رهان الرئىس نبيه بري ان تشكل جلسة الحوار في 5 ايلول القفزة الأخيرة نحو قانون الانتخاب. هوذا الخرق المنتظر الذي تبذل المساعي «الحساسة» وبعيداً من الضوء لتحقيقه على انه المدخل الى التوافق على الملفات الأخرى، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.
اوساط عين التينة تلاحظ ان هناك قوى سياسية تعتبر ان صناديق الاقتراع هي التي تحدد مصيرها. إما السقوط او البقاء، وبعدما اظهرت الانتخابات البلدية ان هناك تفاعلات داخل التيارات والأحزاب السياسية يمكن ان تؤثر، وبصورة دراماتيكية، في النتائج.
وفي حين تعتبر «القوات اللبنانية» ان الانتخابات النيابية سترفع من رصيدها تحت قبة البرلمان، كما تحت قبة الجمهورية، هناك مخاوف حقيقية داخل تيار المستقبل من الوضع في مناطق الشمال الذي يشكل مخزون القوة الاساسي للتيار...
بطبيعة الحال، توجد داخل تيار المستقبل جهات ترى في اشرف ريفي فقاعة سياسية، بالرغم من النتائج الصاعقة للانتخابات البلدية، ولا بد لهذه الفقاعة ان تنطفىء بمجرد ان يخوض الرئىس سعد الحريري معركة الزعامة وهي اقرب ما تكون، في الظروف الراهنة، الى معركة الوجود.
الأمر نفسه ينطبق على النائب خالد الضاهر الذي يعتمد سياسة «الخنادق المفتوحة»، لتشير تلك الجهات الى ان الاكثرية في الشمال تميل الى الواقعية، اي الى الاعتدال وبعدما بدا ان المسرح السوري لم يعد في يد السوريين ولا في يد اللبنانيين ولا في يد العرب.
المخاوف تنسحب ايضاً على التيار الوطني الحر الذي قد يُخترق في كسروان وفي المتن الشمالي، وان كانت المفارقة المثيرة انه يراهن على «الرفقة الانتخابية» مع النقيضين، «القوات اللبنانية» في بيروت والبترون وزحلة، و«حزب الله» في جزين وجبيل وبعبدا.
اوساط عين التينة تعتبر ان اقرار قانون انتخابي يؤمن للقوى السياسية وجودها القوي على الساحة السياسية يبعث لديها الطمأنينة ويدفع بها الى ابداء المرونة ان في ما يتعلق برئاسة الجمهورية او في ما يتعلق برئاسة الحكومة و...متمماتها.
بري لا يتحدث في ذلك علناً. يضع السلة على الطاولة ويقول «السلة او المجهول»، فيما في رأسه يجول ويصول قانون الانتخاب الذي هو من الفاعلية والتأثير بحيث يعتبر بقوة الدستور ما دام هو من يتولى انتاج السلطة.
قانون انتخاب مركب ويجمع بين النسبي والأكثري، كما يتم تفصيله على قياس الزعامات او القوى السياسية. غير ان خبراء في العملية الانتخابية يقولون ان المشكلة هي في الارتجاج الذي حصل في القواعد الشعبية ما يجعل بعض القوى تتحفظ او تحاول عرقلة اي قانون انتخابي.
هؤلاء الخبراء يرون انه في حين لا توجد تلك القوة الشيعية التي تستطيع كسر شوكة الثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» عبر اوراق الاقتراع، وحين يكون النائب وليد جنبلاط الزعيم الأعلى للطائفة الدرزية، وحين يعتبر الثنائي الماروني التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» ان بامكانهما رفع رصيدهما عبر ائتلاف يشمل سائر الدوائر ذات الغالبية المسيحية، فان الامر يبدو مختلفاً بالنسبة الى تيار المستقبل.
لا أحد يستهين بالقاعدة الشعبية لريفي ولا للضاهر، في حين ان المال الانتخابي يؤدي دوراً حيوياً، وهو ما يحتاج اليه الحريري الذي لا يزال وضعه المالي غامضاً، وان ترددت معلومات حول «اتصالات عائلية» تتعلق بضرورة الحفاظ على الارث السياسي، والتاريخي، للرئىس رفيق الحريري بعدما توزع الارث المالي على الورثة الذين اعتبروا ان على شقيقهم الذي «قطف» رئاسة الحكومة، وهذا يفوق كل المال الذي لديهم، ان يضحي بثروته لتثبيت زعامته السياسية.
هذا دون ان يجدي كل الكلام الذي قيل، وقاله وسطاء، بأن المسألة لا تتعلق بزعامة سعد الحريري وانما بزعامة آل الحريري.
