انتمى السيّد موسى الصدر الى حركة ايرانية مناضلة لإصلاح إيران وإخراجها من ظلمات الاستبداد الى نور الحرية وكانت تضم نخبة المجتمع المتنور في ايران ممن يتصلون بالعلم ويحرسون أدوارهم بالمعرفة وكانت طموحاتهم تتجاوز حدود الرغبة الجامحة الى تغيير يطال شكل الهيكل ويبقي على المضمون أيّ أن الصدر ورفاقه لم يبذلوا جهداً كي يستبدلوا مستبداً بآخر يشبهه في الممارسة والحكم بل كان ومن معه يحرصون على نقل التجربة البشرية الرائدة في الديمقراطية التي أكّدت نجاعة دورها ورجاحة كفها في ميزان السلطة اذ أنها الخيار الأفضل للشعوب الباحثة عن تحسين شروطها السياسية داخل الدولة .
لم يكن السيد موسى الصدر اسلامياً بالمعنى السياسي اذ أنه لم يكن ممن عملوا في تجربة الإسلام السياسي أو في الصيغ الضيقة ورفض الثورة التي تعيد انتاج الهيمنة بصيغة جديدة لذا اعتبر الليبرالية فضاءً أوسع لإيران الجديدة والأكثر محاكاة لواقع الدول المتقدمة وهذا ما جعل واستدعى الآخرين ممن يميلون كل الميل الى التجربة الاسلامية والنموذج الالهي بطبعته الشيعية الى تشويه الصورة الدينية للسيد موسى الصدر واتهامه بالارتباط المشبوه مع النظام الايراني تارة ومع الغرب تارة أخرى وتمّ تشويه صور الآخرين ممن كانوا مع الإمام الصدر في نضالهم الوطني تحت راية غير مذهبية وغير دينية وقد نال الدكتور علي شريعتي النصيب الأكبر من التهم الجاهزة والفتاوى المُكفرة و القائمة ضدّ أهل العلم .
لذا تعاطى متدينو السبعينيّات من اللبنانيين مع السيد موسى الصدر بطريقة سلبية حرصت على بناء عداوة معه كونه مريب في دوره لتعدد علاقاته مع النخب السلطوية المرتبطة بقوى الشر والشيطنة الغربية اضافة الى طرحه العلماني لأنه لم يتبن الحل الاسلامي لا في ايران ولا في لبنان وكان أبرز من هجم وشوه مشروع السيد الصدر كل الملتزمين بخطوط الثورة الاسلامية والمقتدين بالفقيه كحاكم نائب للمعصوم .
من الواضح افتراق حركة السيد موسى عن حركة الفقيه وهذا ما أسّس في ما بعد الى تباعد عملي بين الثورة الإيرانية بمشروعها الاسلامي المذهبي وبين السيد وقد استمر هذا التباعد الى ما بعد إخفاء الامام من خلال حركته حركة أمل التي تعاطت مع الثورة ولكنها لم تتبناها وبقيت ملتزمة بأهداف موسى الصدر رغم ما دار بينهما من صراعات عنيفة خرجت على آثرها حركة أمل لتعلن رفضها للخضوع أو الخنوع لأي مشروع سيطرة على الطائفة الشيعية وكان الإمام شمس الدين أحد أكبر المدافعين عن بُعد أمل والشيعة عن أي دور يجعل من الطائفة حالة خاصة معطلة لقيام الدولة .
إن تعاطي الاسلام السياسي الشيعي مع السيد الصدر السلبي والمشوه للحقائق كان قبل جريمة الاختفاء وبعدها من ايران الى العراق وصولاً الى لبنان وهذا نتيجة اختلاف السيّد في رأيه المتنور مع الآراء المتشددة ولهذا لم يهتم آباء هذه الآراء كثيراً بموضوع جريمة معمر القذافي بحق الإمام الصدر واكتفوا بمواقف خجولة مسايرة لواقع اتسع أكثر لحركة الإمام الصدر بعد غيابه وبتصريحات أنعشت قلب القاتل لدور تبين بعد سنوات عجاف استحالت موته لأنه يستمد حيويته من الشعب والواقع لا من مصدر آخر .