تدخل المواجهة بين الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردية منعرجا خطيرا، بتحرك الأخيرة على جبهة حلب وقطعها لطريق الكاستيلو، منفذ النظام الوحيد إلى الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرته.
ويأتي ذلك بعد فشل محاولات روسية في إبرام هدنة بين النظام والوحدات الكردية في مدينة الحسكة التي تشهد منذ الأربعاء الماضي تصعيدا خطيرا بين الطرفين.
وذكرت مصادر محلية أن عناصر الوحدات تمكنت من قطع طريق الكاستيلو، من خلال رصده ناريا، موضحة أن المقاتلين الأكراد استطاعوا فرض سيطرة نارية على الطريق من مواقعهم في حيي الشيخ مقصود والأشرفية (شمال غربي حلب)، وقاموا باستهداف المركبات والآليات المارة للنظام، ما أدى إلى انقطاع طريق الكاستيلو بشكل تام.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوة تأتي تمهيدا لمحاصرة الجيش السوري في الأحياء الخاضعة لسيطرته ضمن حلب. وكانت فصائل المعارضة قد شنت مطلع الأسبوع الماضي هجوما واسعا على مواقع الجيش والميليشيات الموالية له بريف حلب الجنوبي الغربي، وسيطرت على العديد من مقرات ونقاط النظام، لتتمكن في نهاية الأسبوع من الوصول إلى الأحياء الشرقية وفك الحصار عليها.
وتنقسم أحياء مدينة حلب إلى قسمين، شرقية تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ أكثر من 3 أعوام، وغربية خاضعة لسيطرة الجيش. وهناك حضور للوحدات الكردية في بعض المناطق القريبة من المدينة. ويقول مراقبون إن اتساع دائرة المواجهات بين الأكراد والنظام، يشي بأن الطرفين قطعا خط الرجعة.
مصلحة تركيا وهدفها هو ألا يحصل الأكراد على أي حق ديمقراطي لهم سواء في مناطق الإدارة الذاتية في روج آفا أو لديها في تركيا
وبدأت المواجهات بين الأكراد والجيش في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، على خلفية اتهام قوات الأمن الكردي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية عناصر الدفاع الوطني الموالية للنظام، بارتكاب تجاوزات مطالبين بحل الجهاز.
وللمرة الأولى منذ انطلاقة الأزمة السورية يتدخل الطيران الحربي السوري في المواجهات مع الأكراد، الخميس والجمعة، الأمر الذي ربطه كثيرون بتوافقات سورية تركية إيرانية لتحجيم التقدم الكردي. وأرجع صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، التصعيد الحاصل بين الحزب الذراع السياسية للوحدات الكردية والنظام السوري إلى “المتغيرات على الساحة الدولية بما في ذلك التقارب بين النظام السوري وإيران وتركيا”.
وقال مسلم، الاثنين، “هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها معارك مع قوات النظام، حيث كانت تحدث بين حين وآخر.. خاصة بعدما قام بعض أبناء القبائل العربية القاطنين لحيي الغويران والنشوة، ممن كانوا قد انضموا لجماعات سلفية جهادية وفي مقدمتها داعش، بحلق لحاهم والانضمام إلى وحدات الدفاع الأمني التابعة للنظام.. وبالتالي فإن التوتر موجود بشكل دائم”.
وأضاف “ولكن هذه أول مرة منذ تحرير المناطق الكردية بالحسكة، منذ خمس سنوات تقريبا، التي يقوم فيها طيران النظام بقصف مواقعنا بشكل مباشر.. وهذا يعود كما قلت للتقارب ما بين النظام السوري والنظامين الإيراني والتركي”. واستبعد أن يكون هناك دور لروسيا في معارك الحسكة، وقال “لا أعتقد أن الأمر يعنيهم.. وقد قام الروس بمحاولات وساطة لوقف القتال.. ولكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق (حتى ساعة متأخرة من ليلة الأحد/الاثنين)”.
وكشف أن “شخصيات من النظام السوري عقدت عددا غير قليل من اللقاءات مع مسؤولين أتراك في كل من أوروبا والجزائر قبل شهور وجرى تسريب أخبارها لجميع القوى المهتمة بالوضع في سوريا، ولكن دون أن يعرف أحد بتفاصيل ما دار فيها ولا الشروط التي وضعت للتوافق بين الطرفين”، مشيرا إلى أنه من غير المستبعد أن يكون ضرب الأكراد مؤخرا قد جاء أيضا نتيجة لتلك اللقاءات.
مولود تشاوش أوغلو: الحدود التركية-السورية يجب أن تطهر بالكامل من تنظيم الدولة الإسلامية
وسخر مسلم مما خرج من تلميحات من مسؤولين أتراك تشير إلى إمكانية تغيير سياسات تركيا تجاه الأسد ونظامه، وقال “قلنا للجميع مرارا وتكرارا إن تركيا مستعدة لأن تفعل أي شيء، بما في ذلك تقبيل الأيادي والأرجل في دمشق وفي أي مكان من أجل تحقيق مصالحها.. فها هي ذهبت بالأمس القريب للتطبيع مع إسرائيل وسعت جاهدة للتصالح مع روسيا رغم عمق الخلافات التي كانت بينها وبين كل من الجانبين”.
وأضاف “مصلحة تركيا وهدفها هو ألا يحصل الأكراد على أي حق ديمقراطي لهم سواء في مناطق الإدارة الذاتية في روج آفا أو لديها في تركيا.. هذه سياسة تركية نعرفها جيدا.. وهي مستعدة في سبيل ذلك إلى أن تقدم كل التنازلات الممكنة، وهي لن تقبل فقط ببقاء الأسد خلال الفترة الانتقالية بل ستقوم أيضا بالتعاون والتنسيق معه ضدنا”. وحول ما إذا تدخلت تركيا لقصف مواقع الأكراد في سوريا، قال “الأكراد لن يصمتوا أو يقفوا مكتوفي الأيدي، وإنما سيقومون بالرد بكل قوة ضد أي اعتداء يوجه لهم سواء من تركيا أو غيرها”.
وتوقع متابعون أنه في حال حصل اتفاق سوري تركي فعلي، فقد تعمد أنقرة إلى إحياء اتفاقية أضنة التي أبرمتها مع دمشق في العام 1998 والتي تنص على ملاحقة حزب العمال الكردستاني وأذرعه على الأراضي السورية.
وسجل مؤخرا توصيف النظام السوري لقوات الأمن الداخلي الكردي (الأسايش) بذراع حزب العمال الكردستاني، في تغير يوحي بالكثير. وبدأت تركيا تقرع بالفعل طبول الحرب على أكراد سوريا من بوابة داعش، فقد أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الاثنين، أن الحدود التركية-السورية يجب أن “تطهر” بالكامل من تنظيم داعش.
ومن المرجح أن تتخذ أنقرة الاعتداء الدامي الذي شهدته مدينة غازي عنتاب التركية ذريعة لبدء تحرك سيكون في البداية لقطع الطريق على الأكراد الذين نجحوا في توسيع نفوذهم في شمال سوريا عبر السيطرة على مناطق حرروها من داعش وآخرها مدينة منبج الاستراتيجية في مرحلة أولى، أما في مرحلة ثانية قد تعمد أنقرة إلى شن هجمات على الأكراد، ولكن ذلك لن يكون بالأمر السهل في ظل الدعم الأميركي للوحدات.
صحيفة العرب