فعلها الرئيس سعد الحريري مجدداً، ونكث بوعوده للعماد ميشال عون مرة أخرى. موجة التفاؤل التي سادت في الأسابيع القليلة الماضية، خصوصاً في الأوساط العونية، بقرب التوصل الى حل للملف الرئاسي تبيّن أنها «فاشوش».
مرجع في فريق 8 آذار أكّد لـ «الأخبار» ان معادلة «عون للجمهورية مقابل الحريري للحكومة» انتهت، وبالتالي «توقف كل شيء. لا رئاسة في المدى المنظور ولا من يرأسون».
مصادر مطلعة كشفت لـ «الأخبار» أن البحث في الملف الرئاسي شهد دفعة في الشهرين الماضيين بعدما أيقن فريق الحريري أن ترشيح النائب سليمان فرنجية وصل الى طريق مسدود. ترافق ذلك مع اشتداد الأزمة المالية التي أطاحت بامبراطورية «سعودي اوجيه»، ومع نتائج الانتخابات البلدية التي قرعت جرس الانذار في بيت تيار المستقبل.
الأوساط المحيطة بالحريري دقّت مجدداً أبواب التيار الوطني الحر، واستؤنف الحوار بين وزير الخارجية جبران باسيل ونادر الحريري، مستشار رئيس الحكومة السابق وأمين أسراره. سمع العونيون كلاماً مفاده أن هناك توجهاً في السعودية لا يمانع بانتخاب عون رئيساً للجمهورية، وفهموا أن الحريري تجاوز مشكلة رئاسة عون، وأن سؤاله الأساسي هو عمّا يمكن أن يقدمه الطرف المقابل، وعلى رأسه حزب الله، في شأن «سلة متكاملة» تضم انتخاب رئيس للجمهورية، واختيار رئيس للحكومة، والاتفاق على توزيع الوزارات، وقانون جديد للانتخابات، وغيرها.
بالنسبة الى الحزب كل المؤشرات كانت تشكّك في جدية التفويض السعودي الممنوح للحريري ومداه. وفي ظل الاشتباك الحادّ بين الرياض وطهران على كل ملفات المنطقة، ما من إشارات الى تغيير في موقف المملكة من ملف رئاسة الجمهورية. أضف الى ذلك انه ليس مفهوماً كيف يمكن أن «يضحي» السعوديون بالقبول بعون رئيساً للجمهورية كرمى للحريري، في وقت يمتنعون عن حل مشكلته المالية ويعملون على التشهير بشركاته وتصفيتها. رغم ذلك، تجاوز الحزب كل شكوكه في جدية الطرح الحريري، وأعلن بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، في خطاب السبت الماضي، استعداده للتسهيل وفق قاعدة: رئاسة الجمهورية في مقابل رئاسة الحكومة.
مرّ أسبوع على الكلام الايجابي من دون جواب من الحريري الذي غالباً ما يعلق على خطابات نصرالله قبل انتهائها ما أثار شكوكاً عونية. غاب الحريري عن السمع تماماً، وذهب في إجازة طويلة على متن يخته. استؤنفت الاتصالات مع مفاوضيه ليأتي الجواب غير المباشر سلبياً: «الأمور مش زابطة ولن نمشي بعون». ترافق ذلك مع تأكيد أطراف محلية ــــ على رأسها الرئيس نبيه بري ــــ لفرنجية بعدم السماح بانتخاب عون رئيساً. وجاء الرد العملي في جلسة الحكومة أول من أمس بالتمديد للأمين العام للمجلس العسكري اللواء محمد خير تمهيداً للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. ونُقل عن بري أمس قوله أن لا انتخاب لرئيس للجمهورية قريباً وأن الحوار العوني ــــ الحريري «كلام في الهواء».
عملياً، انتهت موجة التفاؤل. «الجو العوني ــــ الحريري تكهرب وكل شيء توقف. والوعد غير المفهوم من الحريري لعون بالرئاسة مقابل ضمانات ورسائل ضمانات انتهى عملياً» بحسب المصادر. وأيقنت أوساط التيار الوطني الحر أنها وقعت، مرة أخرى، ضحية الخداع الحريري، كما في الحوار الأول الذي بدأ نهاية 2014 واستمر تسعة شهور بين روما وباريس وبيت الوسط.
مصادر في 8 آذار تعزو التراجع الحريري «إما الى أن الأخير مستعجل للعودة الى السلطة، وهو مقتنع بأن ذلك لن يكون الا من خلال التفاهم مع حزب الله، وعليه أقدم على المبادرة من دون تفويض سعودي على أن يحاول تسويقها في الرياض لاحقاً، أو أنه سمع كلاماً من أوساط سعودية ما، ولكن ليس من الرجل القوي محمد بن سلمان».
من هنا الى أين؟
أوساط 8 آذار تؤكد أن الأسابيع المقبلة ستكون مفصلية إذا لم يحسم ملف الرئاسة، «ويبدو البلد ذاهباً الى مشكل كبير». إذ من الواضح أن لدى عون وحلفائه نية للتصعيد في ضوء كلام باسيل لـ «الأخبار» أول من أمس عن «الخيارات المفتوحة». وبالتالي، إذا لم تنجح المحاولة الأخيرة التي ينوي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الإقدام عليها بطرح الملف الرئاسي على محمد بن سلمان بعد اقتناع باريس بأن سبب التعطيل سعودي أساساً، قد نكون أمام رئاسة شاغرة وحكومة مشلولة ومجلس نيابي معطل وعدم إجراء انتخابات نيابية. كل ذلك مترافقاً مع ضغوط اقتصادية ومالية قد تضع البلاد أمام المجهول. «إنها أسابيع من القلق»، تنهي المصادر.