قبل أن تضع الحكومة يدها على ملف الخرق الاسرائيلي البرّي في الجنوب وقبل أن تباشر اتصالاتها الديبلوماسية وقبل أن تطلب وزارة الخارجية اللبنانية من بعثتها في نيويورك تقديم شكوى رسمية ضد اسرائيل في الأمم المتحدة، كان أهالي شبعا ومنطقة العرقوب ينزعون بأيديهم وبالعلم اللبناني الأسلاك الشائكة التي حاول جيش الاحتلال أن يزنّر بها خرقه المتمادي للسيادة اللبنانية في منطقة مزارع شبعا.
هذه المعادلات الجديدة نسبها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى المقاومة وما حققته في مسيرتها الممتدة منذ عقود من الزمن، معتبراً أن النظام الرسمي العربي لطالما كان مستفيداً من نشوء الكيان الصهيوني، مشككاً في الوقت نفسه بقدرة دولة فاشلة وعاجزة في لبنان على بناء توازن استراتيجي رادع في الوقت الذي تعجز فيه عن القيام بأبسط واجباتها برفع النفايات من الشوارع.
واذا كان السيد نصرالله قد فتح بعض صفحات حرب تموز 2006 اللبنانية «الموجعة» والتي لم يتطرق اليها منذ عشر سنوات، فإن مقابلته عبر شاشة «المنار» ليل أمس، لم تقارب الملفات الداخلية الخلافية، ولكنها أعطت اشارات ايجابية حول رسوخ الاستقرار الداخلي، كما عند الحدود، وذلك بشكل غير مسبوق منذ عقود طويلة من الزمن.
وفيما ألمح نصرالله للمرة الأولى الى وجود «حلفاء» لتنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي في الحكومة اللبنانية، في سياق مقاربته للموقف الميداني في السلسلة الشرقية وتحديداً للخطر الإرهابي في جرود عرسال، كان وزير الداخلية نهاد المشنوق، يعمّم عبر مكتبه الاعلامي، نص خطاب ألقاه لمناسبة تكريم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، تضمن عبارات سياسية هجومية، لم يسبق أن أدلى بمثيل لها منذ فترة طويلة، وهي إن دلّت على شيء، انما على بداية تحول في موقف «تيار المستقبل»، خصوصاً أن المشنوق كان من دعاة التسوية الداخلية، بما في ذلك تبنّي ترشيح العماد ميشال عون، وليس من دعاة «قلب الطاولة» عبر الانسحاب من الحوار والاستقالة من الحكومة.
واذا كان موقف وزير الداخلية يؤشر سياسياً الى ملامح اشتباك، فإن الجواب الحاسم الذي أعلنه وزير الدفاع سمير مقبل، أمس، حول نيته تمرير التمديد لبعض القيادات العسكرية والأمنية بالتقسيط، بدءاً من الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، اليوم، وصولا الى توقيع قرار التمديد الأخير للعماد جان قهوجي في قيادة الجيش في أيلول المقبل، «لن يمرّ مرور الكرام» على حد تعبير أحد وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» في الحكومة.

حتى أن وزير الزراعة أكرم شهيب الذي زار الرابية، أمس، سمع موقفاً مماثلا من العماد ميشال عون، فيما قال أحد وزراء «8 آذار» إن وزراء «تكتل التغيير» الثلاثة جبران باسيل والياس بوصعب وأرتور نظريان، سيبادروا الى ابلاغ رئيس الحكومة بقرار الاعتكاف عن حضور جلسات الحكومة، من دون معرفة طبيعة الموقف الذي سيتخذه وزيرا «حزب الله» سواء بالتضامن مع حلفائهم أو عدم تضخيم الاشتباك السياسي بسبب التمديد لبعض القيادات العسكرية.
المشنوق: لم نلق إلا الاهمال
وكان المشنوق قد هاجم «سرايا المقاومة»، وقال إن ما «نسميها سرايا الفتنة، باتت سرايا احتلال.. وسنقاومها بكلّ الطرق والوسائل السلمية والسياسية، ولن نقبل بها تحت أيّ ظرف من الظروف وفي كل مكان وليس فقط في الحوار».
وردَّ المشنوق على خطاب السيّد حسن نصرالله الأخير في بنت جبيل، بالقول «صحيحٌ أنّ خياراتنا محدودة، لكنّها بيدنا ولا أحد يقرّر عنّا».. وتناول موضوع رئاسة الجمهوريّة قائلا «مَددنا اليد أكثر مما يحتَمِل أوفى الأوفياء بيننا، دفاعاً عن كلمة سواء مع شركائنا في الوطن، ولم نلقَ، صراحةً، إلا الإهمال مضموناً، والاهتمام شكلا».
واعتبر أن التسوية المطلوبة «لا تتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية ولا بهيبة رئيس الحكومة، لأنّ من ستتم تسميته هو الرئيس سعد الحريري، الذي يستحق ذلك بأصوات الناس وبدماء الشهداء لا منّة من أحد»، معلناً تأييده للرئيس نبيه بري على رأس المجلس النيابي.
نصرالله: متمسكون بالوحدة الوطنية
من جهته، رأى السيد حسن نصرالله خلال مقابلة مسجلة مع الزميلة كوثر البشراوي عبر شاشة «المنار» ليل أمس، أنه «اذا حدثت حرب جديدة على لبنان فالمقاومة ستنتصر»، وأكد أن «الحكومة اللبنانية في حرب تموز 2006 لم تكن تمت للمقاومة بصلة».
