تتصدّر أزمة اليمن مباحثات خليجية أميركية بريطانية، تستضيفها مدينة جدة السعودية، الأربعاء والخميس، يقول مراقبون وخبراء إن مخرجاتها ستحدّد ملامح المرحلة المقبلة في ما يتعلّق بالمشهد اليمني وأيضا السوري والحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية؛ كما ستكون بمثابة مؤطّر جديد للعلاقات الخليجية/السعودية الأميركية والبريطانية، وستتوضح خلالها الخطوط الرئيسية لمستقبل هذه العلاقات، خصوصا في بعديها السعودي والأميركي.
وأضاف الخبراء أن الملف اليمني سيكون على رأس اللقاء الرباعي، الذي يجمع وزراء خارجية دول الخليج العربي ووزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره البريطاني، بوريس جونسون، ومبعوث الأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، لكن أيضا ستكون هناك نقاط أخرى مثيرة للاهتمام، فعلاقة واشنطن تزداد توترا بالرياض، خصوصا بعد سحبها لعدد من مستشاريها العسكريين لدى التحالف الذي تقوده السعودية منذ مارس العام الماضي في اليمن.

ولا تبدو الأسباب الأميركية خلف انسحاب المستشارين واضحة، لكن المتحدث باسم البحرية الأميركية في دولة البحرين اللفتنانت إيان ماكونهي، أشار إلى أن هذا القرار يأتي بعد هدوء في الغارات الجوية في اليمن مطلع العام الجاري.

ورغم ذلك قال كريس شيرويد، المتحدث باسم البنتاغون، إن “التغيير لن يقلص الالتزام الأميركي تجاه دعم العمليات العسكرية التي تقودها السعودية”، وأضاف قائلا “فريق خلية الدعم الذي كان في السعودية يتمركز الآن في البحرين”، وتابع أن طائرات التزود بالوقود الأميركية لا تزال تمد الطائرات السعودية بالوقود. ويبدو أن الجانب السعودي تعود على مثل هذه التصرفات من الجانب الأميركي، التي يعتبرها بعض المراقبين تخليا واضحا عن حليفها التقليدي في المنطقة، لصالح توازنات ورؤى جديدة للمنطقة. وقد قلل اللواء أحمد عسيري، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية، من أهمية مثل هذا الإجراء الأميركي، مؤكدا عمق العلاقات الاستراتيجية، وأن الإجراء يتصل بأمر “على المستوى التخطيطي”.


واشنطن لم تعد الحليف الوحيد

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان لها، أن جون كيري سيتوجه إلى جدة للقاء المسؤولين السعوديين ونظرائه الخليجيين ونظيره البريطاني والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حيث سيتم التباحث بشأن تطورات الوضع في اليمن وسبل تحقيق السلام والاستقرار، وأيضا الوضع في سوريا وسبل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

العلاقة بين الرياض وواشنطن أثبتت أن التعاون بينهما مثمر، لكن ذلك لا يعني أن تقوم السعودية بإنجاز ما تريده أميركا
وتأتي الاجتماعات الخليجية الأميركية-البريطانية، التي سبقتها اجتماعات مماثلة في لندن في يوليو الماضي، في أعقاب مجموعة اجتماعات سعودية روسية انعقدت أيضا في مدينة جدة لمناقشة التطورات في اليمن؛ حيث ذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد السعودي، اجتمع، في قصر السلام بمدينة جدة، مساء الأحد، مع مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف.

وجاء اللقاء بعد ساعات من استقبال وزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير، في مكتبه بجدة، بوغدانوف، حيث جرت خلال اللقاء مناقشة عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.

وفي وقت سابق، عقد المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، جلسة مباحثات مع بوغدانوف في جدة، تناولت الملف اليمني وفرص تحقيق السلام مع تصاعد القتال وفشل مشاورات الكويت بعد جدل دام 90 يوما انتهى بعدم التوصل إلى حل سياسي للأزمة في البلاد؛ وينتظر أن يكون اجتماع الرباعية، التي يتفق أعضاؤها على أن جماعة الحوثيين، هي المتسبب الرئيسي في تعقيد الأزمة، أكثر حسما في صياغة الحل والحرص على تطبيق القرارات الدولية.

