في موازاة الجهد الدولي لحلّ الأزمة السورية، والتحرّك الاميركي لمعالجة الأزمة اليمنية مُترافقاً مع دعوة أطلقَها وزير الخارجية جون كيري من جدة إثر لقائه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تأليف حكومة وحدة وطنية في اليمن تضمن لـ«الحوثيين» وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح المشاركةَ في السلطة، مقابل انسحابهم من المناطق التي يسيطرون عليها خصوصاً صنعاء، وتسليم أسلحتهم الثقيلة إلى طرف ثالث، واصَلت تركيا عملياتها العسكرية في سوريا ضد «داعش»، بعدما استعادت مدينة جرابلس منها، معلنةً البقاء هناك حتى يتمكّن «الجيش السوري الحر» من فرضِ سيطرته على الوضع، في وقتٍ بدأت «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا الانسحابَ إلى شرق الفرات. وفي هذه الأجواء، بدأ الرئيس سعد الحريري زيارةً لتركيا، التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم. وجدّد «تضامنَه مع تركيا وشعبها وديموقراطيتها في مواجهة محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة كما في مواجهة الهجمات الإرهابية التي تتعرّض لها». وجرى خلال اللقاءَين عرضُ التطوّرات في المنطقة وما يتعلق منها بالأزمة السورية خصوصاً وسُبل حماية لبنان من تداعياتها الخطيرة. كذلك تمّ عرض الجهود الجارية لوضع حدّ للشغور الرئاسي في لبنان «بصفته المدخلَ لانتظام عمل الدولة ومواجهة التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المتفاقمة». واستبقى أردوغان الحريري في تركيا إلى اليوم ليشاركه في افتتاح جسر السلطان ياووز سليم (سليم الأوّل) في اسطنبول والعشاء الرسمي الاحتفالي للمناسبة، إضافةً إلى لقاءات أخرى.
إذا كان مجلس الوزراء قد تجاوَز التعطيل بإصرار رئيس حكومته تمام سلام على انعقاد الجلسة، فإنّه وقعَ في رمال الميثاقية المتحرّكة والتي غنّى فيها كلّ فريق على ليلاه.

فجاءت جلسة مجلس الوزراء التي تمايَز فيها وزيرا «حزب الله» حسين الحاج حسن ومحمد فنيش بحضورهما عن حليفَيهما «التيار الوطني الحر» وحزب «الطاشناق»، بحسب ما اتّفق عليه خلال الاتصالات بين القيادات السياسية التي سبَقت الجلسة: أي اتّخاذ قرارات عادية وغير خلافية أو جدلية. لكنّ الجلسة فتَحت الباب مجدداً أمام التمثيل المسيحي الوازن وغير الوازن. وقد استحوَذ هذا الأمر على نقاش واسع وطويل داخل المجلس.

وعلمت «الجمهورية» أنّه وبعد مداخلة الحاج حسن وفنَيش حول أسباب حضورهما الجلسة وتمايزِهما عن الحلفاء، طلبَا عدمَ الدخول في نقاش أيّ بند في جدول الأعمال، وفتحَ حوار مع الوزراء المقاطعين لحلّ الأزمة.

لكنّ سلام ومعظم الوزراء لم يستجيبوا طلبَهما، وكذلك طلبَ الوزير ميشال فرعون الذي يصبّ في الإطار نفسه، مع فارق التمييز بين البنود العادية جداً وبين البنود التي اعتبرَها جدلية، فآثرَ فرعون الانسحاب عند طرح البند التاسع المتعلق بطلب وزارة الاشغال والنقل الموافقة على تنفيذ اشغال صيانة شبكة الطرق وتجزئتها بموجب استدراجات عروض وفقاً لأحكام المادة 123 من قانون المحاسبة العمومية وعلى اساس الآلية المعتمدة والتي تعتبر كلّ جزء صفقة مستقلة. وقال فرعون لدى خروجه إنّه انسحب انسجاماً مع موقفه «لأنّ هناك مواضيعَ تمّ الاتفاق على تأجيلها وهي تُبحث الآن».