وكشف أنه في الأيام الأخيرة لحرب تموز، اتصلت احدى السفارات الأوروبية بالسيد نواف الموسوي (كان وقتذاك مسؤول العلاقات الدولية في الحزب)، وأخبرته أن الاسرائيلي والأميركي والدول الكبرى الخمس كلها تريد ايقاف الحرب، ولكن لم يبق سوى الحكومة اللبنانية. وأضاف أن الحرب كان يمكن لها ان تتوقف قبل 14 آب، لكنها استمرت بفعل موقف الحكومة اللبنانية، وكانت حجتها كيف يمكن ايقاف الحرب ولم يتم نزع سلاح حزب الله.
وفيما أوضح نصرالله أن حزب الله «لم يطالب بعد انتصار عام 2006 بالسلطة في لبنان لأن ذلك كان سيؤدي إلى حرب داخلية»، قال «كنا نريد في حرب تموز أن لا تكبر الأحقاد الداخلية ونحافظ على الوحدة الوطنية وعدم فتح باب للكراهية لكن للأسف فإن الطرف الآخر يعمل العكس منذ العام 2005»، وأضاف «خطابنا دائماً أن لا خيار أمامنا إلاّ بوحدة اللبنانيين والدليل على ذلك أنه لا مشكلة لدي بأن أكون في حكومة واحدة مع تيار «المستقبل».
ونفى ما يقال بأنه «يعيش في ملجأ»، وأضاف «استقبلت الجميع بعد الحرب من وفود وسياسيين وأصدقاء وأعيش حياتي الطبيعية ولست مختبئاً»، كاشفاً أنه «بعد الحرب زار البقاع والجنوب وكل المناطق».
وأسف أنه «خلال الحرب حاول البعض افتعال اشكال بين الجيش والمقاومة وكان هناك قرار من رئيس الوزراء بمصادرة شاحنات الاسلحة»، وقال «لقد قام الجيش بمصادرة شاحنة أسلحة خلال حرب تموز بسبب القرار السياسي وقد تم حل المشكلة بالتنسيق مع الرئيس لحود والرئيس بري»، وأضاف «لقد قمنا بالتهديد للرد على القرار السياسي الذي اتخذ بمصادرة الشاحنات لأن اذا استمر هذا العمل كان سيأخذ البلد إلى مكان خطير».
ولفت السيد نصرالله الى أن «جنوب لبنان يعيش أمناً واستقراراً وازدهاراً وهناك مشكلة وحيدة نتيجة تقصير الدولة هي البطالة»، وقال «هناك استقرار في لبنان لم يسبق له مثيل بعد حرب تموز ولولا تضحيات الجيش اللبناني ورجال المقاومة لكان لبنان دخل في الفوضى»، وأضاف «الجيش خلال حرب تموز تصرف بعقيدته الوطنية وبروح التضحية وساعد بحسب امكاناته وقدم الشهداء».
وأكد أنه من «أجل مصلحة البلد وأهله والنازحين اليه من أجل أمنهم واستقرارهم فإننا على استعداد الى الجلوس مع من يناصبنا العداء، ولو كنت شخصياً قادراً على الذهاب الى الحوار والجلوس معهم لذهبت».
واعتبر أن «المشكلة في مواجهة الجيش اللبناني للتكفيريين ليست روحه الوطنية وارادته وقدراته انما القرار السياسي»، وأكد أن «هناك من يرفض اعطاء الجيش اللبناني القرار لحسم المعركة مع التكفيريين في جرود عرسال»، معتبرا «النصرة» عندها حلفاء في الحكومة اللبنانية.
وأكد نصرالله أنه «إذا قام التركي بإغلاق الحدود مع سوريا لا يمكن إدخال المسلحين ولا يمكن للسعودية أن تنزل الأموال في الطائرات»، وقال «اذا اقتنع التركي بأن أفق مشروعه في سوريا قد انتهى نكون قد احرزنا تقدماً لأنه سيتوقف الاستثمار على المجموعات المسلحة ووصول المسلحين من الحدود»، واضاف «التركي يجب أن يقبل أن مشروع الحرب في سوريا انتهى وأنه لا يمكن الدخول الى المسجد الأموي وعليه أن يمشي في الحل السياسي».
وحول ما يقوله «الاسرائيلي بأننا اكتسبنا خبرات كبيرة بسبب الحرب السورية واستفدنا من الكثير من الخبرات الهجومية»، قال نصرالله «عندما نقاتل في سوريا كتشكيل كبير متنوع الاسلحة ونشارك في أعمال قتالية كبيرة وواسعة ونخرج المسلحين من مساحات جغرافية واسعة يعني أننا نكتسب خبرات كبيرة»، وأضاف «إذا طلبنا من المجاهدين دخول الجليل فلدينا الكثير من الخبرات اكتسبناها من الحرب في سوريا»، معتبراً أن «ما يحدث في سوريا هو انتقام من حرب تموز واستكمال لها».
وأكد نصرالله أنه لن يكون للصهاينة أي مستقبل في المنطقة»، مشيرا الى انها مسألة وقت، وقال إنه ليس هناك «حركة مقاومة فلسطينية تستطيع السكوت عن التطبيع السعودي مع اسرائيل»، وأكد ان «فلسطين لوحدها تجمعنا اكثر من مليون سبب يفرّقنا».