يعكف التيار الوطني الحر على دراسة الدلالات والإشارات التي تضمنها انعقاد جلسة لمجلس الوزراء اللبناني في موعدها، وخاصة مشاركة حليفه حزب الله الذي ليست من مصلحته الإطاحة بحكومة تمام سلام في ظل الغطاء الدولي الذي تحظى به.
وكان التيار الوطني الحر قد أعلن، الثلاثاء، عن مقاطعته لجلسة الخميس، ملوحا باتخاذ إجراءات أخرى قد تصل حد استقالة وزرائه والنزول إلى الشارع، في رد على نية القوى السياسية التمديد لقائد الجيش جان قهوجي، وفق تصريحات قياداته.
وتوقع التيار أن يلتحق الحليف الاستراتيجي (حزب الله) بركبه في هذه الخطوة، وهو الأمر الذي لم يحصل ليشكل خذلانا جديدا من قبل الحزب له.
ويرجح البعض أن تدفع مشاركة حزب الله في الجلسة إلى كبح اندفاعة التيار حيال التصعيد الذي هو في واقع الأمر في صلب الصراع الذي يخوضه الجنرال ميشال عون للوصول إلى سدة الرئاسة.
وبالمقابل ترى أوساط سياسية لبنانية أن تهديدات التيار الوطني الحر بالتصعيد من البداية، لا تعدو كونها مجرد ضجيج لا يتسق مع مجمل التطورات الإقليمية الدولية، لا سيما تلك التي تتعلق بسوريا.
وتؤكد هذه الأوساط أن احتجاج عون ورفضه التمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، لا يمثلان سوى مناسبة لإعادة تأجيج الشارع المسيحي ضد ما يسميه أنصار عون تهميشا للحصّة المسيحية في قيادة البلد. وتعتبر هذه الأوساط أن التمديد للجنرال قهوجي الشهر المقبل أمر مطلوب، ليس على المستوى الداخلي فقط حيث تجمع عليه أكثر التيارات السياسية في البلد، بل على المستوى الدولي أيضا، على ما أفصحت عنه زيارة قائد القوات المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتل الثلاثاء الماضي إلى لبنان واجتماعه مع قائد الجيش وتأكيده على متانة “الشراكة الأمنية” مع الجيش اللبناني والإشادة بدوره في موسم الحرب على داعش.
تهديدات التيار بالتصعيد من البداية، لا تعدو كونها مجرد ضجيج لا يتسق مع مجمل التطورات الإقليمية
وتقول هذه الأوساط، إن مقاطعة وزراء التيار العوني لجلسة مجلس الوزراء وتضامن بعض الوزراء المسيحيين مع هذه المقاطعة، يأتيان كمحاولة للضغط على رئيس الحكومة تمام سلام وإحراجه من خلال ما يردده المقربون من عون من أن جلسات الحكومة لن تعود ميثاقية إذا ما غاب التمثيل المسيحي الوازن عن جلساتها، غامزين من قناة الوزراء المسيحيين المستقلين الذين لا يعتبرونهم الممثلين الحقيقيين للطائفة في البلد.
ويتزامن التصعيد العوني مع تصاعد في لهجة تيار المستقبل بقيادة الرئيس سعد الحريري ضد حزب الله. فقد شنّ وزير الداخلية اللبناني المستقبلي نهاد المشنوق هجوما على الحزب متهما إياه بالتسبب في غياب رئيس للجمهورية في لبنان وبإحداث فراغ دستوري خطير في البلاد.
ودافع المشنوق عن خيارات تياره المتمسكة بالدولة والدستور والمؤسسات، مقابل طرف يتبجّح بتقارير عن وجود خمسين ألف عنصر من “سرايا المقاومة” التي أسماها سرايا الفتنة وسرايا الاحتلال.
وكان المشنوق قد بدأ عهده على رأس وزارة الداخلية بالانفتاح على حزب الله والدعوة إلى الحوار بين “المستقبل” و”الحزب”. وقد أثار هذا التقارب والانفتاح حفيظة أنصار تيار المستقبل، فيما استنتجت بعض التحليلات أن المشنوق يسعى إلى تسويق نفسه رئيسا للوزراء في غياب سعد الحريري خارج البلاد، بيد أن عودة الأخير بددت هذه التحليلات.
ورشح الحريري الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، معتبرا أنه حليف لحزب الله وقريب من دمشق وأنه سيكون الشخص المقبول من كافة الأطراف بما يكسر حلقة الجمود السياسي في لبنان. لكن حزب الله لم يعر اهتماما لمبادرة الحريري متلطيا وراء ترشيحه لحليفه ميشال عون، ما اعتبرته أوساط الحريري قرارا من طهران بعدم السماح بانتخاب رئيس للجمهورية، واعتبار ملف الرئاسة جزءا من ملفات كثيرة تريد إيران طرحها كسلة متكاملة على مستوى المنطقة.
ويجمع المعلقون في لبنان على أن ضجيج “التيار الوطني الحر” حول حقوق المسيحيين كما ضجيج “تيار المستقبل” في السجال مع حزب الله، لا يعدو عن كونه محليا للاستهلاك الداخلي، وهو لن يؤثر على الشلل الحاصل في البلد، والمرتبط مباشرة بالمزاجين الإقليمي والدولي.
الحريري رشح الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، معتبرا أنه حليف لحزب الله وقريب من دمشق وأنه سيكون الشخص المقبول من كافة الأطراف
وتلاحظ أوساط دبلوماسية أن العالم معنيّ بتثبيت استقرار نسبي في لبنان وعدم انزلاقه نحو ما يمكن أن يفجر الوضع الداخلي. ويرى بعض المراقبين أن التيار العوني يلجأ ربما إلى هذا التصعيد ويهدد بالنزول إلى الشارع وإعلان العصيان المدني منتظرا من المجتمع الدولي التسليم برغباته حماية للسلم الأهلي في لبنان، المطلوب دوليا.
وتلفت أوساط سياسية لبنانية إلى ضرورة مراقبة موقف حزب الله من مسألة التصعيد العوني، وتعتبر أن الحزب الذي يعتبر عون مرشحه وحليفه معني بمداراة موقف عون لكن لا مصلحة له في التصعيد على مستوى الشارع أو في تفجير الحكومة اللبنانية التي تؤمن للحزب غطاء شرعيا دستوريا في ظل الضغوط الدولية، لا سيما الأميركية، التي تمارس ضده.
كما تلفت إلى ضرورة مراقبة موقف “القوات اللبنانية” بزعامة سمير جعجع، لجهة كونه حليفا لتيار الجنرال عون، لكن من المستبعد مجاراته في اللجوء إلى الشارع، على الرغم من أن “القوات اللبنانية” ليست ممثلة في الحكومة، وهي رفضت المشاركة فيها من الأساس.
وتعتبر هذه الأوساط أن عزوف الحليفين المتناقضين لعون (حزب الله والقوات اللبنانية) عن دعم الأخير في دعواته للتصعيد سيحرم الجنرال من غطاء عام، ويجعل الحراك محدودا لا يتجاوز حدوده الإعلامية.
صحيفة العرب