في ذكرى الشيخ بشير الجميل "الرئيس " الذي لم يحكم كونه جاء على ظهر الاحتلال الاسرائيلي للبنان في لحظة جنون من عظمة الطائفة "المستقوية " بالعدو لمصادرة الدولة من جديد لصالح مارونية صرفة غير مُطعمة بشرائح من طوائف أخرى بعد أن بلغ المشروع الماروني بانتخاب بشير الجميل رئيساً ذروة مجده .
قاتل بشير الجميل على خطوط التماس في شوارع الحرب الأهلية ورفعه قتاله الى رتبة عسكرية صادرت العمل العسكري والميداني لصالحه اذ أصبح المالك الفعلي للمقاتل المسيحي ولبندقية المقاومة اللبنانية ومن ثم اتجه نحو السياسة فصادرها ايضاً بعد أن سيطرت القوّات اللبنانية التي أسسها كذراع مسيحي ماروني لصالح الجبهة اللبنانية التي أخرجها من مسؤولياتها التنظيمية للتفرغ للعمل السياسي لا الحزبي وهو بذلك قد أخضع الجميع له اذ أصبح المسيطر على الواقع الميداني والعملي والتنظيمي وأمست الرموز المسيحية مجرد ديكور لمشروع مسيحي يتحكم به عن قرب وعن بعد المقاتل الشاب بشير الجميل .
صعد بشير الجميل الى الموقع الرئيس في الجبل الماروني وحسم معركة السيطرة الفردية لصالحه وبات الفرع الأول في الشجرة المارونية وكانت طاعة المسيحيين تأتيه طوعاً وكرهاً من القيادات المسيحية التي لم تجد أمامها سوى فرصة المبايعة للقائد الذي عمدته الطوائف المسيحية بدماء أبنائها لأنها وجدت فيه مباركة خاصة وقد اختصته بها البتول مريم .
سريعاً حسم الشيخ بشير الجميل معركة توحيد المسيحيين تحت شعار واحد وحزب واحد وقائد واحد وهذا الحسم جعله بنظر المسيحيين مسيحاً غير مسامح ومقاتل في خدمة الوجود المسيحي وقد نذروا له من الدعوات ما يكفي لبقائه على وجه الحياة الاّ أن المشيئة الالهية لم تستجب لصلوات الرهبان والكنائس والأديرة وصمت أذنه عن دعوات مسيحية كانت تظن بأن بشر بشارة مسيحية لا تموت .
لم يكن حضور بشير الجميل القوي فقط في الشارع المسيحي اذ أن هناك من اندفع وراء هذا الشاب " المبارك " من غير المسيحيين وخاصة أولئك المتضررون من المقاومة الفلسطينية وأحزاب الحركة الوطنية وقد جذبتهم شخصية بشير الاستثنائية ورنّة خطاباته في دعوات المواجهة للتوطين الفلسطيني ولقيام دولة متعافية من أدران الفساد وكادوا أن يبلغوا معه الحلم لولا الحسابات الخطئة لشخص تسرع في الوصول الى السلطة عن طريق الدبابة الاسرائيلية وهذا ما كلفه حياته وحياة مشروع بدأ مع موت بشر الجميل بالتراجع الى أن وصل الى ما هو عليه من بؤس سلطوي فقد انعدمت دينامية الحركة المسيحية والمارونية تحديداً وسيطرت زعامات أقرب الى مزاولة مهن التجارة في السوق السياسي ولا تملك مشروع ماروني ولا مسيحي ولا وطني بل مجرد هواجس سياسية وطموحات شخصية لملء المكان الشاغر من قبلها أو من قبل أحد أبنائها أو نسائها أو أصهرتها .
في كل سنة ينتظر المسيحيون قيامة مسيحهم السياسي وتأتي ذكرى بشير الجميل لتدغدغ بقايا أحلام حولتها الشخصيات المعروضة في الصالة المارونية الى كوابيس مقلقة . وفي كل سنة يصحو بشير الجميل من ركام التجربة المارونية كدلالة على انتحار غير مسبوق من قبل كتلة غير محايدة وتسعى باستمرار الى تعزيز دورها المفقود بنزعة متطرفة مقابلة للنزعة الاسلامية المسيطرة على المرحلة التاريخية للمنطقة لذا تصطف في صف التطرف الذي لا يؤدي الاّ الى الهاوية.
يبدو أن سقوط تجربة بشير الجميل في المقاومة اللبنانية مرشحة للتكرار في مقاومة أخرى لأنها تحمل في أحشائها الكثير من الأشياء المشتركة رغم ما فيها من اختلاف في الشكل لا في المضمون .