وقالت مصادر سلام لـ«الجمهورية»: «لا يجوز أن نعطّل جلسات مجلس الوزراء كلّما رغبَ مكوّن من مكوّناتها بتسجيل موقف، والأجدر به أن يسعى الى إقناع الوزراء بمواقفه ليتبنّاها المجلس دستورياً وقانونياً.

فلكلّ قضية طريقة في مقاربتها والبتّ بها، ولا يمكن أحد الخروج بسهولة ولو بناءً على رغبة خاصة على ما يقول به الدستور والنظام الداخلي المعتمد لمجلس الوزراء، وهو ما تعارَفنا على تسميته «آليّة العمل» في اتّخاذ القرارات والتي لم نسجّل أيّ خروج عليها في جلسة الأمس وما قبلها وتلك التي تليها».

فنَيش

وقال فنَيش لـ«الجمهورية»: «حضورُنا هدفُه إظهار حرصِنا على عدم تعطيل الحكومة، وفي الوقت نفسه من أجل إقناع مجلس الوزراء بأن لا يذهب، نتيجة تداعيات الأزمة القائمة ومن ثمّ مقاطعة الوزراء، إلى مزيد من التصعيد والتأزيم».

وأضاف: «طلبنا تأجيلَ الجلسة، لكن لم يُستجب لطلبنا، فحضَرنا لأنه، على الأقلّ إذا انعقدت الجلسة، لا تتّخذ قرارات، ما يمكن ان يُفسّر بأنّه تجاهل لموقف مكوّن كبير وأساسي في السياسة والتمثيل، كذلك لم يُستجب هذا الطلب، لذلك لم نشارك في ايّ نقاش.

نحن حضَرنا لإثبات حرصِنا على استمرار الحكومة والقيام بمسعى لعدم اتّخاذ قرارات تؤدّي الى التصعيد. أمّا بالنسبة الى مشاركتنا في الجلسة المقبلة، فهذا الأمر يُدرس».

أبوفاعور

وقال الوزير وائل ابو فاعور لـ«الجمهورية»: «تفادى مجلس الوزراء اتّخاذ أيّ قرارات جدلية أو خلافية في انتظار عودة وزراء «التيار الوطني الحر» و«الطاشناق» الى المجلس.

والإيجابية التي حصلت في الجلسة انّ الكلّ اجمعَ على اعتبار انّ هناك ازمة ويجب معالجتها، لِما للغائبين من تمثيل وحيثية، سيكون لدينا متّسَع من الوقت خلال اسبوعين لنقاش الأزمة مع وزراء «التيار» للوصول الى تفاهم يفضي الى عودتهم، وهناك اكثر من طرف سيتولّى الاتصالات.

لم يكن في الجلسة ذهنية تحدٍّ عند أيّ من الوزراء، وخصوصاً عند الرئيس سلام، والجميع اعتبر انّ غيابهم يجب التوقف عنده ومعالجته، لذلك لم يتّخذ ايّ قرار يصطدم بـ»التيار الوطني الحر».

عريجي

وقال الوزير روني عريجي لـ«الجمهورية»: «الموضوع سياسي والأزمة سياسية وليست ميثاقية، ونحن كتيار «مردة» كنّا منفتحين على إيجاد مخرج لحلّ الأزمة ولكن عند قرار البحث في جدول الاعمال شارَكنا في مناقشة بنود ليست ذات اهمّية كبيرة. لا أحد يعلم ماذا سيحصل في الايام المقبلة، وما جرى هو تمرير لجلسة اليوم (أمس) فقط».

شبطيني لـ«الجمهورية»

وقالت الوزيرة آليس شبطيني لـ«الجمهورية»: «هناك فارق بين الوزير والنائب الذي يمثّل الشعب، وكلّ وزير له مركزه. لذلك اعتبرتُ أنّ الحضور يجب ان يكون نوعياً. ثم إنّ من افتعل عدم الميثاقية لا يحق له ان يأتي ويحدّثنا بالميثاقية.

