يوم زار رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون معراب لتوقيع ورقة إعلان النيات مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وقعت صورة الزعيميْن كارثة في بكفيا.
في 18 أيلول عام 1988، يوم كان الرئيس أمين الجميّل في دمشق يحاول طرح التمديد لنفسه كحلٍ وحيد لعدم شغور الرئاسة الأولى، اجتمع الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون في وزارة الدفاع في اليرزة ورفضا أي تمديد وأي مسعى قد يقوم به الرئيس الجميّل في سوريا.
كان الرئيس أمين الجميّل مجتمعاً بالرئيس السوري حافظ الأسد حين دخل أحد الموظفين مسلّماً الرئيس الأسد ورقة صغيرة كُتب عليها «جعجع يجتمع بعون في وزارة الدفاع باليرزة».
بدا الرئيس الجميّل عندها غير ممسك بزمام الأمور في المنطقة الشرقية، انتهى الإجتماع عند هذا الحد، عاد الرئيس الجميّل أدراجه ولم يجد غير حكومة عسكرية يسلّمها صلاحيات الرئاسة.
وفي الثالث من شهر تشرين الأول، أي بعد عشرة أيام، نفّذت القوى العسكرية في القوات اللبنانية بمباركة من العماد عون - رئيس الحكومة يومها - عملية عسكرية في منطقة المتن الشمالي، رافقها تهديد للرئيس أمين الجميّل أدّى إلى نفيه اثنتيْ عشرة سنة خارج لبنان وخسارته حزبه وأنصاره الذين التحق جُلّهم بزعامة ميشال المر في المتن.
تذكّر رئيس الحزب الحالي النائب سامي الجميّل يوم شاهد صورة الزعيميْن أيام النفي، يوم اضطرّ إلى البقاء في باريس إلى جانب والده، تذكّر كل الملفات التي فُتحت أو تحدّث الإعلام عنها مثل ملف الـpuma، تذكّر كيف انتُزع «حزب الكتائب» من العائلة ليتبوأ رئاسته أشخاص من عائلات «متواضعة نسبياً» مثل جورج سعادة، منير الحاج وكريم بقرادوني.
قرّر أنه لن يجعل التاريخ يعيد نفسه ولو استعان بـ«الشيطان».

ـ سامي يعود إلى سياسة بقرادوني ـ

في مكان غير بعيد عن بكفيا وفي عين التينة تحديداً، عُقد لقاء برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري بين دولة الرئيس ميشال المر ورئيس «الحزب السوري القومي الإجتماعي» أسعد حردان، وفي رأس الرجليْن أي المر وحردان نفس الهاجس: الخوف على المصير في ظل التحالف العوني القواتي.
ذُلّلت بعض الإختلافات بين المر وحردان وبدأت الإتصالات بينهما خصوصاً مع اقتراب الإنتخابات البلدية.
هنا، همس المر في أذن حردان عن فكرة الإتصال بسامي، وافق حردان على الفور وهو الذي لا عُقد عنده في السياسة.
كان الهاجس الأهم هل سيوافق سامي الجميّل على الإتصال والتواصل مع «الحزب السوري القومي الإجتماعي»؟
الرئيس سامي الجميّل لا يترك مناسبة إلا ويهاجم الحزب القومي متّهماً إياه بقتل الرئيس بشير الجميّل، بشير ذاك الرمز الذي يطيب للمحيطين بسامي تشبيهه به. بشير، ذاك العنوان الذي ما يزال بعد أربعة وثلاثين عاماً يجتذب الشارع المسيحي، وسامي يعتبر نفسه الوريث الشرعي لبشير، والمستحق بنظره لهذه الوراثة أكثر من ابن بشير نديم الذي احتفل بكل براءة بذكرى انتخاب والده رئيساً للجمهورية.
لكن بالطبع، تهديد ورقة النوايا أكبر بكثير من كل عبارات الوفاء لبشير!
وبالفعل، جرت الإتصالات وفُتح التواصل بين سامي الجميّل وأسعد حردان على قاعدة التحالف التدريجي
أعطى رئيس حزب الكتائب أوامره بالتحالف مع القومي الإجتماعي حيث يمكن ذلك دون أضرار بليغة، وهو يهيّئ نفسه لخوض معركة المتن متحالفاً مع المر والقومي وربما الطشناق، فالأولوية عنده هي انتخابات المتن الشمالي.
لم يلتقِ الحزب «السوري القومي الإجتماعي» مع حزب «الكتائب اللبنانية» إلا لفترة محدودة في العام 1958 إبان الثورة أواخر عهد الرئيس كميل شمعون، ولم يكن القومي يومها متّهماً بقتل الرئيس الشهيد بشير الجميّل.
المفاجأة الكبرى أنهما يلتقيان اليوم ويتحالفان في وجه التحالف العوني القواتي ولكن هل سيتقبّل الكتائبيّون تحالفهم مع الحزب القومي؟ هل سيتناسون المطالبة بمحاكمة قتلة بشير؟ هل سيتراجعون عن عقيدتهم اللبنانية الصرفة المعادية لعقيدة الحزب القومي السوري الإجتماعي؟ هل سيعتذر رئيس الحزب سامي ممّن نسب إليه تُهم التقارب مع أحزاب يعتبرها معادية وفصله من الحزب لهذا السبب؟ والسؤال الأبرز والأهم: هل سيتذرّع سامي مرّة جديدة بحجّة مفادها أنّ التحالفات الإنتخابية لا علاقة لها بالتحالفات السياسية؟
يبدو أن سياسة الرئيسيْن السابقيْن لـ«حزب الكتائب» جورج سعادة وكريم بقرادوني في الزمن السوري هي الأنجح للرئيس الحالي.