فصل جديد من قصة «إبريق الزيت» بين التيار الوطني الحر وحكومة تمام سلام يُكتب هذه الأيام. بعد مرور قرابة السنة على تظاهرات «التيار» الشعبية، التي انطلقت رفضاً للتمديد لقائد الجيش جان قهوجي، يعود العونيون إلى التهديد بقلب الطاولة إذا لم يُحترم رأيهم.

هو «حرد» لم يرقَ بعد إلى مستوى «الثورة»، لأسباب عدة. الأول، التجربة الشعبية السابقة التي لم تؤدِّ إلى النتائج المرجوة. فخصوم التيار لن يتنازلوا له، مهما كان حجم التحرك الشعبي. الثاني، هو تأكيد «التيار» على لسان نائبه ابراهيم كنعان خلال مقابلة تلفزيونية أمس «أننا لن نستقيل طالما هناك إمكانية لدفع المخطئين للعودة عن خطئهم». أما الثالث، فعدم تمكن «التيار» من تشكيل جبهة «مسيحية ــ مسيحية» تُعطي لتحركاته «شرعية» أكبر. وفيما أكّدت مصادر مطلعة على مضمون الاتصالات بين الرابية ومعراب توجه الفريقين إلى عقد خلوة لبحث الخيارات المتاحة أمامهما، نفت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح الأمر. لكن القوات، بشخص رئيسها سمير جعجع، حريصة «على عدم توتير العلاقة بينها وبين قيادة الجيش من أجل مطلب لن يتحقق (تعيين بديل لقهوجي)»، كما تقول مصادر رفيعة المستوى في «التيار». هذا الكلام سمعه كنعان في آخر زيارة له لمعراب، وتشير المصادر إلى أن «جعجع طلب من الموفد العوني عدم إحراجه في أمرين: النزول إلى الشارع، والمطالبة بتعيين قائد جديد للجيش».
«تهديدات» التيار الوطني الحر «فرملت» عمل مجلس الوزراء أمس، بيد أنها لم تنجح في منع عقد الجلسة. القوى «الصامدة» في حكومة سلام، حزب الله وحركة أمل على وجه التحديد، تُصر على عدم انتقال عدوى الفراغ إلى الرئاسة الثالثة. لذلك، أتى غياب وزراء التيار والطاشناق أمس «عادياً». هكذا عبرت مصادر وزارية عدّة، لا تعتبر أن لـ«تمرّد» التيار العوني أي أُفق.

 


لا يبدو رجال العماد ميشال عون مقتنعين تماماً بهذه النظرية. مصادرهم تنعى الحكومة التي «أطلقت على نفسها رصاصة الرحمة وأصبحت عاطلة عن العمل، غير قادرة على اتخاذ أي قرار له معنى». يعوّلون على موقف حزب الله الذي «سلّف سلام وفريقه السياسي موقفاً. فهو وقف أمس ضد تعطيل الحكومة. لكنه أصر على عدم مناقشة بنود جدول الأعمال أو اتخاذ القرارات». وتسأل المصادر: «هل سيقبل حزب الله في الجلسة المقبلة أن تُتخذ أيضاً قرارات من دون أن يُناقشها؟ وهل ستُكمل الحكومة عملها بشكل عادي في هذه الحالة؟». مصادر 8 آذار ترد بالتأكيد أنّ «السقف السياسي لحزب الله أن تبقى الحكومة قائمة. هذا جزء من موقف الحزب السياسي وليس سلفة لأحد». وفي هذا الإطار، برز موقف كتلة الوفاء للمقاومة التي أعلنت توقّفها عند «الموقف الاحتجاجي والتحذيري الذي أعلنه تكتل التغيير والاصلاح والذي ينذر بتداعيات متدحرجة ينبغي تداركها بسرعة، على المستوى الوطني العام والعمل بمسؤولية وجدية لمعالجة أسبابها. وفي هذا المجال، تدعو الكتلة كل مكونات الحكومة، الى التنبه لأخطار التهميش لمكون أساسي في البلاد، لا يمكن أن تنهض أو تستقر الحياة السياسية من دون مشاركته».
التيار العوني لم يُطلق فقط رصاصة الرحمة على الحكومة، بل قرّر رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل أن يحل «اللعنات» على «كل من يحاول اقتلاعنا من مجلس الوزراء بعقد جلسة غير ميثاقية. وكل من يحاول اقتلاعنا من مجلس النواب بقانون انتخاب غير ميثاقي. وكل من يحاول اقتلاعنا من رئاسة الجمهورية للإتيان برئيس غير ميثاقي. وكل من يحاول اقتلاعنا من أرضنا». كلام باسيل أتى خلال عشاء لقطاع الانتشار، اعتبر فيه أنّه «ممنوع صدور أي مرسوم لا نوقّع عليه مهما كان موضوعه».
وكانت جلسة مجلس الوزراء قد افتُتحت صباح أمس بكلمة لسلام أكد فيها «عدم جواز تعطيل العمل الحكومي»، مشدداً على أنه «لا يُمكن أن نُكمل إذا استقالت الحكومة، في ظل شغور رئاسي وتعطيل للعمل التشريعي».
المتحدث الثاني في الجلسة كان الوزير محمد فنيش الذي أكد أن «حضور وزيري حزب الله دليل على تمسكنا بالحكومة وعدم جواز المس بها». وأعاد فنيش التوضيح أن حزب الله شارك في الجلسة، «ولكن نُطالب بأن تكون جلسة نقاش عام من دون اتخاذ أي قرارات»، في حين أن سلام أصر «على إقرار بنود روتينية ترتبط بحياة الناس». وتقول المصادر إنّه لم تتم مناقشة بنود خلافية، «فأرجئ النقاش في بند نقل الاعتمادات للأجهزة العسكرية كون التيار الوطني الحر كان يربطه بحل أزمة جهاز أمن الدولة».


