يدخل المشهد السوري مرحلة جديدة، مرحلة أطلق التساؤلات حولها كلام رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حول مستقبل سوريا والأسد ليستخدم في ما يخدم الوجهة الإيرانية، لكن ما قاله يلدريم عن ستة أشهر ستشهد تغييرات في سوريا باتجاه التسوية لا يختلف عن السياق التركي العام، والذي لم تخرج عنه أنقرة بوجوب خروج الأسد من السلطة وأن لا مستقبل له في سوريا.
لا يخفى أن إيران تحاول التمسك بأي قشة تنجيها من المزيد من الغرق في الرمال السورية، عبر خلق أكبر قدر من الشركاء يخفف من الانهيار المرتقب للنفوذ الإيراني في هذا البلد أو يحدّ منه، هكذا كانت خطوة طلب إيران من روسيا التدخل قبل أكثر من عام، وها هي تحاول أن تجد مع تركيا نقاط تقاطع، لعل الملف الكردي عموما وفي سوريا خصوصا، أصبح مساحة اختبار لتلاقي المصالح بين الدولتين. وكان لافتا بيان الجيش السوري النظامي الذي انتقل من اعتماد تسمية وحدة حماية الشعب حين التحدث عن القوة الكردية العسكرية في سوريا، لينتقل للحديث عن وجود حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية، مترافقا مع قصف للحسكة قام به الجيش الأسدي ضد الأكراد قبل يومين. والموقف الرسمي السوري يعطي الضوء الأخضر للجيش التركي للتدخل في الأراضي السورية على عمق عشرة كيلومترات، بناء على معاهدات بين البلدين. الموقف السوري يندرج في إطار الرسائل الإيرانية والروسية الإيجابية للحكومة التركية.
الغرق الإيراني في سوريا ومحاولة النجاة منه دفعا طهران إلى أنقرة مستفيدة من التباعد بين تركيا وأميركا بعد العملية الانقلابية الفاشلة، وبالموازاة قامت القيادة الإيرانية في خطوة غير مسبوقة ومخالفة للدستور الإيراني بالسماح لروسيا باعتماد قاعدة همدان الجوية منطلقا للطائرات الروسية المتجهة لرمي حممها في سوريا.
في رد فعل على هذه الخطوة الإيرانية من قبل الحرس الثوري قام ما يقارب الـ30 نائبا في البرلمان الإيراني بتوجيه رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني وإلى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، لانتقاد تواجد الروس العسكري في إيران، وإظهار مخاوفهم الأمنية وتأثير ذلك على الأمن القومي الإيراني، حيث أوضح النواب أن جميع الدفاعات الإيرانية تصبح مكشوفة أمام الطيران الروسي، وأنه لا يمكن الوثوق في روسيا كحليف استراتيجي لإيران في المنطقة وأن موقف روسيا وتلاعبها في قضية الملف النووي الإيراني أثبتا ذلك حسب رسالة النواب الإيرانيين.
في مقالة نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت”، أوضح إفرايم هليفي، الرئيس الأسبق لجهاز الموساد، أنه في ظل علاقات الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل وروسيا، فإن اضطرار إيران للسماح للقاذفات الروسية بالتمركز في قواعدها يخدم المصالح الإسرائيلية.
الخطوة الإيرانية التي اعتبرها نواب في البرلمان الإيراني مخالفة للدستور، الذي يمنع إقامة أي قواعد عسكرية أجنبية على الأرض الإيرانية، كشفت كيف أن التورط الإيراني في سوريا يزيد من تقديم إيران تنازلات للدول الكبرى من دون أن تبدي أي استعداد للحدّ من التورط في مواجهات على امتداد المنطقة في حرب أقل ما يقال عنها إنها تدمر الدول العربية والإسلامية ومقدرات المسلمين.
وإمعانا في هذه السياسة التدميرية للدول العربية عمدت قيادة الحرس الثوري إلى الإعلان عن تأسيس الجيـش الشيعي الحر كما سماه العميـد محمـد علي فلكي، أحد قيادات الحرس الثـوري في سوريـا، الـذي قال “إن لواء فاطميون الأفغاني، الذي يشارك بشكل واسع في الحرب السورية، يعدّ نواة للجيش الشيعي الحُر، الذي نتطلع إلى بنائه وتشكيله، ليضم ويوحد جميع الشيعة من كافة الملل، بقيـادة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق قدس الإيراني، الجناح الخارجي للحرس الثـوري الإيراني في المنطـقة”.
وهذه المرة الأولى التي يصدر عن قيادي رسمي إيراني إعلان تأسيس قوة خارجية لها صفة مذهبية، باعتبار أن إيران كانت دائما تعتمد عناوين إسلامية عامة لأذرعها الخارجية لكنها هذه المرة تتحدث بصراحة عن قوة عسكرية شيعية في المنطقة العربية يقودها إيراني، وأيضا هو تعبير عن أن القيادة الإيرانية ذاهبة نحو المزيد من القتال باسم الشيعة، تأمينا لنظام مصالحها القومي على حساب تفتيت الدول العربية.
ولا ينتهي المشهد الذي يؤشر إلى المزيد من الانهيار في السياسة الخارجية وصولا إلى الداخل، إذ قال مساعد وزير الصحة الإيرانى علي أكبر سياري، إن ثلث الشعب الإيراني يعاني الجوع والفقر، وإن أسوء العلاقات التي تحققت لإيران الثورة بعد نحو أربعة عقود ليس المزيد من إفقار الشعب الإيراني فحسب، بل الشرخ مع جموع المسلمين السنة فيما علاقات إيران مع روسيا متينة ومع “الشيطان الأكبر” أكثر من متطورة والميدان العراقي شاهد حي لهذا التعاون.
مهما اتفق الآخرون أو اختلفوا على مبادئ الثورة الإيرانية، فالأكيد أنّ القيادة الإيرانية هي أول من انقلب على هذه المبادئ. سوريا كشفت هزال هذه المبادئ في السياسة الإيرانية على امتداد هلال الممانعة.
علي الأمين: العرب