قبل بدء أيام عاشوراء سنة 2015 بأيام، حضرت كلمة ألقاها أمين عام حزب الله "الحالي" السيد حسن نصر الله .
ألقى كلمته من خلال بث تلفزيوني مغلق لعدة تجمعات علمائية في عدة مناطق لبنانية، وأنا حضرتها في إحدى القاعات في مدينة النبطية الجنوبية . تحدث السيد نصر الله عن المعركة مع التكفيريين وظروفها، وقال "بضرس قاطع"، أقول : بضرس قاطع، أن داعش ليس لها أي علاقة بالأمريكيين ولا علاقة للأمريكيين بنشوءها لا من قريب ولا من بعيد على الإطلاق، على الإطلاق، وأن داعش هي وليد "مستقل" للفكر السلفي الوهابي، وأن جل ما تفعله أمريكا هو "الإستفادة" من وجود داعش وتوجيه حركتها العسكرية من خلال غارات جوية تقفل عليها طريقا لتتوجه إلى طريق آخر يناسب الأمريكيين .
كرر نصر الله ذلك في ذلك اللقاء وأكده، جازما قاطعا بأن أمريكا لا شأن لها "بتاتا" بإيجاد هذه المنظمة (داعش) !!
أشهر قليلة، وإذا بنصر الله "البصير الحكيم" يتوجه باللوم الشديد -الذي يصل إلى حد الإستهزاء- إلى كل من لا يقول أن داعش صنيعة أمريكية، طالبا "بشدة" من الناس والباحثين والسياسيين أن يراجعوا تصريحات "هيلاري كلينتون" والصحافي الأمريكي "ويسلي كلارك" وما يقولونه عن من أنشأ داعش وأنها من صنع المخابرات الأمريكية إلخ ..
لم يكن حضوري لهذا اللقاء نتيجة قناعة مني بفائدة مرجوة مما يقوله، فأنا أعرف معدن تفكيره ورؤيته السطحية للأمور جيدا، وبعيدا عن بروباغندا الغرف الإعلامية الدعائية التي صورته بأنه وحيد دهره وفريد عصره . إنما حضرت ﻷستمر بربط الأحداث التي أقرأها كما هي لا كما يراد لنا أن نقرأها . فهذه الألاعيب السحرية لا تمر على واحد مثلي .
ماهي السياسات التي اعتمدها نصر الله ومجموعته الحاكمة "حاليا" في حزب الله بناء على اعتقاده "الأول" بأن داعش ليست صنيعة أمريكية كما بات يردد اليوم و"يذم" كل من لا يعتقد بذلك، وما هي السياسة التي يعتمدها اليوم بناء على "بصيرته" المستحدثة والتي بات من خلالها يؤمن بأن داعش صناعة أمريكية ويلوم ذاما كل من لا يعتقد بذلك ؟!!
فماذا ترتب على قناعته الأولى من سياسات علاقاتية وعسكرية، وماذا سيترتب حاليا على هذه "البصيرة" الجديدة ؟!!
مثلا، عندما كانت داعش ببصيرته الأولى ليست صناعة أمريكية، وعندما كانت أمريكا وحلفاؤها الغربيون والعرب "يزعمون" أنهم يقصفون الدواعش في العراق وسوريا، كنا نمدهم بمعلومات عن أمكنة تواجد مقرات داعش ومعسكراتها في هذين البلدين، بينما اليوم بتنا -وبحسب البصيرة الجديدة لنصر الله- نخفي ما لدينا من معلومات عن مواقع داعش عن الأمريكيين وحلفائهم حتى لا يخبروا "صنيعتهم" داعش ويطلبوا منها الإحتراز منا !!.
وبين البصيرة الأولى والبصيرة الثانية حصلت هنات وهنات وويلات وويلات بسبب "البصيرة" الأولى بحقيقة داعش .
سقط من سقط من شهداء في سوريا والعراق بسبب تلك "البصيرة"، قبل أن يكتشف "ببصيرته" الثانية حقيقة داعش ويحاول أن يبني على هذا الأساس سياسته . وسيسقط الكثير الكثير من القتلى وسيكون عندنا المزيد من الأيتام والأرامل والجرحى والمفقودين والأسرى والعداوات والثارات الكبرى إلخ ، بسبب هذه "البصيرة الثانية" المستحدثة قبل أن تنفتح عين "بصيرته" الثالثة في المرحلة المقبلة التي أعتقد أنها لن تكون بعيدة كثيرا، والتي سيعلن نصر الله من خلالها أن كل ما حصل في سوريا كان "الجزء الأول " من المخطط الشيطاني الكافر بالله العظيم، وسيتوجه مجددا باللوم والذم لكل من لا يرى ذلك حينها، محاولا بهذا الأسلوب البائس أن يغطي على الكوارث المتلاحقة التي يوقع بها شيعة لبنان، والتي ستتجلى قريبا عند بداية الجزء الثاني "الأخطر" من مخططات شياطين الشرق والغرب الذي هو الغرض -أساسا- من الجزء الأول !!
وسأذكر لاحقا -إن شاء الله- ما هو الجزء الثاني من ذلك المخطط الذي (الجزء الثاني) هو الغاية الأساس مما يجري الآن في الجزء الأول الذي بات في نهاياته .
عندها سنرى العجب العجاب، وسنرى أي "بصائر" كارثية قد أدارت أمورنا وأورثتنا ورثة ثقيلة لا طاقة لنا بها، وأن ما جرى كان مجرد فتنة شيطانية عمياء قد تم تصويرها لجميع أطراف القتال في سوريا بأنهم يقاتلون في معركة الله ضد الشيطان !!
عباس حطيط