بعد حصار من القوات النظامية السورية، بدأ أمس تنفيذ اتفاق قضى بخروج آلاف المدنيين والمقاتلين من هذه المدينة التي لطالما كانت لها رمزية خاصة لدى المعارضة السورية باعتبارها رمزاً للتظاهرات السلمية التي بدأت ضد النظام السوري في ربيع 2011، في وقت كانت تشهد مدينة جنيف "مباحثات ايجابية" أميركية – روسية حول المسألة السورية.
إخلاء مدينة
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين: "نواصل المطالبة بالوصول إلى داريا بحرية وأمان وندعو جميع الأطراف لضمان أن يكون أي تحرك للمدنيين آمناً وطوعياً ويتماشى مع المبادئ والقوانين الإنسانية الدولية".
وتوصلت الحكومة السورية والفصائل المعارضة في داريا الخميس، وفق الإعلام الرسمي، إلى اتفاق يقضي بخروج 700 مقاتل إلى إدلب (شمال غرب) و"4000 من الرجال والنساء مع عائلاتهم إلى مراكز إيواء" بدءاً من الجمعة من المدينة، فضلاً عن تسليم المقاتلين أسلحتهم. وبحسب المصدر العسكري، فإن "الذي لا يريد المصالحة سيذهب باتجاه مدينة إدلب (الواقعة تحت سيطرة فصائل مقاتلة وجهادية)، والذي يريد البقاء (...) سيذهب إلى منطقة حرجلة" في الغوطة الغربية والواقعة تحت سيطرة قوات النظام.
وأكد مجلس داريا المحلي أن أفراد "الأسر المدنيين سيتوجهون إلى بلدة حرجلة (...) ومن هناك يتوزعون على المناطق التي يرغبون بالتوجه إليها". وستحتاج عملية إخلاء داريا إلى "أربعة أيام قبل أن يدخل الجيش السوري" إليها، وفق مصدر سوري ميداني.
وأوضح مقاتل معارض في المدينة أن قرار التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية على إخلاء المدينة "بعد صمود دام أربع سنوات يعود إلى الوضع الإنساني المتدهور فيها والقصف المتواصل عليها، فكان لا بد من حماية المدنيين".
وأضاف: "المدينة لم تعد صالحة للسكن، فقد باتت مدمرة تماماً" إذ كانت داريا تتعرض للقصف بعشرات البراميل المتفجرة يومياً، فضلاً عن القصف المدفعي والغارات الجوية ما أسفر عن دمار هائل فيها.
من جهتها، قالت وكالة سانا للأنباء التابعة للنظام إن المرحلة الأولى من اتفاق إخلاء مدينة داريا من السلاح والمسلحين انتهت، وإنها تضمنت إخراج عدد من الأهالي إلى مراكز إقامة مؤقتة في ريف دمشق، مؤكدة أن أغلب الأهالي البالغ عددهم نحو أربعة آلاف شخص سينقلون إلى مراكز إقامة مؤقتة.
وأوضحت الوكالة أن ثلاثمئة مسلح -من بين نحو سبعمئة- تم إخراجهم نحو إدلب مع أسرهم، كما نقلت عن قائد في قوات النظام أن داريا ستكون السبت خالية من المسلحين الذين سيتركون أسلحتهم بالمدينة، بينما أكدت مصادر أن مقاتلي المعارضة سيحملون معهم أسلحتهم الخفيفة، وهو ما أكدته صور المقاتلين أثناء خروجهم.
وعرضت قنوات رسمية سورية مشاهد لمقاتلي النظام وهم يحتفلون عند مدخل داريا بينما كانت الحافلات وسيارات الإسعاف تنقل مقاتلي المعارضة والمدنيين.
إلى ذلك، اعتبرت الأمم المتحدة أن معدل دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سورية المحاصرة "غير مقبول إطلاقاً" مع إعلانها أن قافلة واحدة فقط تمكنت من الدخول وتوزيع المساعدات. وقال مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أن القافلة التي كانت تحمل إمدادات ضرورية أنهت الخميس توزيع المساعدات التي تحملها إلى حي الوعر المحاصر في محافظة حمص.
وجاء في بيان المكتب: "في وقت نرحب بدخول قافلة أمس (الخميس) فإن معدل الدخول إلى المناطق المحاصرة هذا الشهر غير مقبول إطلاقاً". وأضاف أن المساعدات الغذائية والطبية التي دخلت حي الوعر كانت "أول قافلة كاملة" تصل إلى المنطقة المحاصرة في شهر آب. ودخلت طليعة القافلة إلى الوعر الثلثاء. ووصلت مساعداتها إلى إجمالي 75 ألف شخص خلال يومين.
وانتقد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة ومن بينهم المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا الأطراف المتحاربة في سورية في الأسابيع الأخيرة لمنعها دخول المساعدات إلى المدنيين. ووجهوا معظم اللوم إلى نظام الأسد الذي تحاصر قواته 18 منطقة.
مدينة اسمها داريا
ولداريا رمزية خاصة لدى المعارضة السورية، فهي كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد في آذار 2011، كما أنها خارجة عن سلطة النظام منذ أربع سنوات بعدما تحولت الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، وهي من أولى البلدات التي فرض عليها حصار.