ـ القرار السعودي ـ
مصدر سياسي رفيع المستوى صرح لـ«الديار» بأن الاوان قد حان لقول الامور بوضوح وصراحة. القرار السعودي هو ابقاء العلاقات بين تيار المستقبل و«حزب الله» عالقة ومعلقة. مثلما تحدث المعارك العسكرية من اجل تحسين وتحصين المواقف والمواقع، تحدث المعارك الديبلوماسية.
المصدر يضيف ان السعوديين يراهنون على تحقيق انجازات عسكرية هامة خلال شهر ايلول على جبهة القتال في اليمن باتجاه صنعاء، وهذا يرفع من فاعليتهم السياسية في مقاربة اي حالة تفاوضية حول ازمات المنطقة، وعلى الحلفاء في لبنان الذين انتظروا اكثر من سنتين ان ينتظروا اقل من شهرين لعل شيئاً ما يتغير على الطاولة.
هذه المعلومات يتم تداولها وراء الضوء، مع الاعتقاد ان التصعيد الاخير بين التيار والحزب انما هو وليد دفع خارجي في هذا الاتجاه، وعلى اساس ان القبول بالتسوية في الظروف الراهنة انما هو أشبه ما يكون بالاستسلام.
حتى ان وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي عرف بتصريحاته الديبلوماسية وصل الى حد وصف «سرايا المقاومة» بأنها قوة احتلال، وان جاء هذا الكلام كردة فعل على تصريح يتحدث عن 50 الف عنصر لدى تلك السرايا.
داخل قوى 8 آذار كلام بأن التصعيد المستقبلي، مع اقفال طريق القصر امام العماد ميشال عون بصورة كاملة ونهائىة، انما يرتبط بالمسار المتعرج، والملتبس، الذي تأخذه التطورات الاقليمية...
ـ الروس منزعجون ـ
ولوحظ امس تسليط وسائل اعلام لبنانية وسعودية على قرار موسكو وقف الطلعات الجوية من مطار همدان، لتشير الى ان العلاقة بين الروس والايرانيين تعرضت لهزة حادة، اذ كان الايرانيون الذين يراهنون على ان يأتيهم اتفاق فيينا بالمن والسلوى، يريدون للمسألة ان تبقى سرية.
طهران وصفت كشف موسكو لاستخدام همدان بـ«الاجراء المتهور». هذا الكلام ازعج الروس كثيراً، وجعل السعوديين يقولون انهم كانوا واثقين من البداية بأن قيام علاقة مميزة بين روسيا وايران عملية دونها عقبات كثيرة.
والسعوديون، كما يشير بعض محلليهم، يستغربون ردة الفعل الايرانية، كما لو أن الاميركيين وغيرهم لا يعرفون من اين تنطلق القاذفات او الصواريخ.
والطريف ان تصف جهة خليجية رسمية العلاقة (اليوم) بين موسكو وطهران على انها مثل العلاقة بين واشنطن وانقرة، وان كانت المقارنة تفقد الكثير من الدقة.
اوساط سياسية تعتبر ان وقف استخدام مطار همدان يكشف الى اي مدى يبتعد الملف السوري عن التسوية، ومعه الملف اللبناني بطبيعة الحال، وان كانت معلومات ديبلوماسية قد اشارت الى ان اللقاء المرتقب هذا الاسبوع بين جون كيري وسيرغي لافروف يمكن ان يتطرق الى الملف اللبناني.
وتذكر المعلومات ان مجرد البحث في الملف يعني وجود تصور ما للطريق الذي يمكن ان يفضي الى التسوية.
ديبلوماسي روسي في احدى دول الخليج يصف الوضع هكذا «لا طهران تستطيع الابتعاد عن موسكو ولا موسكو تستطيع الابتعاد عن طهران في هذه الظروف الحاسمة»، ليضيف «اننا نتفهم الحساسية الايرانية المفرطة، ولكن ليس هذا هو الوقت المناسب لتتغلب الضرورة الايديولوجية على الضرورة الاستراتيجية».
اي كلام الآن يزيد في ضبابية المشهد العام. بري شديد التخوف من المراوحة، خصوصاً انه يظن ان اي تسوية او اي صفقة لن تكون لمصلحة احد بقوله ان الوقت لا يعمل لمصلحة اي طرف.
وتبعاً لمصادر عين التينة فان التعاطي مع سلة من انتاج محلي تظل افضل بكثير من سلة من انتاج اقليمي او دولي. هذه هي رسالته، والمصادر التي تؤكد على دعم بري المطلق للحريري في مواجهته للذين يحاولون تحجيمه سياسياً او شعبياً، يأمل في خطوة ما يتخذها رئىس تيار المستقبل باتجاه ايجاد الحلول للازمات التي تزداد تعقيداً يوم بعد يوم.
