ببساطة يطل إسحاق رابين رئيس وزراء العدو الصهيوني بعد عملية تصفية الحساب 1993 ليعلن " لقد هزمنا حزب الله "،
هذه السهولة بمقاربة موضوع النصر أو الهزيمة إنما هي نتاج ثقافة فكرية وسياسية موضوعية، لا علاقة لها إلا بموازين القوى من جهة وبقراءة تفاصيل المعركة بكل أبعادها الميدانية والزمنية والظرف السياسي العام وطبيعة المواجهة بما فيها من ثغرات ومن نقاط قوة أو نقاط ضعف من جهة ثانية، ولا علاقة لها البتة داخل العقل الاسرائيلي لا بأحقية المعركة ولا بالغيب أو مستوى الإرتباط بالسماء.
على العكس تماما من مفهوم النصر في العقل العربي بشكل عام والفكر الاسلامي بالخصوص، فالإنتصار عند الحركات الاسلامية هو دليل ساطع وبرهان قاطع بأحقية المعركة أولا، وبأحقية الجهة الدينية المقاتلة أولا وثانيا، ولأن النصر هو منحة إلهية لا تعطى إلا لعباد الله الصالحين، ولأنه ما النصر إلا من عند الله ، ولأن الله ناصر عبده ،، فلا يمكن لأي حركة دينية تعتبر نفسها بأنها الفرقة الناجية فهي إذا لا يمكن أن ترضى بأقل من الانتصار .
وبغض النظر عن منشأ فكرة ضرورة هذا التلازم بين النصر والأحقيّة، ومدى صوابيتها أو خطئها خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حركة الكثير من الأنبياء والأئمة الذين هزموا في معاركهم ( معركة أحد - كربلاء )، إلا أن من المسلّم به هو تحكم فكرة الترابط هذه بعقلية كل المنضوين في الحركات الاسلامية، ومن هنا فقط يمكن أن نفهم هذا الإصرار الكبير عند حزب الله وتمسكه بزمن الإنتصارات الدائم،
فالإنتصار ببعده السيكولوجي والمعرفي عنده، يعني أن الشيعة على حق وأن الولاية بعد النبي مباشرة هي للإمام علي بن أبي طالب ويعني أيضا أن ولاية الفقيه هي امتداد طبيعي للنبوة وأن الامام المهدي هو المسدد والموجه والأهم من هذا وذلك فإن النصر يعني أن السيد حسن نصرالله هو شخصية إلهية يوحى له أو يكاد، مما يعني بالضرورة أن حزب الله لا يمكن أن يرضى بأقل من الإنتصار وبأقل من إلحاق الهزيمة بالعدو مهما كان هذا العدو، ومهما كانت التضحيات المطلوبة، فإن أقل من إحراز الانتصار يعني تهافت كل المنظومة المعرفية وانهيار تام لكل المخزون الثقافي (الديني)، فالهزيمة تعني برأيه القول الصريح أنك على باطل ولا علاقة لك بالسماء.
فإن لم تكن لهذه الخلفية الفكرية أي محظور بالصراع مع الاسرائيلي، لأن الأخير في عالم مختلف ولا يعنيه الإنتصار أو الهزيمة إلا بقدر ما يخدم مصالحه وأهدافه الاستراتيجية، حتى أن الاسرائيلي لا يكترث البتة بأن يمنح خصمه انتصارات مرحلية أو أن يعلن بنفسه عن هزائم موضوعية اذا ما كانت تصب في خدمة أهدافه الكبرى ، وليس هنا محل نقاشها،
يبقى أن الازمة الكبرى والعميقة عند حزب الله الآن في سوريا بأنه يقاتل خصم من نوعه، ويفكر تماما كما يفكر هو ، فمن المستحيل مثلا أن يخرج الجولاني أو أي مسؤول على الضفة الأخرى ليقول " لقد هزمنا حزب الله "،،، لأنه هو الآخر ولنفس الأسباب التي يراها الحزب لا يمكن أن يرضى بأقل من الانتصار الساحق والماحق، وما صح بالصراع في جنوب لبنان لا يمكن أن يصح في سوريا، هذا بغض النظر عن المستجدات القانونية الناظمة للعلاقة بين الدول والتي لا تعترف بها الحركات الاسلامية من كل المشارب أصلا .