ثم تحدث في الجلسة الوزير سجعان قزي الذي أسف لمبادرة وزراء من «التيار إلى المس بكرامتنا وبصفتنا التمثيلية». هذه النقطة أخذت حيزاً من النقاش بين الوزراء «الذين اعترضوا على القول بأنهم لا يُمثلون في الشارع المسيحي وبأن الحكومة غير ميثاقية». وخلال النقاش الذي دار حول «الكمية والنوعية»، دخل الوزير عبد المطلب حناوي على الخط، قائلاً إن «الرئيس ميشال سليمان أيضاً يُمثل». الرد «الساخر» أتاه من قزي الذي عقّب «نعم وإميل إده وبترو طراد أيضاً يُمثلان».
الوزير ميشال فرعون، الذي كان قد قبل المشاركة في الجلسة، انسحب منها بعد مشادة كلامية بينه وبين الوزير غازي زعتير على خلفية مناقشة بند تجزئة اعتمادات وزارة الأشغال، بحجة أن فرعون يُمانع مناقشة بنود أساسية. أحد «زملاء» فرعون يعتبر أن انسحاب الأخير من الجلسة «ضحك عالعالم»، كونه انسحب «بعد إقرار العديد من البنود»، الأمر الذي دفع قزي إلى «لطْشه» بأنه «مش بكرا الانتخابات بالأشرفية».
في اتصال مع «الأخبار»، يقول قزي إنّ الأزمة «يفتعلها التيار الوطني بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية». وهو «يُبشر» الرأي العام بأنّ «الأزمة مستمرة إلى حين حسم ملف التمديد لقائد الجيش وانعقاد جلسات الحوار الوطني بداية أيلول».
أما مصادر وزارية محسوبة على رئيس الحكومة فتقول إنه «إذا كان سيتم تعطيل عمل الحكومة بهذا الشكل، فمن الأفضل أن لا تكون هناك حكومة». وكشفت المصادر عن «وجود تنسيق بين وزراء سلام ووزراء اللقاء التشاوري، وبخاصة الوزير بطرس حرب»، الهدف منه أن «لا تكون الحكومة مطية بيد التيار الوطني الحر يُعطلها ساعة يشاء». وإذا قرر تكتل التغيير والإصلاح الانسحاب من الحكومة، «فهذا بحث آخر».
«الجلسة كانت عادية»، هكذا وصفت مصادر في فريق الثامن من آذار جلسة الحكومة، على اعتبار أنّ «التيار يقول إنه لا يريد الاستقالة. وطالما أنه لا انسحاب من الحكومة يعني أنه لا شيء جدي». تتفهم المصادر دوافع التيار العوني، «وتمت مراعاته بعدم مناقشة أمور جدلية، ولكن ليس من حقه أن يقول إنه يريد أن يعتكف في المنزل ويطلب منا أن لا نعمل».
ما لا تقوله مصادر 8 آذار، تتكفل به مصادر وزارية مُقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه «حين ينسحب وزراء التغيير والإصلاح من الحكومة، يبدأ البحث الجدي ونرى يومها من سيتضامن معهم، وإذا كان باستطاعة الحكومة أن تستمر أو تستقيل». وترى المصادر أن «حركة التيار من دون أفق... حتى حزب الله في الجلسة لم يُشارك في النقاش، لكنه لم يتحفظ على أي بند».