تغريدات الحريري على تويتر تبتعد عن اي كلام حول المسألة اللبنانية. المشنوق هو الذي يتكلم، ويعرف كيف يوجه الرسائل التي وصلت «طازجة» الى «حزب الله» الذي توقف نوابه ووزراؤه منذ زمن عن مهاجمة تيار المستقبل.
كان كلام لوزير الصناعة حسين الحاج حسن رأى «ان هناك فريقاً في البلد اسمه تيار المستقبل يدّعي انه فريق سيادي هو والرابع عشر من آذار، ولديه حرية القرار بدعوى «لبنان اولاً» الا ان مشكلة لبنان الحالية هي مسؤولية تيار المستقبل والرابع عشر من آذار من خلال رهنهم قرارهم للخارج».
اضاف «انهم لا يستطيعون اتخاذ قرار لبناني صرف»، مشيراً الى «انه عندما يصبح تيار المستقبل حراً في قراراته يمكننا انتخاب رئىس».
واذ يأتي هذا التصريح بعد الكلام الايجابي للسيد حسن نصرالله باتجاه الحريري، وصدور ردات فعل من تيار المستقبل بالتشكيك والاتهام بالقفز فوق الدستور، ترى مصادر سياسية في 8 آذار ان الوضع الداخلي يتجه نحو التصعيد، مع ان بري كان يسعى ليجعل الطريق الى جلسة الحوار في 5 ايلول اقل توترا، وحتى واعداً باحتمال التوصل الى اتفاق ما ولو كان الاتفاق الاطار حول السلة ما يحد من الاحتقان الداخلي في هذه الاوقات المعقدة.
التصعيد يبدو وكأنه لا يهدد جلسة الحوار فحسب بل وطاولة الحوار ايضاً، في حين يرفع التيار الوطني الحر البطاقة الصفراء، وربما البطاقة الحمراء، في وجه الحكومة على خلفية ما يعتبره انتهاكاً للدستور بتكريس التمديد في المواقع العسكرية.
وعشية اجتماع تكتل التغيير والاصلاح اليوم، اشار وزير التربية الياس بو صعب الى «ان الخيارات كثيرة، والاستقالة من الحكومة اذا كانت تؤدي الى النتيجة التي نتطلع اليها لن نتردد في الاقدام عليها».
وقال «ان الوضع مختلف هذه المرة، وهو ليس كما كان في الماضي، فإما قرارات تنقذ البلد او الذي يريد ايصالنا الى الحالة الراهنة قد اتخذ قراراً بالاستئثار بالسلطة، ورفض ان نكون شركاء في البلد، وردنا لن يكون الاستسلام».
واكد بو صعب «ان الوضع جدي جداً، والبلد على مفترق طرق»، محذراً من «ازمة قد تكون اكبر من ان يحتملها اللبنانيون».
حتى الاوساط الديبلوماسية تسأل الى أين حين يتقاطع التأجيج الداخلي مع التأجيج الاقليمي والدولي؟
وفي خضم المواجهة السياسية والاعلامية المحتدمة، لوحظ ان مستشار الحريري الدكتور غطاس خوري بدا وكأنه يتبنى سلة رئىس المجلس النيابي، وان بصورة غير مباشرة. فهو اعتبر، في مقابلة تلفزيونية «ان اي تسوية يجب ان تكون شاملة لكل الافرقاء، ويجب ان تكون بالخطوط العامة متفقة على رئىس الجمهورية والحكومة وعلى كيفية تشكيل الحكومة كي لا ندخل بالعرقلة المعهودة في لبنان، وعلى قانون الانتخابات».
ورأى ان المدة الزمنية لهذه الاتفاقات هي من 6 الى 7 أشهر، مشيراً الى انفتاح تيار المستقبل على اي اسم لرئاسة الجمهورية ضمن التسوية.
واذ لاحظ خوري وجود جمود في الاتصالات السياسية، قال «ان مطلع الشهر المقبل قد يتم تفعيل هذه الاتصالات ويكون الحريري قد عاد الى لبنان».
وقال «نريد ان يبادر احد غيرنا فكل مبادراتنا تمت عرقلتها، واي شخص لديه اقتراحات جديدة فليقدمها»، موضحاً أن النائب سليمان فرنجية «متفهم جداً لمواقفنا ويعرف اننا لن نتخلى عنه، واذا كان لا بد من الاتفاق على اسم سنتفق معه»