بقدر ما شكلت التنظيمات الإرهابية والتكفيرية من ويلات ومصائب واخطار على الإسلام والمسلمين وعلى العرب في كافة اقطارهم، فقد كان لها منافع ومردود ايجابي استفادت منه المنظومة الدولية والإقليمية التي تعبث في بلاد العروبة قتلا وتدميرا وتهجيرا وفتكا بالمجتمعات العربية واشعالا للحروب الأهلية فيها وإثارة للنعرات الطائفية والمذهبية والقومية واستنزاف مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية وضرب البنى التحتية.
حيث وجدت في هذه الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية داعش وجبهة النصرة وغيرهما ضالتها المنشودة فاستخدمتها كذريعة مثالية للتدخل أكثر في شؤون الدول العربية، إذ أنه وتحت شعار محاربة الإرهاب فإنها أعطت لنفسها حق الانخراط في صراعات وأزمات ومشاكل هذه الدول، الأمر الذي يتيح لها المزيد من الهيمنة والسيطرة وتشديد القبضة على البلاد العربية بغية التوصل إلى التحكم بقراراتها السياسية ورسم ملامح مستقبلها وتحديد مصير شعوبها بسبب ضعف النظام العربي وصراعات مكوناته في ما بينها.
وتنظيم داعش الذي طال ارهابه أغلب دول العالم ووصلت جرائمه إلى ما وراء المحيطات والبحار لتصل إلى الاراضي الأميركية مرورا بأوروبا، إلا أن انطلاقته كانت في المنطقة العربية وخصوصا في العراق وسوريا حيث اقتطع مساحة جغرافية في المنطقة الحدودية لكلا الدولتين واعلنها دولة الخلافة الإسلامية وتغلغلت عناصره في البيئة ذات الأغلبية السنية التي تعيش في هذه المناطق منذ مئات السنين وفرض أفكاره التكفيرية وايديولوجيته الملتبسة على السكان بقوة القتل والذبح والتعذيب مستخدما اكثر الأساليب اجراما وبشاعة بعد أن ألغى الأنظمة والعادات والتقاليد المعمول بها والسائدة بين الناس والموروثة من الأزمنة الغابرة، فتحت عنوان محاربة الإرهاب فإن حربا عالمية تشن على المناطق التي استولت عليها هذه الجماعات الإرهابية والتي اتخذت من السكان المحليين متاريس للاختباء خلفها.
وفي تطور جديد وغض نظر دولي وتشجيع إقليمي، فقد شاركت روسيا في هذه الحرب وحولت الأراضي السورية وخصوصا في منطقة حلب ومحيطها إلى حقل تجارب لأسلحتها مع كل ما يتسبب ذلك من استهداف للسكان المدنيين الذين يدفعون الثمن الأكبر من أرواحهم وممتلكاتهم وأمنهم، وكانت الولايات المتحدة الأميركية أنجزت نفس المهمة في العراق وتسبب ذلك بتدميره وتعطيل مؤسساته وضرب المجتمع فيه بعد إثارة الفتن الطائفية والمذهبية وتقسيمه وتكريس النزاعات بين شيعي وسني وكردي وعربي.
واللافت أن هناك بوادر لإنشاء حلف سري يضم إيران وتركيا وإسرائيل بالمشاركة مع روسيا وبتغطية أميركية لمحاربة داعش، إلا انه وفي التطورات العسكرية الميدانية فإن الضحية هم أهل سوريا وأهل العراق وأهل اليمن لأن تنظيم داعش تغلغل بين السكان واستولى على مدنهم وقراهم وتحكم بحياتهم وفرض قيوده عليهم فباتت الحرب على داعش حربا على السكان وتحولت إلى إبادة جماعية عليهم وتهجيرا لهم من أماكن سكنهم وتطورت مهمة التحالف من حرب على الإرهاب إلى إرهاب يمارس على شعوب المنطقة مع تواطوء السلطة المركزية في كل بلد مع هذا الحلف.
وما يثير الهواجس أنه وبعد أكثر من ثلاث سنوات على إنشاء تحالف ضم أكثر من خمسين دولة اجنبية وعربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة الإرهاب فانه لم يتمكن حتى اليوم من إنجاز مهمته بالتخلص من داعش.
وفي ذلك دلالة واضحة على أنه لا نية حقيقية للقضاء على تنظيم داعش. وإنما هي ذريعة للسيطرة على المنطقة العربية والهدف هو تنافس دولي واقليمي لرسم معالم شرق أوسط جديد مع غياب العرب عن دورهم في تحديد مصيرهم. رغم أن أرضهم تحولت إلى مسرح للنزاعات والصراعات والتسويات..