ويعيش نحو ثمانية آلاف شخص في داريا الواقعة على بعد حوالى عشرة كيلومترات جنوب غربي العاصمة. وهي أيضاً مجاورة لمطار المزة العسكري، حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية.
وكانت داريا قبل الحرب تعد حوالى 80 ألف نسمة، لكن هذا العدد انخفض 90 في المئة حيث واجه السكان طوال سنوات الحصار نقصاً حاداً في الموارد. ودخلت في شهر حزيران أول قافلة مساعدات إلى داريا منذ حصارها في العام 2012. وعند مدخل داريا الشمالي، كتب على أحد جدران الأبنية "داريا الحرة مع تحيات الجيش الحر".
اتفاق أميركي روسي وشيك لإبرام هدنة بسوريا
في غضون ذلك، أكد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستفان دي ميستورا أن الوضع في داريا خطير للغاية، وشدد على ضرورة حماية سكانها خلال أي عملية إجلاء، وأن تتم تلك العملية بشكل طوعي.
وذكر دي ميستورا في بيان أن الأمم المتحدة لم تشارك في المفاوضات ولم يتم التشاور معها بشأن الاتفاق الذي تم الخميس بين المعارضة والنظام، وناشد مجموعة الدعم الدولية لسوريا وغيرها من الداعمين وقف الأعمال العدائية وضمان أن يتم تطبيق هذا الاتفاق وما يليه.
وقالت الأمم المتحدة إن فريقا من موظفيها توجه مع الصليب الأحمر إلى داريا للقاء جميع الأطراف، وشددت على ضرورة حماية المهجرين.
وانضم دي مستورا إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في محادثات تجري في جنيف في شأن عملية السلام في سورية. ورحب منسق المساعدات الإنسانية الدولية في سورية يعقوب الحلو بالاجتماع وقال أنه «من الجيد» أن تجتمع روسيا والولايات المتحدة، إلا أنه اتهم القوى العظمى بالتباطؤ في الجهود الديبلوماسية.
ورداً على سؤال في مقابلة مع البي بي سي الخميس حول الأمور التي كان يمكن أن تحول دون حدوث كارثة إنسانية في سورية، قال الحلو: "الشجاعة السياسية من جانب المجتمع الدولي".
توازياً، أعلن كيري أنه على وشك التوصل إلى اتفاق مبدئي مع نظيره الروسي لافروف خلال مباحثاتهما في جنيف لحل بعض المسائل التي تعيق إبرام هدنة في سوريا وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المعرضين للخطر، لكن لا يزال يتعين تحديد آليات الاتفاق بشأن التعاون لحل الأزمة السورية.
وقال كيري في مؤتمر صحفي أعقب مباحثات استمرت نحو عشر ساعات مع لافروف مساء الجمعة إن خبراء البلدين سيبقون في جنيف لإنهاء المسائل العالقة وإنجاز تفاصيل الاتفاق، مؤكدا على ضرورة احترام اتفاقية وقف الأعمال العدائية في سوريا، والعمل على إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، خصوصا حلب.
وأضاف أن مباحثاته مع نظيره الروسي ركزت على كيفية جعل اتفاق وقف الأعمال العدائية بسوريا يصمد لفترة أطول، وقال إن من شأن ذلك أن يعيد أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات من جديد، ويحدث خرقا حقيقيا بالملف السوري.
وأشار إلى أن المبعوث الأممي إلى سوريا ستفان دي ميستورا سيدفع الأطراف المختلفة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وجدد كيري تأكيده على أن حل الأزمة السورية يجب أن يكون سياسيا وسلميا، وأكد أن إنهاء هذه الأزمة لن يكون عسكريا.
وتحدث كيري بشكل إيجابي عن اجتماعاته مع لافروف، وقال "نحن عملنا بشكل وثيق في الأيام القليلة الأخيرة حتى لا نضل الطريق وحتى لا نبقى في حلقة مفرغة".
وأضاف "اليوم يمكن أن أقول إننا وصلنا إلى بعض الوضوح في ما يتصل بالطريق أمامنا نحو المستقبل" في سوريا.
وقال كل من كيري ولافروف إن هناك بضع مسائل لا بد من الانتهاء منها قبل إمكان التوصل لاتفاق، وحذرا من إمكان انهياره ما لم يتم سريان "فترة تهدئة" قبل إمكان تنفيذه.
وأكد لافروف أن موسكو وواشنطن اتفقتا على عدد من النقاط المهمة بشأن سوريا، لكن ما زالت هناك بعض النقاط، بينها إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المعرضين للخطر في سوريا.
وأضاف أن "مسألة تصنيف الجماعات المسلحة في سوريا هي مسألة معقدة بسبب المحاولات التي تبذلها جبهة النصرة للتخفي بين الجماعات الأخرى".
وتابع لافروف "إذا كنا قادرين على إبرام اتفاق طويل الأجل بشأن وقف إطلاق النار فسنكون قادرين على إحداث تغيير جذري حيال مسار النزاع"، مؤكدا أن الاتصالات مع واشنطن بشأن الملف السوري ستتكثف.
وكانت جولات عدة من مفاوضات دولية لتسوية النزاع الذي أودى بـ290 ألف شخص في سوريا منذ العام 2011 أخفقت من قبل.
(وكالات)