أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن تركيا لن تتراجع عن مكافحة الإرهاب وأن عملياتها في شمال سوريا مستمرة حتى القضاء على الإرهابيين، مشيراً إلى أن المجموعات الإرهابية تحاول تكثيف عملياتها بعد العملية التركية «درع الفرات» التي تمكنت خلال ساعات قليلة من السيطرة على مدينة جرابلس السورية. 

وجاءت تصريحات الرئيس التركي في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح جسر السلطان ياووز سليم بمدينة اسطنبول، أمام حشد جماهيري تقدّمه مسؤولون سابقون وحاليون وزعماء عرب وأجانب من دولٍ عدة، بينهم ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس سعد الحريري ورئيس المجلس الرئاسي في البوسنة والهرسك بكر عزت بيغوفيتش، والرئيس المقدوني جورجي إيفانوف، ورئيس شمال قبرص التركية مصطفى أقنجي، ورئيسا وزراء بلغاريا بويكو بوريسوف، وولاية بنجاب الباكستانية شهباز شريف، ومساعد رئيس وزراء جورجيا ديميتري كومسيسيهفيل. 

وجاء كلام اردوغان خلال افتتاحه جسر السلطان سليم الأول، وهو الجسر المعلق الثالث على ضفتي البوسفور، بمثابة رد على العملية الإرهابية التي نفذها «حزب العمال الكردستاني» أمس وأسفرت عن مقتل 11 شرطياً تركياً، وبعد التدخل العسكري التركي المباشر دعماً للجيش السوري الحر في شمال سوريا حيث قام بتحرير مدينة جرابلس وعدد من القرى المحيطة بها من التنظيم الإرهابي.

وأكّد اردوغان «أنّنا سنواصل عملياتنا في شمال سوريا حتى نقضي على كافة التنظيمات الإرهابية هناك. من تنظيم «بي كا كا» (الكردي) و»داعش» وجماعة (فتح الله) غولن الإرهابية»، وأضاف «أقول لهم إن هذه الهجمات التي يقوم بها الإرهابيون، اعدلوا عن ذلك، فإنكم لن تنالوا من تركيا».

وتابع الرئيس التركي أن «وحدة الشعب التركي ووقوفه صفاً واحداً في وجه الانقلابيين ليلة 15 تموز الماضي، حالا دون نجاح محاولتهم»، داعياً في هذا الخصوص كافة أطياف الشعب إلى «نبذ الخلافات والاستمرار في إظهار هذا النوع من التضامن والتكاتف الذي تجلى خلال محاولة الانقلاب الفاشلة«.

وعن محاولات زرع الفتنة بين أطياف الشعب التركي قال اردوغان، «في كل مرحلة يحاولون نثر بذور الفتنة لشق الصف بيننا، تارةً من خلال إشعال فتيل الفتن المذهبية بين السنة والعلويين، وتارة أخرى من خلال إثارة العرقية والقومية بين الأتراك والأكراد، واليمينيين واليساريين».

وأضاف «وبرغم اختلاف المسميات وتعددها فإنّ الهدف كان دائماً واحداً ولم يتغير، ألا وهو إضعاف تركيا«.

وأوضح اردوغان «من خططوا للمحاولة الانقلابية اعتقدوا أنّ القوات المسلحة التركية سيصيبها الضعف حال نجح الانقلاب أو فشله، وعندما اصطدموا بالشعب وباءت محاولتهم بالفشل، استعانوا بمنظمات إرهابية مثل بي كا كا، وداعش، وأظهروا نياتهم الحقيقية تجاه تركيا (في إشارة لهجمات إرهابية عدة شهدتها البلاد أخيراً)».

واستطرد «ولمّا أيقنوا أن تركيا لم تتراجع قيد أنملة عن إصرارها على مكافحة الإرهاب، ولا سيما عندما انطلقت عملية «درع الفرات« في جرابلس السورية، بدأوا البحث عن ألاعيب جديدة، كان آخرها الاعتداء الإرهابي على موكب كمال قلجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري « أول من أمس.

وفيما كانت تركيا تحتفل بافتتاح جسر السلطان سليم، فجر «حزب العمال الكردستاني» شاحنة محملة بـ10 أطنان من المتفجرات في مدينة جيزي على مقربة من الحدود مع سوريا، أسفرت عن مقتل 11 شرطياً وإصابة العشرات بجروح. 

وكان اردوغان تطرق إلى الهجوم الإرهابي هذا وأكد أنه لن يؤدي إلا الى زيادة عزم بلاده على قتال المتشددين. وقال في بيان إن تركيا تقاتل المتشددين «في الداخل والخارج».

وقالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية، إن مسلحي «منظمة بي كا كا الإرهابية» (حزب العمال الكردستاني)، استخدموا 10 أطنان من المتفجرات، في تفجير الشاحنة المفخخة الذي وقع في قضاء جيزرة بولاية شرناق، شمال شرقي تركيا.

وأفاد مراسل الأناضول، أن الانفجار خلف دماراً واسعاً في المنازل والمحال التجارية القريبة من مكان الحادث.

ووقع التفجير عند نقطة للشرطة تبعد 50 متراً عن مبنى قوات مكافحة الشغب على الطريق بين شرناق وجيزرة، ما أسفر عن استشهاد 11 شرطياً وإصابة 78 بينهم 3 مدنيين. 

وتبنى حزب العمال الكردستاني الاعتداء الانتحاري في بيان قال فيه إنه يأتي رداً على «العزلة المتواصلة المفروضة» على زعميه المسجون عبدالله اوجلان «والنقص في المعلومات» حول وضعه خصوصاً بعد أن منعت عنه الزيارات.

