمار ورؤساء البلديات، قال شهيب لـ «السفير»: إذا كان هناك قرار متخذ في السياسة من قبل حزب الكتائب بتعطيل خطة الحكومة، فالأفضل ألا نُضيّع وقتنا في نقاش عبثي، أما إذا كانت لديهم ملاحظات موضوعية على المستويين البيئي والصحي لتحسين آليات الخطة فنحن لدينا كل الاستعداد للبحث فيها والأخذ بما نعتقد أنه قابل للتطبيق.
وأضاف: اجتماع اليوم مفصلي، ونأمل أن نتوصل الى حل، ولا بأس في أن يراقب حزب الكتائب الأعمال في مطمر برج حود للتثبت من مراعاتها الشروط المطلوبة، لكن المراقبة شيء والتعطيل شيء آخر، وإذا أصروا على السلبية لضرب الخطة الموضوعة وليس لتحسينها، من دون أن يقدموا في المقابل اقتراحَ بديلٍ واقعيٍّ يمكن تنفيذه، فإن مشكلة أهالي المتن وبعض كسروان وبعبدا تصبح حينها مع «الكتائب» لا مع الحكومة، وأنا أدعو البلديات الى تشكيل قوة ضغط في اتجاه اعتماد المعالجة السليمة.