خرج الكل «منتصرا» من جلسة الحكومة. من حضر وشارك في مناقشة جدول الأعمال ومن اكتفى بمشاهدة العرض كوزيري «حزب الله» ومن انسحب كميشال فرعون ومن قاطع كوزراء «تكتل التغيير» بحجة اللاميثاقية. رئيس الحكومة استظل بفتوى رئيس المجلس الميثاقية. صار الاعتراض بالنسبة اليهما سياسيا. فتوى من شأنها أن تزيد تأزم العلاقة بين الرابية وعين التينة، ولن يسلم «تفاهم مار مخايل» من شظاياها، فيما يزداد «تفاهم معراب» رسوخا ليس بظرفيته، بل بمضمون الكلام السياسي المسيحي الآخذ بالتصاعد يوميا، على قاعدة «لكم لبنانكم.. ولنا لبناننا».
رئاسة الجمهورية. مجلس الوزراء. التعيينات العسكرية. قانون الانتخاب. مجلس الشيوخ. اللامركزية. كلها عناوين تدلل على أن الواقع المسيحي مأزوم. لا أحد ينكر ذلك، من المسلمين قبل المسيحيين، لكن لكل مقاربته للحل.. والخشية كل الخشية أن يؤدي استمرار هذا الواقع الى «الانقراض» على حد تعبير وليد جنبلاط.
بالنسبة الى العونيين، ما حصل هو من باب حفظ ماء وجه رئيس الحكومة لا أكثر، الأمر لن يتكرر، والقرارات التي اتخذت سنطعن بها مؤسساتيا وقضائيا وشعبيا.. «ومن يريد تجريبنا نقول له انظر الى مصير من سبقك.. هم السابّقون وأنتم اللاحقون»، على حد تعبير الوزير جبران باسيل.
الحكومة دخلت في إجازة. يؤكد العونيون أنّ الأزمة تخطت الحكومة «لأننا بتنا على عتبة أيام مصيرية ستشهدها المرحلة الممتدة بين الخامس والثامن من أيلول المقبل»، وهما الموعدان المحددان لهيئة الحوار وجلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
بنظرهم، اذا لم تتمكن القوى السياسية من التوافق على سلة تفاهمات فإنّ البلاد ستدخل في نفق دستوري لا يحمد عقباه. تضاؤل الفرصة الزمنية لانتاج قانون انتخابي «يعني حكماً اجراء الانتخابات وفق القانون القائم، أي قانون الستين، لأنّ التمديد صار من سابع المحرمات». وفق هذا السيناريو، فإنّ الحكومة ستصبح حكومة تصريف أعمال ولن يتمكن في المقابل مجلس النواب من انتخاب رئيس له ولا حتى من تسمية مكتبه، ما يعني بالنتيجة بلوغ الشلل الدستوري التام. يختم العونيون بالتأكيد أنّ الحكومة قضت على نفسها، وهناك من استعجل وقوع الأزمة وتقريب موعدها الحتمي.. في أيلول!
في المقابل، يتمسك رئيسا المجلس والحكومة باستمرار عمل مؤسسة مجلس الوزراء، خصوصا في ظل الفراغين الرئاسي والتشريعي. الرئيس تمام سلام، سيوجه الدعوة الى جلسة جديدة. يدرك أن الاعتراض العوني سياسي وهدفه قطع الطريق على فرص قائد الجيش العماد جان قهوجي. الرئيس نبيه بري لن يكون مفاجئا أن يهجم ويبادر حتى الى الدعوة الى جلسة تشريعية. ثمة استحقاقات لا يمكن الهروب منها وخصوصا تلك المتعلقة بتأمين اعتمادات مالية لرواتب موظفي القطاع العام، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية.
وبين هذا وذاك، يفضل النائب وليد جنبلاط في هذه المرحلة الابتعاد عن الأضواء، خصوصا بعد أن بلغته تقارير أمنية بالغة الخطورة من جهات مختلفة، لذلك، يفكر الرجل باجازة طويلة خارج لبنان.
أما سعد الحريري، فانه يحاول الهرب من مأزقه السياسي ـ المالي، عبر زيارات تذكيرية كتلك التي قادته، أمس، الى تركيا، وتضامن خلالها مع رجب طيب أردوغان، من دون أن يعطي اشارة رئاسية سلبية أو ايجابية واضحة لـ «الجنرال». الأخير وبرغم كل ما بلغه من أقرب حلفائه بأن «الفيتو» السعودي نهائي على ترشيحه، قرر أن لا يغادر مربع الرهان على موافقة سعودية وحريرية.. آتية بلا ريب!
وبين من ينتظر كلمة سر ايجابية، وبين من يجزم بالقول «قضي الأمر»، ثمة مفارقة تتصل بمواعيد سعد الحريري السعودية. ينتظر زعيم «المستقبل» قرارا سياسيا لا يمكن أن يتخذه الا الملك الفعلي محمد بن سلمان.
حتى الآن، كل المؤشرات الآتية من الديوان الملكي.. ضبابية، فأن يعلن الملك سلمان من المغرب عن وضع يد السلطات السعودية على «سعودي أوجيه»، هذا قرار كبير يضع الشركة أمام أحد احتمالين: اما تعويمها، واما اعلان إفلاسها، وهو احتمال وارد، خصوصا في ظل رأي سعودي وازن يعبر عنه وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، بأن استمرار وضع الشركة التي يعمل فيها عشرات آلاف الموظفين، على ما هو عليه الآن، بات يشكل تهديدا لأمن المملكة واستقرارها الاجتماعي، بالنظر الى ما ينتج عنه من تظاهرات وأعمال شغب وحرق مكاتب وسرقات.. وثمة مخاوف بأن تخرج الأمور عن السيطرة، اذا استمر تمنع الشركة عن دفع الرواتب.
ووفق التقديرات السعودية، بادرت المملكة، وبعد قرارها بوضع يدها على «سعودي أوجيه»، الى وضع دراسة سيصار الى الانتهاء منها قريبا، تتضمن كلفة دفع الرواتب والتعويضات لكل عمال الشركة، على أن تكون الخطوة التالية، تسهيل عودة من يريد مغادرة المملكة أو نقل كفالة من يود الاستمرار بالعمل في المملكة، بالتفاهم مع الوكيل الجديد..
وفور اقفال الملف الاجتماعي المتعلق بموظفي الشركة الذين يزيد عددهم عن خمسين ألفا، تبدأ مرحلة البحث في مصير الشركة، حيث تبقى كل الاحتمالات مطروحة، في ظل مناخ سلبي، عبرت عنه سلسلة مؤشرات، أبرزها استشعار الحريري بأن ثمة من ينقلب على الوعود التي كانت قد أعطيت له في الربيع الماضي.