ويؤكد مراقبون أن سلسلة الحراك الذي تشهده الدبلوماسية السعودية، تعكس رغبة الرياض الأكيدة في حل الملف اليمني عبر فتح قنوات التواصل مع مختلف الأطراف والجهات، وعدم الارتهان لسياسات الحلفاء التقليديين، وخصوصا الولايات المتحدة، التي شكّلت السنوات القليلة الماضية نقطة تحول في علاقاتها الوثيقة مع السعودية، التي قررت مراجعة سياساتها الخارجية وعقيدتها الدفاعية، واليمن أبرز مثال على هذا التحول.

ويشير تقرير حديث لمجموعة الشرق الاستشارية “ميدل ايست بريفينغ”، ومقرها واشنطن، إلى أن هناك ثلاث لحظات فارقة أثرت في العلاقة السعودية الأميركية هي الربيع العربي، وصعود الإسلام السياسي والإرهاب، والاتفاق النووي الإيراني. وفي اللحظات الثلاث، اتخذت الرياض وواشنطن مسارات متباينة.

سلسلة الحراك الذي تشهده الدبلوماسية السعودية، تعكس رغبة الرياض الأكيدة في حل الملف اليمني عبر فتح قنوات التواصل مع مختلف الأطراف والجهات
وهنا تتساءل مجموعة الشرق الاستشارية هل هناك أسباب هيكلية في المسار المستقبلي بين البلدين تحددها مصالحهما ووجهات النظر، يمكن أن تؤدي إلى إنهاء التوتر بينهما؟ وهل هذا التوتر مجرد خلل ناجم عن الآراء والسياسات الذاتية لكلا البلدين؟ وإلى أين يتجه هذا التحالف القديم؟


استيعاب الخلافات

يبدو جليا أن الإجابة على هذه التساؤلات سوف تتشكل تحت ضربات مطارق الأحداث على الأرض حيث يتم بناء العلاقات الجديدة وفقا للتحركات والاختلافات في وجهات النظر الإقليمية والبحث عن إيجاد أساس لتقديم تنازلات، والتي ستكشف لقاءات كيري بالمسؤولين السعوديين مدى جدة استعداد الطرفين لتقديمها.

يقول الباحث الأميركي، غريغوري غوز، إن العلاقة بين الرياض وواشنطن أثبتت أن التعاون بينهما مثمر في مجالات عديدة، لكن ذلك لا يعني أن تقوم المملكة العربية السعودية بعمل كل ما تريد الولايات المتحدة؛ لذلك، ترى مجموعة الشرق الاستشارية أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تحدد بوضوح أين تقف، وليس محاولة الحصول على كعكة وأكلها فحسب. ولا تقل القدرة على التنبؤ في العلاقات الدولية أهمية عن الثقة. فكيف يمكن التنبؤ بمسارات بلد لا يحظى بالثقة؟ بالإضافة إلى ذلك، تحدث التغيرات في أي بلد وفقا لإجراءات القوى الأصلية فيه وليس وفقا لتمنيات في واشنطن أو في أي مكان آخر.

المطلوب الآن، على وجه الاستعجال، هو أن تحدد الولايات المتحدة لحلفائها في الشرق الأوسط، وبأوضح العبارات الممكنة، أين تقف في ما يتعلق بالعديد من القضايا الإقليمية الملحة. وفي حالة المملكة العربية السعودية، أخذت الرياض حصتها من خطوات رد الفعل، بل والأخطاء في بعض الأحيان. يجب أن يبدأ حوار صريح بين الجانبين بمجرد وصول الإدارة الجديدة إلى السلطة في واشنطن.

ويجب أن يوضح هذا الحوار الموقف الدقيق للإدارة الجديدة في المسائل الإقليمية الملحة لأنها موجودة حاليا وقد تتطور. وليس هناك مجال للخداع أو الكلام المزدوج بين الحلفاء بل ينبغي وضع حدود للاختلافات والتقارب. ولا يعني التحالف دائما وجود وجهات نظر متطابقة، بل هو آلية لإدارة الخلافات بطريقة لا تسبب ضـررا على المصالح الرئيسية لأي طرف.