فالميثاقية الأهم هي ميثاقية المؤسسات الثلاث: رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء. فهل يريدون الآن الحديث عن الميثاقية وهم يعطّلون آخر مؤسسة دستورية تعمل؟ ثمّ، ما هذا الحديث عن مسلمين ومسيحيين؟ هذا لا يجوز. أمّا عن التمثيل الشعبي، فالوزراء الثلاثة المتغيّبون لا يمثّلون الشعب لأنهم ليسوا نواباً.

هم لهم فقط وجود سياسي داخل الحكومة ولا مكان في الدستور يقول إنّ التكتّل الحزبي السياسي له وجود شعبي. الدستور تحدّث عن الطوائف، والميثاقية هي إشراك المسيحيين والمسلمين وليس الأحزاب. هم لهم وجود سياسي كبير، وأكيد لا أحد ينكره عليهم، لكن لا يغيب المسيحيون إذا غابوا».

درباس

وكانت للوزير رشيد درباس مداخلة خلال الجلسة فسأل: هل غياب الوزيرين اشرف ريفي ونهاد المشنوق، وهما من الصقور في تيار «المستقبل»، يُعتبر غياباً للطائفة السنّية داخل مجلس الوزراء؟». وقال: «أستغرب مفردات هذا القاموس الجديد لجهة اعتبار أنّ غياب الحزب يعني غيابَ الطائفة».

وبدوره الوزير سجعان قزي قال في مداخلته «إنّ غياب أيّ مكوّن عن الجلسة هو قرار سياسي»، وأضاف: «لا يجوز تعطيل عمل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مؤسسة مجلس الوزراء في هذه المرحلة الخطيرة، واعتبَر أنّ غياب «التيار الوطني الحر» مرتبط بموقفه الدائم حيال التعيينات العسكرية، وهو موقف سياسي يرَدّ عليه بالسياسة وليس بطرح الميثاقية». وأضاف: «صحيح أنّ «التيار» هو قوّة وازنة في الحياة العامة، وخصوصًا على الصعيد المسيحي ولكن هذا لا يلغي الصفة التمثيلية لغيره».

ودعا الوزير بطرس حرب إلى استقالة الحكومة وتحويلها حكومة تصريف أعمال. وقال عبر «تويتر»: «قرارنا أن نتعايش ونسَيّر أمور البلاد في انتظار انتخاب رئيس الجمهورية، لكنّ هناك فريقاً يعطل انتخابات رئاسة الجمهورية وهو ما يضرب ميثاقية السلطة»، مشيراً «إلى أنّ غياب حزب أو أكثر عن جلسات الحكومة يدعونا الى الحذر ولكنّه لا يعطل سلطة أو يشلّها وإلّا سيصبح مجلس الوزراء رهينة إرادة فريق أو آخر». وأضاف: «إذا كنّا لا نريد ممارسة صلاحياتنا كما تنصّ عليها الأصول الدستورية، أدعو إلى الاستقالة وتحويل الحكومة حكومة تصريف أعمال».

المشنوق

وفيما غاب وزير الداخلية نهاد المشنوق عن الجلسة، نفى مكتبه الاعلامي ان يكون قد ادلى بأيّ تصريح حولها، مُعلناً أنه «سيضع في تصرّف رئيس مجلس الوزراء فقط أسباب غيابه، وذلك عندما سيقابله».

باسيل

وليلاً، أعلن الرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «أنّ الحكومة مطعونٌ بها في القضاء، وممنوع صدور ايّ مرسوم لا يوقّعه «التيار» مهما كان موضوعه».

