ثمّة مَن يذهب في تفسير كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن رئاسة الحكومة، الى اعتباره إشارة تحوّل في مسار القتال في سوريا بعد خمس سنوات من عدم تحقيق الأهداف التي دخل الحزب اليها من أجلها، ودفع ثمناً كبيراً.في الترجمة اللبنانية لهذا الكلام، إصرار على أن يكون الغطاء السنّي مؤمَّناً في أيّ تسوية كبرى، والمعني هنا بالتسوية، إتفاق لمصلحة «حزب الله»، على طريقة «رئاسة الجمهورية لنا ورئاسة المجلس النيابي لنا، ومستعدون لإعطائكم رئاسة الحكومة لكن على شرط أن تكون أيضاً غطاءً لنا».
بعد التطورات في حلب، أعطى نصرالله الاشارة الاولى الى استعداده للقبول بالرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، لكن فقط بعد انتخاب العماد ميشال عون، على أن يأتي البحث لاحقاً بتركيبة الحكومة، والبيان الوزاري، وقانون الانتخاب.
هذه الإشارة تدلّ ربما على مأزق يعيشه الحزب جراء التطورات الميدانية في سوريا، التي فرضت أمراً واقعاً لم يكن موجوداً قبل فك الحصار عن حلب، كما أنها تدلّ على المأزق الذي وقع فيه الحزب جراء الحرب المذهبية المستعرة.
وهذا ما ترجمه على شكل دعوة لوقف القتال مع «داعش» و»النصرة»، وهو ما بدا أنه تراجع عن الأدبيات التي على اساسها خاض الحزب الحرب في سوريا.
في المعادلة التي طرحها نصرالله ثمة مفارقات، منها ما يتعلق بالعلاقة السنّية ـ الشيعية على مستوى لبنان والمنطقة، ومنها ما يتعلق بمعادلة التوازن الداخلي.
فهذه المعادلة تقوم على محاولة كسب رئيس موالٍ للحزب، وعلى مقاسمة الحريري صلاحياته كرئيس حكومة مقبل، وعلى تكبيله مسبقاً بالمعايير التي أعقبت تشكيل حكومة العام 2009، وهذه في حد ذاتها وصفة لتكرار نتائج ما حصل في العام 2010، لا بل إنها لن تُعد أكثر من محاولة لاستعمال الغطاء السنّي مجاناً لتشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس، وفي الوقت نفسه انتزاع قدرة رئيس الحكومة على أن يكون رئيس حكومة فعلياً، هذا في وقت يستعمل الرئيس المنتخب كورقة دائمة للتعطيل ممسوكة بشكل كامل من الحزب.
امام هذا المشهد، هل ثمّة مَن يتساءل في الوسط المسيحي، عن تمهل الحزب في الذهاب الى انتخاب العماد عون على رغم توفر النصاب لجلسة الانتخاب (لو أراد الحزب ذلك)؟ وهل مَن يتساءل عن مغزى ربط انتخاب عون بالموافقة السنّية، وهو يعني أنّ «حزب الله» لا ينظر الى حليفه المسيحي، إلّا وكأنه مجرد طامح رئاسي، لا تكتمل فيه صفة الحق بإقرار الاتفاقات الكبرى، التي لا توقع إلّا مع مَن يمثلون الطائفة السنّية؟
واستطراداً هل ثمّة في الوسط المسيحي مَن لاحظ أنّ توافق أكبر قوّتين مسيحيتين لم يعنِ لـ»حزب الله» الكثير، لا بل إنّ الحزب تجاوز هذا التوافق وتعامل معه كأنه حدث عابر، مشترِطاً موافقة «تيار المستقبل» على ترشيح عون لكي يسير به، بما أوحى وكأنّ حضور اكبر تيارين مسيحيين لا يقدّم ولا يؤخّر في المعادلة الداخلية.
أمام هذا الواقع، بات الحريري في موقع مَن استعاد بعضاً من اوراق القوة القادرة على تجنّب تكرار ما حصل في العام 2009، وتجنّب التعرض لنتائجه، فهل سيستعمل الحريري هذه الاوراق، أم سيذهب في تسوية غير متكافئة، لا تتناسب مع واقع الحزب المأزوم في سوريا، الذي يسعى لاستثمار أزمته في لبنان، مستغلاً تشتّت خصومه.
يريد «حزب الله» من الرئيس الحريري أن يكون رئيس حكومة فارغ الصلاحيات والقدرة، يريد الشرعية السنّية لانتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة التي ستجدّد إعطاء الغطاء للسلاح الذي يقاتل في سوريا، فهل يتكرّر سيناريو 2009؟
العارفون يؤكدون أنّ الحريري تجاوز هذا المأزق، وأنّ الامور بالتالي عادت الى المربع الأول.