يخيم شبح الحرب الطائفية والعرقية على عدد من المناطق العراقية المعروفة بتنوع تركيبتها السكانية وخصوصا تلك المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق، مثل قضاء طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين والذي باتت فسيفساؤه السكانية بمثابة برميل بارود مهيأ للانفجار في أي لحظة.
ويعتبر قضاء الطوز نموذجا عن تنوع التركيبة السكانية في العراق، فقوميا تتعايش داخله قوميات الكرد والعرب والتركمان، ومذهبيا يتعايش داخله السنّة والشيعة.
وسرّع تقدّم الحرب على تنظيم داعش من وتيرة الصراع على عدد من مناطق العراق، مع بروز رغبة أطراف مشاركة في تلك الحرب باستغلالها لتغيير الحدود المتعارف عليها حاليا وتحوير خارطة السيطرة على المناطق.
وسبق لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، أ ن عبّر عن ذلك بالقول “إنّ حدود الإقليم ترسم الآن بالدم”.
وشهدت مناطق عراقية متعدّدة الأعراق والمذاهب خلال الأشهر الماضية تفجّر نزاعات مسلّحة اعتبرت مؤشرا خطرا على صراع مذهبي عرقي تغذيه المطامع الإقليمية، وقد يكون عنوان مرحلة ما بعد الحرب على داعش في العراق بما أفرزته من تغوّل قوات غير نظامية منفلتة من رقابة الدولة، في مقابل تراجع مكانة القوات المسلّحة العراقية وسقوط هيبتها.
ومن تلك المناطق قضاء طوزخورماتو الواقع بشمال شرق محافظة صلاح الدين، وشهد في أبريل الماضي اقتتالا بين البيشمركة والحشد الشعبي التركماني الشيعي، هو الثاني بعد اقتتال كان وقع في نوفمبر 2015.
وتمّ تطويق النزاع آنذاك بتفاهمات هشّة أبقت جمرة الصراع متقدة وقابلة للاشتعال في أي لحظة.
وعبّر مسؤولون من الجانبين الكردي والتركماني في مدينة الطوز، عن تخوفهم من عودة الاقتتال مرة ثانية بين طوائف المحافظة، مشيرين إلى أن الاتفاق الذي عقد لتهدئة الأوضاع في أبريل الماضي لم ينفذ منه سوى 10 بالمئة على أرض الواقع.
وانتهى الاقتتال الأخير باتفاق بين الطرفين يتضمن إعادة التوازن للطوائف في جهاز الشرطة والحشد الشعبي والبيشمركة في مركز المدينة، ووضع نقاط حراسة وتفتيش مشتركة من الطرفين.
وقال هيثم مختار أوغلو، مسؤول الجبهة التركمانية في المحافظة العراقية، إن “10 بالمئة فقط من الاتفاق تم تنفيذها بينما لم يلتزم الطرفان، الحشد الشعبي التركماني والبيشمركة الكردية، ببنوده كاملة”.
وأضاف أوغلو لوكالة لأناضول أن “عمليات خطف يتبادلها أصحاب القوة في المدينة من الجانبين، وهو ما يهدد أمن طوزخورماتو ويذكي مخاوف من عودة الصراع بين الطوائف والقوميات”.
ومن جانبه قال القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، حسن بهرام، “لا يوجد تنفيذ حقيقي لبنود الاتفاق بين الطرفين، إذ لم ينسحب مقاتلو الحشد الشعبي التركماني من المدينة، ولم تتم عملية الموازنة داخل جهاز الشرطة للطوائف وقوميات المدينة”.
وتابع بهرام أن “عمليات خطف المدنيين بدأت تنتشر في المدينة من قبل جهات نافذة ومعروفة تتحدث باسم الحشد الشعبي يجب ردعها لإعادة الثقة داخل المدينة”.
وكانت قوات البيشمركة قد سيطرت على طوزخورماتو بعد غزو تنظيم داعش صيف 2014 للكثير من المناطق العراقية وسيطرته عليها بعد انسحاب الجيش منها. لكن المشاكل بدأت تطل برأسها في المدينة مع تشكيل الحشد الشعبي التركماني الشيعي فيها، وما تبع ذلك من توتر بين الجانبين.
وتؤشّر مثل هذه الصراعات التي يُخشى أن تتحول إلى حرائق متنقلة عبر مناطق العراق، على الضرر البالغ الذي لحق بوحدة المجتمع العراقي شديد التنوّع، وهو ضرر يتجّه نحو بلوغ درجة الانفجار بفعل ما هو قائم من فوضى السلاح، وكثرة الأجسام شبه العسكرية غير النظامية، فضلا عن وفرة عوامل التوتير من عداء طائفي وعرقي ومن تدخلات إقليمية تترجم حجم المطامع في العراق الضعيف.
فللحراك التركماني، حسب مصادر كردية، امتدادات خارج البلاد مرجعياتها في أنقرة من بينها “الجبهة التركمانية”. أمّا مذهبيا فالحشد الشعبي التركماني شيعي، وهو يعمل بالتنسيق مع أنقرة وطهران.
وأكّدت ذات المصادر أن للعاصمتين مصلحة وفق أجنداتهما في تحويل ما هو متنازع عليه في العراق إلى صراع كردي شيعي من خلال جرّ الحشد لقتال البيشمركة.
وتتهم أوساط كردية تركيا بأن لها مصلحة كبيرة في خلق الأزمات في هذه المنطقة بغية إضعاف إقليم كردستان الذي تعلن أنقرة الصداقة لبعض قياداته لكنّها تضمر التوجّس من سعيهم لتأسيس دولة كردية مستقلّة في المنطقة.
ولا تغفل ذات الأوساط التذكير بأن لإيران مصلحة أيضا في صراع الحشد ضد البيشمركة “بغية إضعاف أكراد الجنوب وتجربتهم”، وترى هذه المصادر أن الحشد الشعبي الذي يضم التركمان الشيعة يهدف إلى خلق حرب بين الشيعة والأكراد، فيما القوميون التركمان يحاولون من خلال تحالفهم مع القوميين العرب تحويل الصراع إلى عربي كردي أيضا.
صحيفة العرب