تختزن رمال الصحراء، هذه الأيام، ناراً تحت الرماد، إثر التوتر الجديد للعلاقات الموريتانية المغربية، والذي تطوّر من إجراءات دبلوماسية مارست كل من الرباط ونواكشوط فيها تخفيضاً لتمثيله الدبلوماسي لدى الآخر. غير أن كلاً منهما بعث إلى الآخر رسائل لا تخطئها العين، ترجحت بين السلب والإيجاب، إلا أنّه، ومنذ الثالث عشر من أغسطس/ آب الجاري، بدأت المملكة المغربية بحشد قطاعاتٍ من قواتها العسكرية والأمنية على الحدود مع موريتانيا، معلنةً أنّها تمارس عملية تمشيطٍ لمحيط المركز الحدودي، "الكركرات"، ووضع حد للتجارة غير الشرعية التي تشهدها الحدود، غير أن مصادر موريتانية شبه رسمية اعتبرت أن دفع المغرب ألف جندي إلى المنطقة القريبة من حامية الكويرة العسكرية، التي تطالب بها المغرب موريتانيا، يعتبر تصعيداً للموقف العسكري، في المثلث المغربي الموريتاني الصحراوي، ما قد يدفع الموقف من تأزيم دبلوماسي إلى تصعيد عسكري، يختزن غضباً مغربياً على حضور موريتانيا في المحفل الإقليمي، تناغماً مع الموقف الجزائري، و(المصري- الإماراتي) وهو ما يعتبر تطاولاً، من النظام الموريتاني، على المملكة، وتشوّفاً لموقف اللاعب الإقليمي، أو (الوكيل المستأجر جزائرياً)، حسب ما يفهم من فحوى خطاب الإعلام المغربي. 
أفاد الإعلام الموريتاني بأنّ الجيش الموريتاني نقل بعض معداته، منها بطاريات صواريخ، من الحدود الجنوبية مع السنغال إلى حامية عسكرية في مدينة الشامي، شمال البلاد قرب الحدود مع المغرب، وأنّه يتجه إلى تكثيف الحشد العسكري في الشمال، تحسباً لأيّ تحوّل في الموقف المغربي، باتجاه استعادة بلدة الكويرة التي يتخذ منها الجيش الموريتاني قاعدة عسكرية له.
الجديد في العلاقات المغاربية أنّ ثمة مثلثاً للصراع السياسي، في المغرب العربي، برز بعدما أضحت المملكة المغربية تفسّر كلّ سلوك موريتاني، وسعي إلى الحضور الإقليمي في السياسة الدولية، بأنّه تصرّف تمارسه موريتانيا لصالح الجزائر، في إطار سياسة التنافس القاري بين البلدين الجارين، الشقيقين اللذين حرصت موريتانيا، في الماضي، على الوقوف موقف الحياد من صراعهما، المستحكم، خصوصاً فيما يتعلق بالصحراء الغربية.
قامت موريتانيا بأدوار، فيما يتعلق بقيادة الاتحاد الإفريقي، خلال العام 2014، ما أيقظ 
"أضحت المملكة المغربية تفسّر كلّ سلوك موريتاني وسعي إلى الحضور الإقليمي بأنّه لصالح الجزائر" الحساسية المفرطة للرباط منها، حيث اعتبرت أنّ موريتانيا باتت وكيلاً إقليمياً للجزائر التي فقدت المنافس في المنظمة الإفريقية، خصوصاً بعد رحيل معمر القذافي، حيث باتت الجزائر تسدّ الفراغ الذي تركه الرجل، مع أنه كان دائماً مصطفاً مع الجزائر، ضد المغرب، وداعماً لـ"القضية الصحراوية".
وما إن اعتذرت المغرب عن استضافة القمة العربية، حتى تقدّمت موريتانيا لاستضافتها، في ظرفٍ، عربي مضطرب، وكأنّ سرعة استجابة موريتانيا لاستضافة القمة شكلت نوعاً من الإحراج للموقف المغربي الذي اعتذر، ربما، في إطار مناورة لحمل المواقف العربية، على بذل جهد أكبر، خصوصاً، وقد جاء تسويغ الرفض المغربي بأنّ العاهل المغربي، يرفض أن يواجه العالم العربي، بقمة فارغة المحتوى، ساقطة المستوى، كما عبّر الإعلام، في المملكة، مسوغاً التمنّع المغربي.
شكلت موريتانيا، إذاً، نوعاً من الصداع للمغرب، في إطار الحضور في المحافل الإقليمية، وباتت تشكّل، من خلال تناغمها، مع توجهات الجزائر الإقليمية، "عضواً مشاكساً" مزعجاً، للخيارات المغربية، وهو الموقف الذي دفع المغرب إلى مراجعة موقفه في السياسة الإقليمية، من خلال العودة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد غياب استمر أكثر من 32 سنة، بعد أن كان عضواً مؤسساً في منظمة الوحدة الإفريقية، وكان انسحابه، بعد اعتراف المنظمة بجبهة بوليساريو عضواً في المنظمة.
في قمة المنظمة، أخيراً، في كيغالي، عادت المغرب بقوة إلى إفريقيا، وظهر ذلك، بشكل واضح، في حجم استجابة الأفارقة للملتمس الذي تقدّم به العاهل المغربي، لتعليق عضوية بوليساريو، والذي حظي، بدعم 28 من الدول الأعضاء، وعارضته 24 دولة، منها الجزائر وموريتانيا وتونس، وهو ما خلّف، استياءً مغربياً، من الموقف الموريتاني الذي يرفع شارة الحياد، وينشط إقليمياً ودولياً، في محاور مناصرة لـ"بوليساريو".
تضع التطوّرات الأخيرة، إذن، العلاقات الموريتانية المغربية، خصوصاً، على مفترق طرق جديد. وبالمستوى نفسه، تضيف تعقيداً جديداً للعلاقات المغاربية ككل، ذلك أنّ هذه التوترات وشبيهاتها توقف، منذ سنوات، مسار الاتحاد المغاربي، وتجعل الدول المغاربية كتلة صماء، أمام تحديات الواقع الإقليمي، وكذلك الدولي الآخذة في التعقيد.