بالرغم من أن الرأي العام الإيراني لا يثق بالروس ولن ينسى تاريخ حروبهم وخياناتهم ضد إيران، إلا أن النظام الإيراني خاصة خلال مرحلة ما بعد الاتفاق النووي وتحديدا في القضية السورية أبدى ثقة بهم وأعطاهم فرصا لاستعراضاتهم الدبلوماسية منها والعسكرية، ولكن كلّ مرة يكشف بأن الروس ليسوا قابلين للثقة أيضاً وليس الأميركيون وحدهم.
فعندما طلبت إيران في العام الماضي من روسيا التدخل العسكري في سوريا، وكانت تأمل بأن تكون مشاركة الروس حاسمة في المعركة إلا أن إيران بعد عودة المقاتلات الروسية من سوريا إلى روسيا في ساعة العسرة، فوجئت بحقيقة الحسابات الروسية المختلفة وتنسيقها مع الولايات المتحدة في القضايا المصيرية.
وللمرة الثانية خلال الأسبوع الأخير وبعد أن فضح الإعلام قضية نشر المقاتلات والقاذفات الروسية، في قاعدة نوجيه العسكرية الواقعة في محافظة همدان الإيرانية في طريقها إلى سوريا لضرب المعارضين المسلحين كشف النظام الإيراني بأن الروس لا يخطون خطوة إلا ولديهم حساب وكتاب، ولا يقومون بأي عمل لوجه الله.
ذلك وأن استخدام الروس قاعدة نوجيه الجوية لضرب أهداف في سوريا، واجه انتقادات حادة في إيران وصلت إلى نواب في البرلمان عبروا عن امتعاضهم تجاه ما اعتبروه نشر المقاتلات الروسية في إيران أو تقديم إيران قاعدة عسكرية لجيش أجنبي، ما يعارض النص الدستوري الإيراني الذي يمنع أي تواجد عسكري أجنبي على الأراضي الإيرانية إلا من خلال إجراءات قانونية رسمية عبر مجلس الشورى الإيراني وبموافقة ثلثي النواب.
وبسبب هذا الحظر الدستوري الذي يجعل من شبه المستحيل التواجد العسكري الأجنبي على الأراضي الإيرانية، يبدو أن إيران كانت تحرص على أن يبقى التعاون العسكري بينها وبين روسيا سرّياً لتستمر عذرية إيران التي اتخذت منذ انتصار الثورة الإسلامية (1979) "لا شرقية ولا غربية" عنواناً لها بجانب " الجمهورية الإسلامية".
ولكن الروس أزالوا تلك العذرية باستخدامهم قاعدة نوجيه الجوية الذي يمثل مكسباً كبيرا لهم دولياً، وهكذا قدّمت إيران دعماً نوعياً للروس والقيصر بوتين في طريقه لإعادة أمجاده الماضية.
استغلال الروس الإعلامي لموضوع استخدام القاعدة الجوية الإيرانية دفع وزير الدفاع الإيراني الجنرال حسين دهقان إلى القول بأن الروس تصرفوا بشكل غير ودّي في قضية استخدام قاعدة نوجيه العسكرية. واعتبر الوزير أن الروس يريدون إظهار أنفسهم كعنصر مؤثر في ميدان العمليات في سوريا، من أجل تحسين مواقعهم في المفاوضات مع الأمريكيين وضمان حصتهم في مستقبل سوريا السياسي.
ويقول خبراء إيرانيون بأن الدفاع عن مصالح النظام السوري يجب أن لا يؤدي إلى خرق الدستور والإساءة بالمصالح القومية والسيادة الوطنية وأن توقع التصرف الودّي من الروس توقع في غير مكانه حيث إنهم كغيرهم يبحثون عن مصالحهم وليس مصالح الآخرين، ولديهم حسابات مؤسسية وليس شخصية. فالفرق بين أداء إيران والروس في سوريا هو أن روسيا تدعم الأسد ولكنها تتطلع إلى ما بعد الأسد، وإيران تقول إما الأسد أو لا أحد.