قوبلت عملية سحب الثقة من وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي من قبل مجلس النواب بردود فعل سلبية، كون العملية نتجت عن استهداف سياسي واضح للوزير الذي يعتبر الأنجح بين جميع زملائه من أفراد الطاقم الوزاري في حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، نظرا إلى التقدّم الكبير والواضح المتحقّق على الأرض في الحرب على تنظيم داعش، والتماسك الكبير الذي باتت عليه المؤسسة العسكرية العراقية تنظيما وتسليحا، بعد أن كانت على شفا الانهيار الكامل في أواخر عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو العامل الذي مهّد الطريق أمام داعش لاستباحة ما يتجاوز ثلث مساحة العراق في أيام معدودة.
ولم يتردّد العبيدي وهو يعلّق على إجراء سحب الثقة منه في التلميح بقوّة إلى أنّ نوري المالكي ذاته وراء إقالته من منصبه قائلا “انتصر من أوصل العراق إلى ما وصل إليه الآن، فليعذرني الشعب والجيش، فقد حاولت أن أحارب الفساد بالممكنات، لكن يبدو أن أربابه أقوى وصوتهم أعلى وفعلهم أمضى”.
وأضاف عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك متوجّها إلى العراقيين بالقول “أنتم من تقيّمون عملي وجهدي الذي يشهد الله أني لم أبخل به لبناء الجيش والمؤسسة العسكرية، رافقتها محاولاتي الحثيثة لمحاربة الفساد والفاسدين ومنع المحسوبية والمنسوبية التي أوصلت العراق في عام 2014 إلى أن يخسر 40 بالمئة من أرضه ويشرد ملايين من شعبه، وتتهدد مقدسات العراقيين وعاصمتهم بغداد”.
ومنذ بداية مسار إقالة العبيدي كان شبح نوري المالكي مخيّما على العملية، في إطار صراعه ضدّ رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ومحاولته إرباك عمله ومنعه من تحقيق أي نجاح من شأنه أن يرسّخه في منصبه بما في ذلك إعادة ترميم المؤسسة العسكرية وإحراز تقدّم في الحرب على داعش، فيما المالكي لا يزال يطمع بالعودة إلى المنصب إن عاجلا بإسقاط العبيدي قبل انتهاء ولايته، أو آجلا من خلال الانتخابات القادمة.
ومعروف عن نوري مالكي شغفه الشديد حدّ الهوس بمنصب رئيس الوزراء، ما يجعله لا يتردّد في التضحية بأي شيء من أجل المنصب، حتى وإن تعلّق الأمر بالأمن القومي العراقي.
وتبيّن دور رئيس الوزراء السابق بشكل واضح من خلال وقوفه الصريح إلى جانب رئيس البرلمان سليم الجبوري المتهم بالفساد من قبل خالد العبيدي.
وزير الدفاع أقيل بطريقة ثأرية لسعيه إلى خلخلة ميزان التسويات حيث كان منصفا في توزيع اتهامات الفساد
وتسود قناعة لدى الرأي العام العراقي بأنّه لولا نفوذ المالكي لما استطاع الجبوري أن ينجو بتلك السرعة العجيبة من القضية، حيث لم يتطلّب الأمر أكثر من ثلاث ساعات تم فيها رفع الحصانة البرلمانية عنه ومثل خلالها أمام رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود المعروف بصداقته لرئيس الوزراء السابق والمتهم من الشارع العراقي خلال مظاهرات مشهودة بالفساد وبالتستر على أصحابه.
وبذلك يكون العبيدي ضحية صراعات سياسية وشخصية ومعارك على المناصب والمغانم المادية بين أصحاب النفوذ الفعليين في العراق؛ قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية المتحكّمين بدفّة السلطة في البلاد.
أمّا سليم الجبوري الذي لم يكن -بحسب مطّلعين على الشأن العراقي- “أكثر من أداة لإسقاط أحد أعضاء عائلته السياسية السنية” فسيكون الضحية القادمة.
وقال مراقب عراقي إنّ ما جرى الخميس تحت قبة البرلمان العراقي هو انعكاس لبنية النظام السياسي القائم على أساس تقاسم المغانم بين الكتل الحزبية وفق مبدأ المحاصصة. فإذا ما كان وزير الدفاع الذي تمت إقالته بطريقة ثأرية قد سعى إلى إحداث خلخلة في ميزان التسويات، حيث كان منصفا في توزيع اتهامات الفساد بين مختلف الكتل، سنية كانت أو شيعية، فإن رد الفعل بإقالته جاء ليؤكد على الروح التضامنية بين مختلف الكتل السياسية التي تبدو مختلفة في الظاهر، غير أنها في حقيقة أمرها متفقة على استمرار الوضع في العراق كما هو. وهو ما يعني اتفاقها على استمرار الفساد.
وكان الوزير المقال محقا في ما قاله إثر سحب الثقة منه “لقد انتصر الفاسدون” وهو ما لا يخفى على أحد من متابعي مسلسل فشل السلطات الثلاث في العراق التي تتبادل الحماية في ما بينها.
فالطريقة التي أعلنت من خلالها براءة رئيس البرلمان من التهم التي وجهها وزير الدفاع إليه تكشف بطريقة هزلية عن تدهور أوضاع القضاء في بلد تساهم فيه سلطته التشريعية في التغطية على فساد السلطة التنفيذية.
ووصف ائتلاف “متحدون” الذي يتزعمه أسامة النجيفي، الجمعة، إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي بأنها “رسالة سيئة”، و”صورة محزنة” للوضع السياسي في البلاد
ومن جهته أكد رئيس كتلة “عراق الحضارة” طلال الزوبعي وجود مخالفة دستورية في إقالة العبيدي، وأشار إلى أنّ جميع القضايا التي طرحت خلال جلسة استجواب الأخير جرت في عهد الوزير السابق.
وبدأ الشارع العراقي يردّد أصداء «معركة العبيدي- الجبوري» حيث تظاهر الجمعة مئات العراقيين في عدد من المدن بينها العاصمة بغداد احتجاجا على «استمرار استشراء الفساد في البلاد، وضعف إجراءات محاربته، وسوء إدارة المؤسسات».
واحتشد المحتجون، في ساحة التحرير وسط العاصمة، فيما أغلقت القوات الأمنية جميع الطرق المؤدية إلى الساحة، والجسور المؤدية للمنطقة الخضراء المحصنة أمنيا بالمدينة، وتضم مقار الحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية.
ونُقل عن أحد المتظاهرين قوله إن «الفاسدين أصبحوا أقوى من الدولة، وباتوا فوق القانون، ولا يجرؤ أحد على محاسبتهم، والقضاء أصبح ضعيفا، يلاحق الفقراء»، في إشارة إلى قضية الطفل العراقي الذي حكم عليه منذ أيام بالسجن سنة لسرقته مناديل ورقية، ولم يتأخر العراقيون في مقارنة قضيته بالقضايا المثارة ضد رئيس البرلمان والتي لم تتطلب أكثر من ساعات لتبرئته منها.
صحيفة العرب