وتوعد رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم بالرد على منفذي الاعتداء. وقال «التفجير الانتحاري الذي استهدف مركزاً للشرطة في جيزرة هو أحد الهجمات الغادرة لمنظمة «بي كا كا« الإرهابية الانفصالية الدنئية من دون أدنى شك«.

وقال يلدريم في مؤتمر صحافي في اسطنبول «منذ البداية كنا ندافع عن وحدة أراضي تركيا.. نحن أيضاً ندافع عن وحدة أراضي سوريا. إن هدف هذه التنظيمات الإرهابية هو تأسيس دولة لهم في هذه الدول.. لن ينجحوا في ذلك أبداً.» واضاف «سنستمر في عملياتنا (في سوريا) حتى نضمن بالكامل أمن وحياة وممتلكات مواطنينا وأمن حدودنا. سنستمر حتى اقتلاع داعش وغيرها من العناصر الإرهابية من هناك«.

وعبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني في بيان عن «تضامنها وتعاطفها مع الحكومة والشعب التركيين»، مضيفة «سنواصل تعزيز تعاوننا لمواجهة الإرهاب». وأضاف البيان أنها ستزور أنقرة في التاسع من أيلول المقبل «لمناقشة كل المسائل ذات المصلحة المشتركة مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الشؤون الأوروبية عمر تشيليك».

ويأتي هذا الاعتداء متزامناً مع اليوم الثالث لدخول القوات التركية الأراضي السورية الذي يستهدف رسمياً تنظيم «داعش» والوحدات المقاتلة الكردية.

وأرسلت تركيا أمس أربع دبابات إضافية الى مدينة جرابلس السورية التي كانت دخلتها فصائل الجيش الحر الأربعاء مدعومة من القوات التركية وطردت مقاتلي «داعش» منها.

ونفى يلديريم مزاعم مفادها أن أنقرة تركز في عمليتها العسكرية المستمرة على الأكراد، معتبراً أنها «أكاذيب». وقال يلديريم رداً على سؤال حول مقال نُشر في أسبوعية «در شبيغل« الألمانية تحت عنوان «العملية التركية في سوريا: تنظيم داعش ذريعة، الأكراد هم الهدف»، قال «إما أنهم لا يعلمون شيئاً عن العالم وإما أن عملهم يقضي بنقل أكاذيب».

وأضاف أن «مهمة جنودنا تقضي بضمان أمن حدودنا وحياة مواطنينا. المعلومات خارج هذا الإطار ليست سوى أكاذيب». وتابع «سنواصل العمليات حتى ضمان أمن حدودنا بنسبة مئة في المئة (...) وحتى نطرد عناصر داعش خارج المنطقة».

وفي سياق متصل، قال نائب رئيس وزراء تركيا نعمان قورتولموش أمس إن إرهابيي «داعش» و»الكردستاني» يهاجمون تركيا في محاولة للاستفادة من محاولة الانقلاب العسكري التي جرت الشهر الماضي. وأكد في تصريح على حسابه الرسمي على موقع تويتر إن تركيا عازمة على حماية حدودها وأمنها. وأضاف أن أنقرة تؤيد وحدة أراضي سوريا والعراق وتعارض مزيداً من التقسيم في المنطقة.

وقال العقيد أحمد عثمان قائد جماعة السلطان مراد السورية، إن المرحلة القادمة من العمليات المدعومة من تركيا ستكون التوجه غرباً، مشيراً إلى أن ذلك قد يستغرق أسابيع أو أشهر عدة لإنجازه. وقال لوكالة «رويترز« إن مقاتلي المعارضة لا يرغبون في قتال القوات الكردية لكنهم سيفعلون ذلك إذا اقتضت الضرورة.

وقال عثمان الذي كان يتحدث من جرابلس إن الأولوية الآن للتقدم لنحو 70 كيلومتراً باتجاه الغرب إلى بلدة مارع التي يخوض فيها مقاتلو المعارضة قتالاً منذ فترة طويلة مع «داعش». وأضاف أنهم يرغبون في تطهير المنطقة قبل التوجه جنوباً. وتابع أن الإخفاق في ذلك الهدف سيعرض مقاتلي المعارضة لخطر هجوم مضاد من «داعش». وقال إن الأولوية هي التحرك من جرابلس إلى قرية الراعي وصولاً إلى مارع.

وأوضح عثمان الذي انشق على قوات الأسد للانضمام للجيش الحر في 2012 إن الأمر قد يتطلب زيادة أعداد مقاتلي المعارضة عن المستوى الحالي الذي يراوح بين 1200 و1500 لتنفيذ بعض العمليات. وأضاف أنهم مستعدون للمساهمة بأعداد أكبر وفقاً لطبيعة المعركة.

وفي موسكو، قال الكرملين إن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي اردوغان ناقشا الوضع في سوريا عبر الهاتف أمس وأكدا على أهمية مكافحة الإرهاب. كما ناقشا تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية واتفقا على مواصلة الحوار الشخصي بشأن العلاقات الثنائية والشؤون الدولية.

وفي الموضوع ذاته، قالت وكالة الأناضول التركية، إن الرئيسين اتفقا على «تسريع جهود إيصال المساعدات الإنسانية الى حلب»، مضيفة أن اردوغان اطلع بوتين على سير العملية الحالية التي يشنها الجيش التركي في شمال سوريا.