وقال باسيل خلال عشاء «قطاع الانتشار» في «التيار»: ملعون منّا كلّ من يحاول اقتلاعنا من مجلس الوزراء بعقدِ جلسة غير ميثاقية، والحكومة مطعون بها في القضاء والشارع، وملعون منّا كل من يحاول اقتلاعَنا من مجلس النواب بقانون انتخاب غير ميثاقي، وملعون منّا كلّ من يحاول اقتلاعَنا من رئاسة الجمهورية للإتيان برئيس غير ميثاقي، وملعون من الله كلّ مَن يحاول اقتلاعَنا من أرضنا، ومهمّتُنا أن نأتي باللبنانيين مهما كانت طائفتهم إلى أرض الرسالة لبنان، وهذه مشيئة إلهيّة».

«المستقبل»

في المقابل، عزَت مصادر في «المستقبل» عدمَ ردّ الحريري على الخطاب الاخير لنصرالله في بنت جبيل الى «عدم وجود شيء فيه يستدعي الرد».

وقالت لـ«الجمهورية»: «لقد اعلنَ أنّه منفتح؟ ماذا يعني ذلك؟ إذا كان يقصد انّه منفتح على ان يكون الرئيس الحريري رئيس حكومة فهو يربّح الحريري «جميلة مِن كيسو»، فليس نصرالله من يقرّر ان يكون الحريري رئيساً للحكومة أم لا، بل سعد الحريري هو من يقرّر إذا كان يريد ان يكون رئيس حكومة أم لا، ولا أحد آخر، وإذا كانوا يودّون ان يجرّبوا إدارة البلد برئيس حكومة آخر لا تمثيل له، فيستطيعون ذلك، وهم حاوَلوا في السابق ورأينا النتائج، فليحاولوا مجدداً إذا شاؤوا تكرار التجربة.

ثم إنّ نظرية انّ الحريري «مستقتل» ان يكون رئيس حكومة وأنّ كلّ حساباته وتصرفاته السياسية هي فقط لهذه الغاية، هي كلام في الهواء. فلقد أثبت الرجل عشرين مرّة انّ رئاسة الحكومة «آخِر همّو»، بل إنّ همّه الأول والأخير هو ان يبقى لبنان، وبالتالي هذا الموضوع غير مطروح، وهو لم يطلب موعداً من أحد ولم يطلب ضمانات من أحد».

قهوجي

وفي المواقف، أعلن قائد الجيش العماد جان قهوجي انّه ليس طامحاً لأيّ شيء بعد انتهاء ولايته «لأنّ لبنان في عهدة المؤسسة العسكرية التي بمقدار ما تحافظ الدولة عليها بمقدار ما تحافظ هي على الدولة». وأكد أنّه «على رغم كلّ ما يحصل، فإنّ الجيش مستمر في مهماته، وهو على أتمّ الجهوزية للتصدي لأيّ عمل ارهابي تخريبي».

وأشار الى انّ «القرار اتّخِذ بالقضاء على المجموعات الارهابية في مخيّم عين الحلوة، وتسليمُ المطلوبين أنفسَهم، ليس إلّا خطوة اولى»، وأوضح انّ «الهدف الاول كان تطويق المجموعات ومنعها من التخريب خارج المخيم»، كاشفاً عن إحباط كثير من المخططات، ولا سيّما منها التي كانت تستهدف المجمّعات التجارية والسياحية، لافتاً الى انّ «الوضع الامني كان خطراً جداً، إلاّ انّ الاوضاع اليوم تبدو اقلّ خطورة بَعد تسليم المطلوبين أنفسَهم»، وقال: «خيَّرنا الفلسطينيين، إمّا التعاون معنا وإمّا سيكون المخيم في دائرة الخطر، واستمراره على المحك».

وتحدّث قهوجي عن وجود مخطط إقامة إمارة إسلامية من الحدود الشرقية الى البحر شمالاً، معتبراً أنه «كلّما أبعدنا الارهابيين عن الحدود تراجَع خطر إقامة الإمارة». وأكد أنّ «الحسم في جرود عرسال سهلٌ إذا أقفِلت الحدود مع سوريا».