في أحاديث الإعلاميين الموالين لحزب الله، يبدو وكأن وضعه كحزب عندهم لم يتغير بعد شنه عام 2012 الحرب على الشعب السوري، وتحوله من مقاوم لإسرائيل إلى مقاتل للعرب، فاقتحم أحد بلدانهم بأوامر صدرت إليه من جهة أجنبية، وانتهج منذ ذلك الحين سياسات معادية للسوريين، تناقض ما كان قد أبداه الحزب ذاته من تعاطف تجاه ثورتي تونس ومصر، المماثلتين لثورتهم.
كنا نضع أيدينا على قلوبنا قبل سنين؛ خشية أن تذهب خيارات الحزب في اتجاه خاطئ، بما أن النظام الأسدي كان قد أسهم في تأسيسه ثم تسليحه وتدريبه، وفتح أبوابه أمام حسن نصر الله، الذي اعتبر واحدا من الحلقة الضيقة حول الأسد الأب وبعده الابن.
وسبق له أن أشاد بهما في خطابات ألقاها عقب اغتيال الشيخ رفيق الحريري على متظاهرين حشدهم تضامنا مع بشار الأسد، قدم في إحداها بندقية حربية غنمها مقاتلوه من جندي إسرائيلي إلى رستم غزالة، مسؤول المخابرات السورية في لبنان، الذي كان محل كره أعمى لدى اللبنانيين عموما، بمن فيهم قسم كبير من شيعة الحزب.
لم يطل الأمر بنا، فقد حدث ما توقعه بعضنا، إذ تنكر الحزب لكل ما رفعه من شعارات وأبداه من إيجابية حيال الربيع العربي، وأرسل قواته لإنقاذ النظام الأسدي، بأمر شرعي من إيران، التي اعتبرت التخلي عنه خطرا مباشرا على نظامها، من غير الجائز القبول بحدوثه كرمى لشعارات هدفها الوحيد استغفال العرب وإخضاعهم لطهران، وإبقاء الشعب السوري مستكينا لنظامه ممتنعا عن الثورة عليه أو إسقاطه.
أعلن حسن نصر الله بحماسة عداءه لثورة الشعب السوري، وأرسل قواته مرة بحجة حماية زينب من السبي مرة أخرى، ومرة لمنع التكفيريين من اجتياح لبنان، وأخيرا، لحماية نظام الأسد الممانع من «مؤامرة أميركية / صهيونية» تستهدف إسقاطه. لم يسأل الرجل عن الجهة التي حمت زينب طيلة نيف وألف وأربعمائة عام لم يكن فيها شيء اسمه حزب الله، ولم يسأل عن الذي قد يحميها بعد سقوط النظام؟
وحول بكلمتين شعب سوريا إلى متآمر مع أميركا والصهيونية، مع أنه قاتلهما أكثر من أي طرف آخر، وثار على النظام لأسباب بينها إقدام الأسد الأب على تسليم هضبة الجولان إلى إسرائيل خلال مهزلة عام 1967؟ ولم يقل كيف تحول شعب بكامله لطالما حظي بمديحه بين يوم وليلة إلى تكفيريين يستحقون القتل: من درعا إلى دير الزور.
والآن، هل تؤهل هذه المسيرة حزب الله للإبقاء على لقبه السابق كـ«حزب مقاومة»، رغم أنه لم يقاوم في الأعوام العشرة الأخيرة غير ملايين السوريين.
ولم يمس قدم جندي إسرائيلي محتل، وشبع نسيانا لتلال كفر شوبا ومزارع شبعا والقرى السبع، ناهيك عن تحرير فلسطين؟ ودخل منذ عشرة أعوام في الزمن الجولاني/ الأسدي، زمن الكلمات التي تغني عن الأفعال، والاحتلال الذي يزال يتجاهله ويمنع المواطنين حتى من الحديث عنه؟
هل يستطيع حزب الله مقاومة إسرائيل حقا، إن كان هدفه الحالي يقتصر على الإمساك بلبنان، وخوض حرب بلا نهاية في سوريا، والعراق، واليمن، ونسف استقرار البحرين والكويت، ومساندة جيش إيران في المواقع التي اخترقتها، أو داخل إيران ذاتها، التي توشك أوضاعها على الانفجار كما يتوقع مراقبون كثيرون؟
سأفترض أن الحزب يريد حقا المقاومة، هل بقيت لديه القدرة على ممارستها، مثلما كان يفعل حين كان يواجه إسرائيل وحدها، أم أن المقاومة مجرد صفة لا علاقة لها بالواقع والإمكانيات والقدرات والمؤهلات، ثم، هل يظل المقاوم مقاوما، إن كان عاجزا حتى عن تغطية جبهة واحدة من الجبهات التي قاتل عليها بالقوات الضرورية لخوض حرب ناجحة؟
أخيرا، هناك في الصراع شيء اسمه «حفظ القدرات»، وهو مبدأ يلزم بتحاشي معارك لا تمكنك قدراتك من خوضها أو كسبها، وفي العادة، يحترم المقاومون الحقيقيون هذا المبدأ، ويحرصون على قاعدتهم الاجتماعية الموالية، أما أن يجندوها ويزجوا بها في مقاتل تمليها خيارات خاطئة، فهذا ليس من المقاومة ولا يستحق اسمها.
إنه اليوم جهة تعتدي على السوريين واليمنيين والعراقيين والكويتيين والبحرينيين واللبنانيين، والمعتدي لا يعد أو يسمى مقاوما، لأن الأصل في المقاومة محاربة الظلم والظالمين، وليس محاربة المظلومين وقتلهم بلا حساب.
أنهى تدخل حزب الله في سوريا وضعه كجهة مقاومة، وهو لن يستعيد هذا الوضع ما لم ينسحب من سوريا، ويرفض أن يبقى أداة بيد طهران تعتدي بواسطتها على العرب، ويحصر دوره بمقاومة الظالمين في تل أبيب وطهران وأي عاصمة للظلم.
البيان الإمارتية: ميشال كيلو